
هل تخلت العدل والإحسان عن هويّتها؟!

1. السياسي والدعوي: فصل أم تلازم؟!
آراء أخرى
صادق المؤتمر العاشر لحركة النهضة في تونس، المنعقد في ماي 2016، على قرار الفصل بين الدعوة والسياسة، وكذلك فعلت حركة التوحيد والإصلاح المغربية، في جمعها العام الوطني السادس، الذي عُقد بداية غشت الماضي، حين أعلنت عن انفصالها عن حزب العدالة والتنمية.
خطوة الحركتين بغض النظر عن سياقها، وهل هي قناعة استراتيجية أم تكتيك مرحلي، تؤشر على عمق المأزق الذي توجد فيه الحركات الإسلامية في ظل “الثورة المضادة”، التي أعقبت “الربيع العربي”.
تباينت ردود الفعل من داخل الطيف الديني والسياسي المغربي، اتجاه قرار التوحيد والإصلاح، بين مرحب ومنتقد ومتحفظ، فحسن الكتاني، أحد رموز التيار الوهابي، انتقد على حائطه الفيسبوكي، الاختراق العلماني للحركة، ودعاها إلى العودة لجذورها وهويتها باعتبارها “امتداد لدعوة أهل السنة والجماعة”، في حين عبّر محمد عبادي، الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، على هامش الجمع العام ذاته، عن احترام قرار الحركة واجتهادها، وشدّد على أن المسألة غير واردة في نقاشات الجماعة، وألاّ فصل بين الأمرين.
نحاول في هذه الورقة، مساءلة تصريح الأستاذ عبادي، رجل الإجماع داخل الجماعة، من خلال تتبع مواقفها ومسارها على امتداد العقود الأربعة الماضية، وبالأخص السنوات الست الأخيرة، أي منذ رحيل مؤسسها نهاية 2012 ، منطلقين بداية من الجدل الدائر حاليا في أوساطها، حول ما ورد في الجزء الثاني من كتاب حول سيرة ياسين.
2. لماذا لم يحفظوا وصية الإمام؟!
ضمن فعاليات احتفالها بالذكرى الخامسة لرحيل مرشدها العام، الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، نهاية دجنبر 2017، تم تقديم الجزء الثاني من سيرته، التي صدرت بعنوان: “عبد السلام ياسين: الإمام المجدد”، الكتاب من تأليف محمد العربي أبو حزم، وتقديم محمد عبادي، طبع إفريقيا الشرق، وقد أثارت فقرة عنوانها: «لا بد من بعد… من يخلف من؟» (صص. 454-456)، جدلا كبيرا بعد أن تسرب ما يفيد عدم الالتزام بما «حسم به [ياسين] في أمر الآلية المعتمدة لاختيار خَلَفِه»، وخاصة عدم الأخذ برسائل الغيب في عملية الاختيار، وعدم قص الرؤى في الأيام الثلاثة التي حسم فيها الأمر.
الفقرة في الأصل تفريغ لمحتوى المجلس التاسع من لقاء “رابطة الكتبة”، التي أشرف عليها ياسين منذ رفع الإقامة الجبرية عنه، وكان بتاريخ 19 مارس 2005، وفيه أثار مسألة خلافته وأقر آليات الحسم فيها، حيث نبّه إلى أن فصل التنظيم من كتاب “المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا”، الذي يعتبر الإطار الأيديولوجي للجماعة، قد فاته الركب ولا يلتفت إليه، وأن القيادة الجماعية خطر داهم ما يفتأ يفتك بها، وأن البديل في اختيار المرشد إنما يتم بالاستخارة الواسعة والاستشارة الواسعة، وألا تذهب الجماعة اتجاه غير ما تشير إليه «الإشارة الإلاهية»، أي استحضار الغيب في حسم ذلك الاختيار، والغيب هنا هي الرؤى والمشاهدات التي تحمل إشارات حول الخليفة المرتقب، والواضح أن ياسين، جمع في تلك الآلية، بين مبدئي العدل (الشورى الواسعة) والإحسان (الاستخارة والإشارة الإلاهية)، وقد ختم الحديث عن الموضوع قائلا: « إذا أراد الإنسان أن يُحْرَمَ فليتجه عكس ما تشير إليه الإشارة الإلاهية، كأن نتفق على قيادة جماعية كما فعل ستالين وأصحابه. فإذن من أراده اللهُ سبحانه وتعالى، من ظهر نورُه، فنحن نتفيأ بظلاله، ونتوسل إلى الله بقلبه » (ص. 456).
