
"سياسة" و"ديمقراطية" "العدل والإحسان"

1
آراء أخرى
انتقد عمر احرشان، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لتنظيم “جماعة العدل والإحسان”، في تدوينته على الفايسبوك الجهات الداعية لمسيرة 8 يوليوز (فدرالية اليسار الديمقراطي والنهج الديمقراطي). ويعتبر هذه المسيرة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين لحراك الريف جرادة وجميع المعتقلين السياسيين و الصحافيين “مؤشر سلبي وتبعث برسائل سلبية ” ويصف المسيرة على أنها “ابعد عن أن تكون مسيرة الشعب المغربي”. يضيف أن “القوى الداعية لها بعيدة عن الميدان وعن نبض الشارع و تقدر تقديرات تكون لها تداعيات كارثية على حجم التضامن مع حراك الريف” ، كما يعتبر أن “جماعة العدل و الإحسان ترفض أن تخضع للابتزاز السياسي الذي يريد البعض، أي هذه القوى اليسارية، إخضاعها له.
ولا يتردد عمر إحرشان في اعتبار قوى اليسار الراديكالي التي دعت و نظمت مسيرة 8 يوليو في الدار البيضاء بأنها بعيدة عن الميدان وعن نبض الشارع.
وهذا يعني ضمنيا أن “جماعة العدل والإحسان” وحدها قريبة من نبض الشارع و مندمجة فيه. وهذا ادعاء نرجسي وإسقاط إيديولوجيتها على الشعب.
وبما أن “جماعة العدل والإحسان” لم تشارك في مسيرة 8 يوليو بالدار البيضاء فهذه المسيرة لا تمثل الشعب، وبالتالي فإن “جماعة العدل و الإحسان” هي التي تمثل الشعب. إنها النزعة النرجسية والاحتقارية وهي سمات لصيقة بحركات الإسلام السياسي وممارستها ضد من يخالفها ومن لا ينسق معها. إنها نزعة تكشف العقلية اللا ديمقراطية الكامنة في الخط الإيديولوجي وممارسة “جماعة العدل والإحسان”، ولذلك ممارستها “السياسية” تستعمل خطاب الديمقراطية فقط كآلية تمكنها من اقتحام الأنشطة الجماهيرية للقوى اليسارية الديمقراطية لإطارات المجتمع المدني لتحقيق هدف السيطرة على المجتمع لاقتحام الدولة لتطبيق مشروع “إمارات قطرية” ضمن صيرورة تحقيق “دولة الخلافة” الثانية كما ينظر لها الراحل عبد السلام ياسين.
يضيف عمر إحرشان : “ليس منطقيا البتة أن تنفرد جهة بالدعوة لمسيرة وطنية”.
لنتساءل ، ما الذي يمنع في أن ينفرد حزب واحد أو نقابة واحدة أو جمعية واحدة بالدعوة لمسيرة وطنية؟
الديمقراطية والحق في الاختلاف لا يمنعان ذلك !!والسياسة مصالح متناقضة.
أما السيد عمر إحرشان فموقفه حاسم عندما يقول: “ليس منطقيا البتة أن تنفرد جهة بالدعوة لمسيرة وطنية”، وبالتالي يعتبر أن “الجهات الداعية لمسيرة 8 يوليو الأخير تريد إخضاع “جماعة العدل و الإحسان للابتزاز !
من يخضع المسيرات للابتزاز السياسي؟
أليست “جماعة العدل والإحسان” هي من تمارس الابتزاز السياسي، وأكثر من ذلك تمارس الانتهازية الفئوية حين تشارك في المسيرات بتكـتـل أتباعها وتابعاتها ليتميزوا بـ”المنتمين” و بـ”المنتميات” لجماعتهم عن جميع المشاركين.
وحتى لا نتيه في نقد موقف السيد عمر إحرشان من حدث جرى يتمثل في مسيرة 8 يوليو الأخير و لنفهم أسس هذا الموقف الهجومي على قوى يسارية ديمقراطية نعود بتركيز شديد إلى هذه الأسس وموقفها الأساس من الديمقراطية والحق في الاختلاف.
