يستقبل ملايين التلاميذ والطلاب في عالمنا العربي، و في باقي ربوع المعمور موسم دراسي جديد، و تخلف أجواء هذا الاستقبال، فبينما هو كبوس مخيف للبعض، و احتفال للبعض الأخر طلابا و أولياء أمور…و عالمنا العربي يصنف في –الغالب– ضمن الخانة الأولى، فالمنظومة التعليمية بوطننا العربي غير مستثناة من حالة الوهن و التخلف و الانحدار و التدهور للخلف، لكن علينا ألا نعمم فهناك بعض البلدان العربية التي استطاعت تحقيق نهضة تعليمية رائدة، فبحسب تقرير المنتدى الإقتصادي العالمي حول جودة التعليم عام 2017 ، و الذي شمل نحو 137 دولة، وقد قيَمَ التقرير  الدول العربية والعالمية بحسب درجة إجمالية تراوحت بين 1 إلى 7 بالاعتماد على دراسة  وتحليل 12 معيار أساسي و هذه المعايير شملت: المؤسسات، البنية التحتية، بيئة الاقتصاد الكلي، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم الجامعي والتدريب، كفاءة أسواق السلع، كفاءة سوق العمل، تطوير سوق المال، الجاهزية التكنولوجية، حجم السوق، تطور الأعمال، الابتكار.

وبحسب التقرير تصدرت سويسرا  ترتيب مؤشر جودة التعليم  بحصولها على 6.1 درجة، بينما جاءت اليمن في المرتبة الأخيرة مع درجة إجمالية بلغت 2.2. و الجدير بالذكر، أن بعض البلدان الخليجية سجلت مراتب جد مشرفة ضمن مؤشر جودة التعليم، فقد جاءت قطر في طليعة الدول العربية وحصلت على المرتبة السادسة عالميا وسجلت5.7 نقطة، بينما  حلت الإمارات العربية في المرتبة التاسعة عالميا مع 5.5 نقطة، و لبنان في المرتبة 23 بنحو5.1 نقطة، والبحرين في المرتبة 28، حلت المملكة العربية السعودية في المركز 54 (4.3 درجة)،و الأردن في المرتبة 55 (4.3 درجة)، تونس المرتبة 78 (3.8 درجة)، عمان المرتبة 87 (الدرجة 3.5)، بينما جاءت الكويت وهي من البلدان الغنية في المرتبة 103 ( الدرجة 3.5)، و المغرب في المرتبة 104 (3.5 درجة)، و الجزائر في الدرجة 105(3.4 درجة) و مصر المركز 129 (2.9درجة) و إحتلت اليمن المركز الأخير 137 (2.9درجة)، بينما كانت العراق و سوريا خارج التصنيف…

 فالتربية و التعليم أصبحت إلى جانب قطاع البحث و التطوير، تحتل مكانة سامقة في أولويات البلدان التي تسعى للتقدم و النهضة و توسيع خيارات الإنسان، و مؤشر أساسي ضمن المؤشرات الكلية، فهي معيار ضمن معايير جودة مناخ الإستثمار، و المشاركة السياسية و التنمية البشرية . فجودة التعليم بوابة لكل إقلاع إقتصادي أو إجتماعي و حتى سياسي و ديموقراطي، لذلك، سيحاول هذا المقال تحليل هذا الموضوع ، عبر تحديد ماهية الجودة في التعليم، و  تشخيص  واقع التعليم في البلدان العربية الغير نفطية (المغرب نموذجا)، على أن نخصص إن شاء الله مقالا منفصلا، للحديث عن مداخل الإصلاح، و التجارب الدولية المقارنة، خاصة تجربة بلدان شرق آسيا..

أولا – مفهوم الجودة في التعليم ؛

تعرف الجودة بأنها “نظام إداري يرتكز على مجموعة من القيم و يعتمد على توظيف البيانات و المعلومات الخاصة بالعاملين قصد  استثمار مؤهلاتهم و قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي قصد تحقيق التحسن المستمر للمؤسسة“.

والجودة في المجال التربوي تعني  ” مجموعة من المعايير و الإجراءات يهدف تنفيذها إلى التحسين المستمر في المنتوج التعليمي..”

ومفهوم الجودة  في التعليم تم اقتباسه من الأدبيات الإقتصادية، ذلك أن مصطلح ” الجودة” ظهر أول مرة   في الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي، كرد فعل على   التنافس الاقتصادي العالمي و غزو الصناعة اليابانية للأسواق العالمية، فالجودة مفهوم إقتصادي  بالأساس، يرتبط بالإنتاجية و المردودية..

