يقوم هذه الأيام وفد أمريكي بجولة جديدة إلى بلدان الشرق الأوسط، ويقود الوفد مستشار وصهر الرئيس الأمريكي “جاريد كوشنر”، مصحوبا  “جيسون غرينبلات ” وشملت الزيارة الأردن والسعودية وقطر ومصر ويختمها بزيارة الكيان الصهيوني…وفي متم زيارته للأراضي المحتلة، وجه كوشنر رسالة للشعب الفلسطيني تناقلتها صحف محلية، وفحواها ضرورة قبول الشعب بتسوية تاريخية لهذا النزاع الذي امتد فترة طويلة من الزمن..

وتعبر الرسالة و الجولات و التحركات الدبلوماسية المشبوهة (لقاء ثلاثي بين ولي عهد السعودية و ملك الأردن و نتنياهو في الأردن حسب ما ورد في صحافة العدو الصهيوني)، عن تمهيد أمريكي لطرح صفقتهم، ووعد بتسوية وإنهاء النزاع الفلسطيني الصهيوني في إطار ما أصبح يعرف إعلاميا بصفقة القرن والتي لازال مضمونها غامض..وتأتي هذه الصفقة و التي لن تكون إلا “صفعة” جديدة للقضية الفلسطينية من منطلق :

أولا_التحيز الواضح و السافر للإدارة الأمريكية ، وهو ما تأكد باعتراف ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس..

ثانيا_الضعف و الوهن و التخاذل الذي أصاب القيادة الفلسطينية و العربية، و تفريطها في كل الخطوط الحمر..

فما الذي يراهن عليه كوشنر من وراء زياراته المتكررة للمنطقة؟ وهل اقتربت ساعة رفع الحجب عن  فحوى صفقة القرن؟ وما هي أوراق الضغط والمناورة المتاحة أمام الشعب الفلسطيني و العربي و الإسلامي، في ظل  حالة التفكك و الخلاف الذي تعيشه المنطقة ؟ وهل سيتمكن ترامب و صهره من فرض “الصفقة” على الشعب الفلسطيني؟

ما أشبه اليوم بالأمس، فصفقة ترامب ووعد صهره كوشنر، لا يختلف في المضمون و الغاية و السياق الإقليمي و الدولي المحيط به، بوعد بلفور الذي نزع فلسطين من أهلها، ومنحها للكيان الصهيوني الغاصب، وهو نفس ما فعله ترامب عندما منح ما لايملك إلا من لايستحق، فهو اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، كما اعترفت حكومة بلفور بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وهي لا حق لها في ذلك فالأرض ليست أرضها :«تنظر حكومة صاحبة الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ، و ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.»…

من دون شك ترامب يحاول استغلال حالة الفراغ الذي تعيشه المنطقة، و يوظف الأنظمة العربية التي وصلت لدرجة من العمالة و الانحدار لم نرى له مثيلا من قبل، فحالة العرب اليوم شبيهة بحالهم عند إطلاق وعد بلفور، فالمنطقة فاقدة للإرادة و الاستقلال السياسي، فهي تحت السيطرة الأمريكية و الانصياع التام لأمريكا و ربيبتها إسرائيل…

لكن على الرغم من عمالة الأنظمة و فقدانها للحس الوطني و القومي و الديني، وتحالفها مع أعداء الأمة للإضرار بالأمة و حقوقها المشروعة، فإن الشعوب قادرة و مؤهلة لإفشال كل المخططات و الصفقات…فالأنظمة العربية لا يمكن الاعتماد عليها و “ليس بين القنافد أملس”، فتطلعات الأنظمة و سقف طموحاتها ضيق الأفق ، الرهان على الشعوب العربية و الإسلامية..

قد يبدو كلامنا مندفعا و متفائلا، لكني أصر على أن ما يتم الترويح له من صفقات و مؤامرات لن يكتب لها النجاح، فالشعوب أصبحت أكثر إدراكا لما يحاك ضدها إن وطنيا أو قوميا أو دينيا…فتسابق الأنظمة العربية و سعيها الجاد نحو تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني و الاستسلام للموقف الأمريكي ولد رد فعل معاكس، وأصبحت الشعوب أمثر حذرا من حكامها …

فرغم تعدد المآسي و تناسل المؤامرات فعلينا أن نتفاؤل، فالشعوب العربية و الإسلامية قادرة على كبح جماح الانحدار، فمن كان يتصور أن الكيان الصهيوني، أصبح يضرب أخماسا في أسداس، ويضبط نفسه أكثر من اللازم، قبل قصف أهداف في غزة أو بجنوب لبنان.. وهو الذي كان إلى وقت قريب قادر على سحق شعوب عربية بأكمالها في ساعات، والتغلغل في عمق غزة وجنوب لبنان بالأميال في دقائق ..فتحث ضغط صواريخ حزب الله و حركة حماس و أنفاق غزة ، وإبداع العقل المقاوم لوسائل و أدوات للمقاومة أكثر تأثيرا و أقل كلفة، أصبح جيش الاحتلال يحسب حسابا لصواريخ  و المقاومة الإسلامية فلسطين و لبنان، وأصبح تغلغله العسكري يحسب بعشرات الأمتار بدل مئات الأميال….

لقد نجحت المقاومة في فلسطين و في  لبنان ، في تغيير قواعد اللعبة، وفي الحد من اندفاع الكيان الصهيوني، و مايتم الترويج له لن يكون أسوأ مما رأيناه حتى الآن، فالموقف الأمريكي من القدس عنوان للمرحلة القادمة، و رد أهلنا في غزة ومسيرات العودة، كانت أقوى رد على موقف الانبطاح و التخاذل العربي الرسمي..

علينا أن نتفاؤل، فسعي الشعوب العربية و الإسلامية، إلى تحررها من الاستبداد و الطغيان و التخلف، لن يقود إلا إلى دعم تيار المقاومة و رفض التفريط في الأرض و العرض ، وفي مقدمة ذلك القدس و فلسطين، رأينا جميعا موقف الحكومة و الشعب التركي من الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للصهاينة، نفس الأمر رأيناه في ماليزيا و أندونيسيا و في تونس… فحركة التغيير و الصمود والمقاومة تكسب كل يوم أرضا جديدة…فنجاح و صعود أنظمة ديموقراطية ووطنية لن يكون إلا في صالح نصرة القدس و فلسطين..

علينا أن نتفاؤل، لأن القران الكريم و النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بذلك، و لنا في سورة الإسراء وعد بالاندحار الصهيوني بعد علوهم و طغيانهم، قال تعالى :  {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)} [الإسراء : 5-6]وقوله تعالى : {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء : 7] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقومُ السَّاعةُ حتى تُقاتلوا اليهودَ، حتى يقولَ الحَجَرُ وراءه اليهوديُّ: يا مسلِمُ، هذا يهوديٌّ ورائي فاقتُلْه) (رواه البخاري).

وما سردناه في السابق مؤشر على قرب تحقق الوعد الرباني و الوعد النبوي، فالشمعة عند قرب نهايتها تصبح أكثر توهجا، وذلك ليس مؤشر على قوة الإضاءة، بقدر ماهو مؤشر على الأفول…والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..