2
كان الأمين العام لـ”جماعة العدل والإحسان محمد عبادي قد صرح أن “السعي لإعادة قيام الخلافة الإسلامية أُمُّ المقاصد، إنها مسالة حياة أو موت. إنها الفريضة الكبرى”.(1)
“جماعة العدل والإحسان” تؤسس مشروعها ونضالها وفق هدف إلى إقامة “الخلافة الثانية”، لذلك تعتبر أن الديمقراطية آلية تمكنها من التوسع واقتحام المجتمع والدولة.
والواقع أن الإسلام السياسي وحركاته المعتدلة والمتطرفة لا يقدمون تصورا وممارسة للسياسية وللاقتصاد واجتماعيا وثقافيا ديمقراطيا يبلور حلولا ملموسة وواقعية عقلانية بديلة للرأسمالية ولليبرالية المتخلفة لمواجهة إشكالات التحرر من سيطرة السلطة المخزنية ومن سيطرة الرأسمالية المعولمة الامبريالية وخصوصا الفرنسية في المغرب ومن سيطرة التخلف الاجتماعي والتبعية الاقتصادية والتيه الثقافي الذي يعاني من ويلاتها الشعب والمجتمع المغربي كما تعاني من ذلك مجتمعات الثقافة الاسلامية، حلولا هذه السيطرة، بل عن مشروعهم الاقتصادي مشروع رأسمالي تحت السلطة السياسية لفقهاء إسلامهم.
وهذا موضوع نتناوله في دراسة نقدية لما يسمى “المشروع السياسي والاقتصادي” من خلال كتب الراحل عبد السلام ياسين سنعمل على نشره مستقبلا.
3
ليس خاف في واقعنا السياسي والاجتماعي والشعبي حضور وازن لتيار مجتمعي إسلاميّ ديمقراطي ولثقافة إسلامية شعبية منفتحين وعقلانيين نسبيا في ممارسة شؤونهم الحياتية يتعايشان مع الديمقراطية ويأخذان بأسباب ومظاهر الفكر العقلاني وفكر التقدم الاجتماعي والاقتصادي ويمارسان بقدر ما من أجل مشروع دولة وطنية ديمقراطية، غير أنهما تيار وثقافة إسلاميين لا يرقيان إلى تبني اللائكية بوضوح وعلانية.
والخطأ الذي تسقط فيه قوى الإسلام السياسي بمختلف تياراتها هي اعتبار أن اللائكية تناهض الدين. فاللائكي ليس بالضرورة لا ديني، بل إنه يحتكم للقانون الوضعي وللمصالح الملموسة في حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يُخْضِع الواقع والموجودات لسلطة الدين ولقوانين الشرائع الدينية اللاعقلانية، لأن الشريعة الدينية اللاعقلانية غير قادرة بلورة متطلبات تجاوز الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والإجابة العلمية لمعالجة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يواجهنا بها الغرب الرأسمالي الامبريالي. ولا يستطيع الدين وتشريعاته الحدية تنظيم شؤون وقضايا وتطورات العصر الراهن، وهي شؤون وقضايا ما كان بالإمكان تصور وجودها في عهد النبوة وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد ما قبل مرحلة الإستعمار!
وبالتالي لا يمكن للشرائع الدينية التلاؤم مع حقوق الإنسان والديمقراطية والمعايير الإنسانية الحديثة.
وموضوعيا عندما تفصل العلمانية الدين عن السياسة، أي عن الدولة والشأن السياسي، فإنها لا تنادي بإلغاء الدين والشعائر الدينية من المجتمع وبالنسبة للمؤمنين وللمؤمنات، بل تضمن لهم حق وحرية ممارسة شعائرهم وعلاقاتهم الدينية دون المس بحق وبحرية الاعتقادات الأخرى.
إن العلمانية تعني في حاضرنا فصل كل ما هو مدني وسياسي واقتصادي عن ما هو ديني. وبالتالي تفترض العلمانية علمنة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للدولة. والعلمانية اليوم ترفض أن تستعمل السلطة السياسية الدين لشرعنة سلطتها وسيطرتها.
ومن ثمة فالعلمانية هي الأساس والمبدأ اللذان يبلوران الوحدة الوطنية لمجتمع متنوع ومتعدد الثقافات و وحدة الانسانية المتعددة الخصوصيات والإثنيات فوق وطن الأرض بغض النظر عن المعتقدات الدينية والفكرية والإيديولوجية التي تبقى معتقدات فردية لأن السياسة شأن إنساني ولأن العلمانية بالتالي تضمن حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية شرط عدم المس بمجالات الشأن السياسي.