لكن المفهوم  انتقل إلى مجال التعليم على اعتبار أن المؤسسة التعليمية هي مصنع لإنتاج الكفاءة و الخبرة و الدراية، القادرة على البحث و التطوير، و الابتكار و الإبداع، و لايمكن للمقاولات  أن تطور إنتاجها و  منتوجها وتحتفظ على قدراتها التنافسية محليا و عالميا دون الابتكار و الإبداع..

ثانيا – معايير الجودة في التعليم؛

كما أوضحنا في مقدمة هذا المقال، فإن جودة التعليم يتم قياسها بالإعتماد على مؤشر مركب من نحو 12 معيار للقياس  ..

فالجودة في التعليم تهتم بمواصفات الخريجين من المدارس و نتائج تحصيلهم الدراسي عبر مختلف المراحل و العمليات، و  القدرة على تجاوز كل المشاكل و المعيقات التي قد تعترض مسارهم التحصيلي. و يمكن تجميع  معايير الجودة في التعليم على النحو الٱتي؛

1- جودة المناهج والمقررات الدراسية.

2-  جودة البنية التحتية.

3- كفاءة الأطر التربوية و الإدارية.

4 جودة التكوين الأساسي و المستمر.

5- التدبير الأمثل للموارد البشرية و المالية.

6-  الانطباع الإيجابي للمستفيدين من خدمات المدرسة  .

7- التحسين المستمر.

8-  نتائج التحصيل الدراسي.

9-  استجابة أنظمة التعليم و التكوين للاحتياجات الأسواق.

10-   البحث و التطوير، بمعنى نوعية مخرجات العملية التعليمية..

وإذا حاولنا  تطبيق هذه المعايير على البلدان العربية الغير نفطية سوف ندرك و نستوعب جيدا لماذا حصدت المراتب الأخيرة كما أشرنا أعلاه، و سنتخذ من المغرب نموذجا للدراسة يمكن تعميمه…

ثالثا – جودة التعليم؛ المغرب نموذجا؛

“الصورة أبلغ من ألف كلمة” فمن يمر على البوابة الرئيسية لوزارة التربية الوطنية المغربية، أو أمام البرلمان يدرك بصورة جلية واقع التعليم بالمغرب، فرجال و نساء بزيهم الأبيض في حالة كر وفر مع رجال الأمن، مطلبهم الأساسي الكرامة و الأمن الوظيفي، وهذه السنة ينطلق الموسم الدراسي باحتجاج الأساتذة المتعاقدين، فكيف ننتظر من أستاذ وضعيته القانونية والمادية هشة، أن يكون طرفا فاعلا و مؤثرا في تحسين و الرفع من جودة التعليم، ففاقد الشيء لا يعطيه…

 كما أن المنظومة التعليمية في المغرب تعاني من تأخر تكنولوجي و معرفي  جلي، فالوسائل و الأدوات المعتمدة   في توصيل المعلومة للطلاب قديمة ومتأخرة، و أغلب القائمين على العملية التعليمية  غير مؤهلين بالقدر الكافي..

وعموما، وضعية التعليم في المغرب لا تخفى على أحد بل حتى الحكومة لا تنفي ما يرد بالتقارير الدولية، ففي  عام 2008 أصدر البنك الدولي تقريرا حول دراسة مفصلة للتعليم بـ14 دولة عربية، صنف فيه المغرب ضمن المراتب الأربع الأخيرة، بجانب العراق واليمن وجيبوتي، بالرغم من أن المغرب  لا يعاني حروبا أو مجاعة مثل تلك البلدان.توالت فيما بعد   التقارير الدولية التي تؤكد تدهور النظام التعليمي بالمغرب…فقد أوضحت “اليونسكو” في تقرير لها  أن أقل من نصف عدد التلاميذ في المغرب فقط هم من يفلحون في تعلم المهارات الأساسي، كما  أن نسبة الأمية )بمفهوم انعدام القدرة على التهجي ورسم الحروف(  في المغرب تعادل  %30  ، أما بالنسبة لوضعية القراءة فإن الأمر يزداد سوءًا، حيث يحتل المغرب في لائحة القراءة والكتابة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الرتبة 162، بأقل من معدل 5 دقائق سنويا في القراءة لكل فرد، كما أن %78 من التلاميذ المغاربة لا يحصلون على الباكالوريا..

وحتى لا أرهق ذهن القارئ بالمؤشرات، فإني أوجهه للإجابة عن سؤال بسيط يلخص وضعية التعليم؛ أين يُدَرِس أغلب  المسؤولين المغاربة  والعرب أبناءهم؟ و أين يُعَالج المسؤولين و ذويهم؟ الجواب الذي لاشك فيه هو أنهم يُدَرِسون أبناءهم  و يعالجون في فرنسا وسويسرا و أمريكا و سنغافورة…!؟ …و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…