ليس مهما من أطلق حملة “كن رجلا” للدعوة إلى العفة والحشمة، لكن حتى وإن كانت الغاية نبيلة، فإن الوسيلة (التسمية) غير مبررة وتفتقد إلى الحكمة، فإذا كان المستهدف من هذه الدعوة،  هي المرأة، فكان الأولى أن توجه إليها هي، وليس إلى الرجل، وإذا كانت الغاية هي التشجيع على القيم الفضلى، فإن الوسيلة قد تؤدي إلى العنف، لأن لفظ “الرجل” و”الرجولة” في الثقافة المغربية، تُحيل على معاني القوة والغلظة والشدة، والنتيجة هي أن بعض الرجال، عندما تصل إليهم هذه الدعوة ويقتنعون بها، هناك احتمال كبير أن يتصرفوا بعنف مع قريباتهن (زوجة، ابنة، أخت..)، من أجل إرغامهن على ارتداء لباس محتشم سواء عند الخروج للشارع العام أو في الشواطئ، وهذا الأمر فيه مساس بحريتهن الشخصية وتضييق على إرادتهن في الاختيار، خاصة بالنسبة للراشدات.

ومن المعلوم أن المجتمع المغربي، قد عرف في السنوات الأخيرة تحولا قيميا وأخلاقيا، بحيث لم يعد للأسرة القدرة على ضبط سلوكات أبنائها وبناتها، والأخطر هو أن معظم الآباء تخلوا عن دورهم التربوي لبناتهم وأبنائهم، والإخوة عن توجيه أخواتهم، والأزواج عن نصح زوجاتهم، والأدهى من ذلك، أن كثير من الأسر المحافظة وكذا الملتزمة دينيا، فقدت السيطرة على سلوك أبنائها وبناتها، وفشلت في تربيتهم على القيم والأخلاق الإسلامية، وأصبح عدد غير قليل منها يعيش في شقاء دائم بسبب انحراف أبناءه وبناته، لعدة عوامل لا يتسع المجال للتفصيل فيها.

وكان طبيعيا، أن تلاقي الدعوة المسومة “كن رجلا” مواقف متباينة، بين مؤيد ومعارض، فأما المؤيدون، فمعظمهم ينتمي للتوجه الإسلامي، وأما المعارضون فأكثرهم من التيار العلماني، الذي أطلق حملة مضادة تحت اسم ” كوني امرأة”، وذلك في مواجهة حملة “كن رجلا”، وما يلاحظ على الحملتين أنهما سقطتا في التوظيف الأيديولوجي لقضية المرأة، من أجل الانتصار للقيم التي يدافع عنها كل تيار، وإن كان هذا الاختلاف والتباين في المواقف من حيث المبدأ ظاهرة صحية، تعكس التدافع القيمي، وتفتح النقاش العام حول ماهية القيم التي يجب أن تسود المجتمع.

وما دمنا نتحدث عن التدافع القيمي، الذي تحتل فيه المرأة مكانة مركزية، باعتبارها حاملة لقيم المجتمع وحاميتها، في الفكر والثقافة الإسلاميين، فإن إطلاق حملة “تحسيسية” تخص المرأة المغربية، من أجل تشجيعها على الالتزام بلباس محتشم، ولو كانت الفكرة نبيلة، تهدف لتصالح المرأة مع قيمها الإسلامية، فإن اختيار الدعوة لتسمية “كن رجلا “، قد أخرجها عن غايتها، ما يدلّ على أن الجهة التي تقف خلفها، لديها تصور متخلف عن المرأة، لا تختلف عن دعاة تحرير المرأة من كل القيم التي تصون كرامتها، كما أن مطلقي هذه الدعوة – من فرط غبائهم- أعطوا فرصة مجانية للمتاجرين بقضيتها، لخلق زوبعة إعلامية، حتى تسلّط عليهم الأضواء، ويظهرون في صورة المدافعين عنها، في حين أنهم يستغلونها لتحقيق مكاسب سياسية.

وإذا كانت حرية المرأة في التصور العلماني الغربي، تعطيها كامل الحرية في التصرف في جسدها، فإنه في الفكر الإسلامي هناك عدة ضوابط تؤطر هذه الحرية، حتى لا تتعارض مع حريات الآخرين، وتتسبب في الإضرار بحقوق المجتمع، وذلك لحماية حرية المرأة وكرامتها، حيث إن الدين الإسلامي عندما شرع للمرأة المسلمة لباسا محتشما، كان القصد هو حمايتهن من التحرش والإهانة، وتشجيع الرجال على احترامهن، وقد يقول قائل: حتى النساء المحجبات يتعرضن للتحرش والإهانة من طرف بعض “الرجال”، نقول: إن هذا استثناء لا يقاس عليه، لأن أغلب النساء اللواتي يلتزمن لباسا محترما، حتى ولو كان بدون غطاء الرأس، لا يتعرضن للتحرش ولا إلى المضايقات، كما شهدت بذلك عدد منهن، ومع ذلك يوجد ذكور “مرضى”، لا يتورعون عن التحرش حتى بالنساء المحجبات.     

نؤكد على أنه كان الأولى أن توجه الدعوة للمرأة، باعتبارها المعنية الأولى بها، وتكون الوسيلة منسجمة مع الغاية النبيلة، وهي تشجيع المرأة على قيم العفة والحشمة، وباعتبارها قيم أصيلة، اشتهرت المرأة المغربية بالمحافظة عليها لعقود طويلة من تاريخ المغرب، وهذا ما يفسر عودة النساء في السنوات الأخيرة، لارتداء اللباس المحتشم، وليس الحجاب الشرعي بالضرورة، حرصا منهن على التصالح مع القيم المغربية الأصيلة..

وحتى لو سلمنا جدلا بشعار الحملة/الدعوة ” كن رجلا “، فإنه المطلوب من الرجل المغربي أن يكون في مستوى المسؤوليات المادية والمعنوية التي أنيطت به قانونا وشرعا، لأن هناك كثير من الرجال، أصبحوا لا يتحملون مسؤولياتهم، ويتركون العبء كله على النساء، على اختلاف درجات القرابة منهن (زوجات، أخوات..)، حتى أن بعض الآباء والإخوة يشاهدون يوميا بناتهم وأخواتهم يخرجن بلباس فاضح، ولا يحركون ساكنا، حتى بالنصح والتوجيه، وكأنهم غير معنيين بما سيتعرضن له من إهانات ومضايقات؟؟ !!!

وبالفعل، إذا بحثنا في كثير من الانحرافات التي تعاني منها الأسر المغربية، فإننا سنجدها نتيجة لتخلي معظم الرجال عن مسؤوليتهم في التربية والتوجيه والإرشاد والنصح، بعيدا عن لغة الإجبار والإكراه والعنف.