4
الراحل عبد السلام ياسين لا يتردد في نَعْتِ معتقدات الناس الذين يخالفون المنهاج النبوي الذي طرحه وأهدافه “لإقامة الإمارة القطرية والخلافة في أرض الإسلام” وكما ينعتهم كذلك الأمين العام لـ”جماعة العدل و الإحسان” محمد عبادي هو كذلك، بأن عقلهم تسيطر عليه “الأوهام من الخرافات ومن المبادئ الضالة من العقائد الفاسدة.(2)
كما الراحل عبد السلام ياسين لا يتردد في الإعلان عن حربه على اليساريين والماركسيين في جميع كتاباته وينعتهم بـ”الجاهليين” وبالدواب فقط لأنهم يحللون الواقع الملموس بمنهج العلوم الحديثة التاريخية والسياسية والسوسيولوجية والأنتروبولوجية…إلخ، إذ يقول:
“الذهنية الثورية ترفض التصنيف القرآني للمجتمع وتأبى إلا التحليل الطبقي والتصنيف الطبقي. تعتبر كل تصنيف غير طبقي أخلاقيّة رخوة، ومثالية حالمة. وتعتبر المقدمات الفلسفية للجدلية المادية ولواحقها ولوازمُها الإديولوجيةَ هي وحدها الوعي الصحيح للتاريخ، وهي وحدها التركيبة الذهنية الضرورية لتكوين الطليعةِ الثورية صانعة التاريخ”. (3)
ويتابع “لا يحب اليساريون من بني جلدتنا المتمركسون أن يسمعوا جورباتشوف ولا أن ينظروا إليه وهو يخوض المعارك المحمومة لإعادة هيكلة الاقتصاد والصناعة والفلاحة ونظام الحزب ونظام الحكم هيكلة تليق بالدولة العظمى المتخلفة عن الركب في كل الميادين.
“ذلك الركب الجاهلي، اشتراكيا كان أو ليبراليا، لن نكون إلا عربة من عرباته إن لم نتمسك بهويتنا ورسالتنا في العالمين. إن كنا متخلفين عنه حضاريا وإنجازات أرضيةً علميةً فلا يُنْسينا هذا التخلف أننا حملةُ رسالة، نومن بالله واليوم الآخر وهم يكفرون.
ولا يَحْمِلْنا إنكارُنا على اليساريين من ذرارينا استمدادهم من الإديولوجية المادية الملحدة محامِل الجهل أو التجاهل بأن الطبقية داؤُنا الوبيل. (4)
في كلمة محمد عبادي في الذكرى الرابعة لوفاة الشيخ عبد السلام ياسين اختفى شعار الدولة المدنية والديمقراطية ودافع عن مفاهيم تقليدية وماضوية من قبيل دولة الخلافة ودولة القرآن. وشدد محمد عبادي، على مفهوم الخلافة وفق “المنهاج النبوي” الذي بلوره الراحل الشيخ عبد السلام ياسين ووفق حكم دولة الخلافة ودولة القرآن والشورى وهي مفاهيم تتناقض كليا مع دولة الديمقراطية ومع الإرادة الشعبية الواعية.
كما يعتبر محمد عبادي أن “ما يقترحه الناس من حلول شيء جميل، أن نتآلف أن نتعاون أن نتحاور، أن ننسى الخلافات أن نتعاون على ما فيه خير البلاد والعباد، شيء مهم، ولكن الناس في حديثهم في حواراتهم في مناقشتهم لهذا الموضوع ينسون أهم ما ينبغي أن يُتحدّث عنه وأن يُسْعى لتحقيقه، وهو مصير الإنسان الأخروي”.
كل المؤشرات وتصريحات ومواقف الأمين العام لـ”جماعة العدل والإحسان” و أعضاء دائرتها الساسية توضح أن الجماعة لا زالت ملتزمة بمشروع وبأهداف وبمواقف وتصورات وإيديولوجية الراحل الشيخ عبد السلام ياسين.
وما دام الأمين العام لـ”جماعة العدل والإحسان” وأعضاء الدائرة السياسية يتشيثون بإيديولوجية وبتصورات وبمواقف الراحل الشيخ عبدالسلام ياسين من الديمقراطية ومن الديمقراطيين واليساريين ومشروعه المتمثل في”دولة الخلافة” و”دولة القرآن” فإن الجماعة تضع نفسها خارج التاريخ المعاصر وخارج السياسة المعاصرة والمجتمع المغربي المعاصر. ويتبنى خطابها الديمقراطية، كما خطاب مكونات “الإسلام السياسي” بما فيه حزب العدالة و التنمية، كآلية للعبور بالدولة والمجتمع إلى دولة ومجتمع استبداديين.
وما كتبه عمر إحرشان عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لتنظيم “جماعة العدل والإحسان” بأن “مسيرة 8 يوليوز مؤشر سلبي وتبعث برسائل سلبية” فإنه يعبر عن الموقف الحقيقي لـ”جماعة العدل و الإحسان” من الديمقراطية وعن رفضه للاختلاف وحق من يخالفه في ممارسة موقفه.
لذلك استقراء إيديولوجية “جماعة العدل والإحسان” المُتَضَمّنة في تصورها المعنون بـ “منهاجنا، الغايات المواقف والوسائل”، يؤكد هذا التصور “على أن شرط نجاحه (أي الميثاق الجامع) أن يكون أصيلا نابعا من هوية الأمة، وهي الإسلام، فهو الكلمة السواء الجامعة بين شعب مسلم في أرض إسلامية”. (5)
يضيف هذا التصور “ندعو إلى إقامة نظام سياسي على قاعدة الإسلام، تشكل الشورى والعدل ركيزتيه، والإحسان روحه، والمشاركة العامة والتعددية السياسية وسلطة المؤسسات وسيادة القانون الضامن لاستمراره وحيويته، والحوار والاحتكام إلى الشعب وسيلة ترجيح الخيارات فيه.”
تعتبر “جماعة العدل والإحسان” نفسها حركة مجتمعية وتـُلـَخـِّـصُ مهمتها في “الدعوة إلى الله عز وجل”، و السياسة بعض من شأنها. والجماعة مُعَارَضَة تعصى “الحكام لأنهم خرجوا عن الإسلام وخربوا الدين” وتناهض العنف درءا للفتنة والاقتتال.
وبالتالي تدعو إلى “إقامة نظام سياسي على قاعدة الإسلام، تشكل الشورى والعدل” أساسه. و تُـمَيِّـزُه عن نماذج مستوردة لأنظمة ديمقراطية، كما تـُمـَيـِّزُ بديلها بروحه الإيمانية وطابعه الدعوي. أما الديمقراطية، في بعض أهدافها، فهي فقط شطرٌ، أي جزء، مما تسعى إلى تحقيقه لأنها بديل للاستبداد.
كما تعتبر “جماعة العدل والإحسان” الديمقراطية “فلسفة ضد الإسلام وآلية مقطوعة عن الله”، و الشورى التي تدعو لإقامتها في نظامها السياسي “عبادة وليست شكلا تَوَاضَعَ عليه الناس والتحلي بها استجابة لأمر إلهي” أي ليست ما يضعه ويتفق عليه الناس وفق واقعهم، والانفتاح على التجارب الإنسانية هو بحث فقط عن ما “أودع الله فيها من أسرار”.
إن التصور/ “الميثاق الجامع” لـ”جماعة العدل و الإحسان” يدعو إلى إقامة نظام سياسي على قاعدة الإسلام، وهذا يعني في مشروعها رفض التعددية السياسية التي لا تؤسس مشروعها ومبادئها وسياستها عل “ميثاق الإسلام” الذي تطرحه والذي “هو الكلمة السواء الجامعة بين شعب مسلم و أرض إسلامية”.
وبالتالي يصبح خطاب “جماعة العدل و الإحسان” حول الديمقراطية شكليا وحول التعددية السياسية تعددية داخل المرجعية الإسلامية. وضروري أن تخضع الديمقراطية والتعددية كآليات إلى المنهاج الإسلامي الذي بلورته الجماعة. ولذلك تتعامل الجماعة مع الديمقراطية التي لها نزاع معها بانتقاء انتهازي ولا تتجاوز الديمقراطية والتعددية كونهما آلية لتنظيم خلافاتها الداخلية والخارجية في إطار “ميثاق جامع” للدولة و المجتمع جوهره الإسلام.
و بالتالي يصبح فصل السلط واحترام حقوق الإنسان وحرية تعبير وسيادة قانون وتداول على السلطة في تصور “جماعة العدل والإحسان” خاضعا لأحكام هذا الـ”ميثاق جامع” بالنص القرآني والحديث النبوي والشريعة الإسلامية لأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير “تتغافل الشطر الآخر، لا تقترح على الإنسان مخرجا من الكفر وهو الظلم الأكبر” ولأن “اللاييكية ضجيعة الديمقراطية” تستبعد كل ضابط أخلاقي (هكذا !!)
و لأن الحرية في الديمقراطية “تتجاوز كل الحدود وتتوق إلى كل ممتنع”
والحرية في منظور “جماعة العدل و الإحسان” هي “أن نكون عبيدا لله وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً”، لأن “الجماعة” تعتبر أن “فلسفة الديمقراطية و اللائكية ضد الإسلام وآلية مقطوعة عن الله”.
وبالتالي خطاب “جماعة العدل و الإحسان” حول “فصل السلط واحترام حقوق الإنسان وحرية تعبير وسيادة قانون وتداول على السلطة” وهي قضايا تعتبرها الجماعة نقطة التقاء مع الداعين لها، خطاب شكلي، ظرفي يتم تجاوزه بعد إقامة “الإمارة القطرية” في المغرب و”الخلافة الثانية” في جميع أراضي الإسلام.
وتعتبر “جماعة العدل و الإحسان” أن الحوار وبوابة التغيير يبدءان بالاتفاق على “ميثاق جامع” تشترط نجاحه بضرورة أن “يكون أصيلا نابعا من هوية الأمة، أي الإسلام الكلمة السواء الجامعة بين شعب مسلم في أرض إسلامية”. وبالتالي فالحوار مع من تختلف معهم “جماعة العدل و الإحسان” من أجل التغيير يتأسس على ميثاق جامع مؤسس على الإسلام دون غيره لأنها تعتقد أن الشعب المغربي هو “جماعة المسلمين” بالنسبة لـ”جماعة العدل والإحسان”. و”جماعة العدل و الإحسان” هي “جماعة من المسلمين لا تكفر أحدا” وهذا موقف إيجابي يندرج ضمن الإيمان بالتعايش السلمي بين المواطنين والمواطنات مهما كانت عقائدهم.
وهل يمكن الحديث عن “مواطنة” المواطن وحريته وكرامته وإرادته إن لم يمتلك سلطة اختيار عقيدته بحرية ووعي؟
منهاج الشيخ ياسين و”جماعة العدل و الإحسان” لا يترددان في الإعلان الحرب الإيديولوجية والسياسية على اليساريين والماركسيين في تصورهما الأصيل. وينعتهم الشيخ ع.السلام ياسين في كتاباته بـ”الجاهليين” وبالدواب فقط لأنهم يحللون الواقع بمنهج العلوم الحديثة العقلانية والمادية الدياليكتيكية والتاريخية والسياسية والسوسيولوجية والأنتروبولوجية…إلخ، إذ يقول:
“الذهنية الثورية ترفض التصنيف القرآني للمجتمع وتأبى إلا التحليل الطبقي والتصنيف الطبقي. تعتبر كل تصنيف غير طبقي أخلاقيّة رخوة، ومثالية حالمة. وتعتبر المقدمات الفلسفية للجدلية المادية ولواحقها ولوازمَها الإديولوجيةَ هي وحدها الوعي الصحيح للتاريخ، وهي وحدها التركيبة الذهنية الضرورية لتكوين الطليعةِ الثورية صانعة التاريخ”. (6)
والشيخ عبد السلام ياسين لا يتردد في نَعْتِ معتقدات الناس الذين يخالفون المنهاج النبوي الذي طرحه وأهدافه “لإقامة الإمارة القطرية والخلافة في أرض الإسلام” بالمعتقدات الجاهلية والفاسدة، كما ينعتهم كذلك الأمين العام لـ”جماعة العدل و الإحسان” محمد عبادي هو كذلك، بأن عقلهم تسيطر عليه “الأوهام من الخرافات ومن المبادئ الضالة من العقائد الفاسدة”.(7)
“ذلك الركب الجاهلي، اشتراكيا كان أو ليبراليا، لن نكون إلا عربة من عرباته إن لم نتمسك بهويتنا ورسالتنا في العالمين. إن كنا متخلفين عنه حضاريا وإنجازات أرضيةً علميةً فلا يُنْسينا هذا التخلف أننا حملةُ رسالة، نومن بالله واليوم الآخر وهم يكفرون.
“ولا يَحْمِلْنا إنكارُنا على اليساريين من درارينا استمدادهم من الإديولوجية المادية الملحدة محامِل الجهل أو التجاهل بأن الطبقية داؤُنا الوبيل”. (8)
ويحسم الشيخ عبد السلام ياسين موقفه من جميع الأفكار والعقائد المخالفة لتصوره ولتصور “جماعة العدل والإحسان” بخطابه “ما المسخ الثقافي الذي نعاني منه في زماننا فهو تشرب في الأعماق لشخصية الكفار، وأفكارهم، وعقائدهم، ومذاهبهم، وعاداتهم، نطعمها مع القمح المستورد، والبضاعة الترفية، والكتب والمجلات، وفي المدارس والجامعات، وفي الأسر وعلى قارعة الطريق. فإحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يقتضي إعلان حرب شعواء شاملة على القردية”. (9)
وواضح أن عبد السلام ياسين و”جماعة العدل و الإحسان” والإسلام السياسي الراديكالي يعانون عجزا ونقصا معرفيا وعلميا تاريخيا بصيرورة وبواقع التطور العلمي الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمجتمعات الثقافة العربية والإسلامية ولمجتمعات إنسانية، كما هو واضح جهل أو رفض اجتهادات لمفكرين مسلمين منتورين بلوروا وعيا وعلاقة جدليين بين الدين الإسلامي ومجتمعات الثقافة الإسلامية وبين واقع “المادة والموجودات”، حسب تعبير ابن رشد، أي تقدم وتطور المجتمعات الإنسانية والفكر الانساني. وبالتالي لا يقدم عبد السلام ياسين والإسلام السياسي الراديكالي برهانا ملموسا وحجة واضحة على رفض تجادل القرآن والحديث والشريعة مع الفكر والثقافة الإنسانيين.
تعتبر “جماعة العدل و الإحسان” نفسها “حركة مجتمعية مهمتنا الدعوة إلى الله عز وجل”، و السياسة بعض من شأنهاـ ة و الجماعة مُعَارَضَة تعصى “الحكام لأنهم خرجوا عن الإسلام وخربوا الدين” وتناهض العنف درءا للفتنة والاقتتال.
وبالتالي تدعو إلى “إقامة نظام سياسي على قاعدة الإسلام، تشكل الشورى والعدل”. و تُـمَيِّـزُه عن نماذج مستوردة لأنظمة ديمقراطية وتـُمـَيـِّزُ بديلها بروحه الإيمانية وطابعه الدعوي. أما الديمقراطية، في بعض أهدافها فهي فقط شطرٌ، أي جزء، مما تسعى إلى تحقيقه ولا بديل عنها إلا الاستبداد.
أليس مشروع “جماعة العدل والإحسان” الاستراتيجي في نهاية التحليل مشروعا استبداديا وهي تعتبر الديمقراطية “فلسفة ضد الإسلام وآلية مقطوعة عن الله”، وتطرح استراتيجية إقامة “إمارة قطرية” في المغرب في إطار دولة “الخلافة الإسلامية الثانية”؟
هوامش
1- انظر تسجيل فديو في أول تصريح سياسي للسيد محمد العبادي أمين عام “جماعة العدل و الإحسان” في موقع الجماعة.
2- كلمة محمد عبادي في ندوة الذكرى الخامسة لوفاة عبدالسلام ياسين يوم 17 ديسمبر 2017
3- كتاب “الإحسان” عبد السلام ياسين، ص 495-496
4- كتاب “الإحسان” عبد السلام ياسين، ص 501 – 502
5- الإحالات بين مزدوجتين تحيل إلى “منهاج” “جماعة العدل و الإحسان”: “منهاجنا ، الهوية- الغايات- المواقف-الوسائل3 ، هيئة التحرير20 دجنبر، 2011. موقع جماعة العدل و الإحسان.
6- كتاب “الإحسان” عبد السلام ياسين، ص 495-496
7- كلمة محمد عبادي في ندوة الذكرى الخامسة لوفاة عبدالسلام ياسين يوم 17 ديسمبر 2017
8- كتاب “الإحسان” عبد السلام ياسين، ص 501 – 502
9- “في الاقتصاد.. البواعث الإيمانية الشرعية”