الجدل الذي أثارته تلك الفقرة، تزامن وحالة الارتباك التي تطبع سير ومواقف الجماعة، منذ رحيل مرشدها، وانحسارها الدعوي والسياسي، وهو إن كان شأنا داخليا، فإنه يعكس أزمة حقيقية تمر منها العدل والإحسان، على مستوى القيادة وعلى مستوى الاختيارات.
فهل كان الالتفات إلى فصل التنظيم وتجاوز وصية المرشد العام في تحديد خليفته، نقطة انطلاق مسلسل تخلي العدل والإحسان عن هويتها؟!
3. العدل والإحسان: أية هوية؟!
في ورقة تعريفية تحمل عنوان: ”جماعة العدل والإحسان: الهوية، الغايات، المواقف، الوسائل‟، حددت الجماعة هويتها، فقالت: « نحن حركة مجتمعية مهمتنا الدعوة إلى الله عز وجل، والدلالة على الله عز وجل، نسعى لنكون من الـ”من‟ الذي يجدد الله به الدين للأمة »، وكثيرا ما تكرَّرَ على ألسن أعضائها: «نحن جماعة تتوب إلى الله وتدعو الناس إلى التوبة معها»، من هنا؛ فمبدأ التوبة الفردية والجماعية، هو المدخل إلى التغيير الحقيقي الذي تنشده، حتى أن رسائل ياسين التاريخية، لم تخل من ذلك المفهوم سواء “الإسلام أو الطوفان” في 1974، أو “مذكرة إلى من يُهمه الأمر” في 2000، وهي بذلك استعارة لقولة عبد القادر الجيلاني: “التوبة قلب دولة”.
تميل التحليلات الإعلامية، والدراسات التي أَخذت عنها، إلى نعت ياسين بالصوفي، وهو توصيف قدحي استُغل من التيار الوهابي خاصة، للطعن في الرجل ومشروعه، حيث أنه مكث نحو سبع سنوات في الزاوية البوتشيشية، وفيها تغير مساره الروحي والفكري، على يد شيخها العباس، ولم يتنكر لفضل الصوفية عليه قط، ذكر ذلك في مناسبات عديدة، من بينها مراسلاته مع صديقه الأمازيغي الدكتور محمد شفيق، فكان يقول: “وجدت الحقيقة مع الصوفية”، إلا أنه آخذ على مريدي الزاوية فيما بعد، الخرافات والانحرافات التي تسللت إليها، وراح يدعوهم إلى الالتزام بالشرع، حتى أنه كان يُنعت بينهم “عبد السلام الشريعة”، بل إن خروجه منها كانت غايته الجمع بين التربية الصوفية، التي أصّل لها بمفهوم “الإحسان”، ومطلب الجهاد الذي عاب على الصوفية التقصير في القيام به، والذي سيُجْمله في مفهوم “العدل”.
قعّد ياسين بعد خروجه من الزاوية، لهويّة الجماعة التي رأى أنها قادرة على حمل لواء التغيير السياسي والمجتمعي الذي ينشده، وذلك في العديد من كتاباته وفي القلب منها كتاب “المنهاج النبوي”، المشار إليه سلفا، فكانت في المحصّلة «هويّة إحسانية»، شرطها الأول «الصحبة والجماعة»، مفتاح “الخصال العشر”، صَوارى سفينة الجماعة، وأساس بنائها التربوي والدعوي والسياسي، هوية يختصرها شعار “العدل والإحسان”، الذي رفعته منذ 1987، مبدآن متلازمان سياسة دنيوية ومصيراً أخروياً.
غير أن “لَوْثَتَيْ الوهّابية والحركية”، سرعان من تسربت إلى التنظيم، في فترة محاولة الرجل جمع كلمة الإسلاميين في تنظيم واحد نهاية السبعينات، ذلك أن أعضاءً كُثرا جاءوا إلى الجماعة، من الشبيبة الإسلامية ذات الهوية الوهابية، بعد تشرذمها مطلع الثمانينات، أو من جمعيات مماثلة الهويّة، بل إن منهم من كان في مستويات قيادية متقدمة، وهو ما أثّر في هوية الجماعة، وكاد يودي بها إلى الانشقاق أواسط التسعينات (أزمة البشيري)، في وقت كان فيه ياسين لا زال قيد الإقامة الجبرية التي فرضت عليه منذ 1989، وقد حاول الرجل بعد خروجه من الحصار تصويب وجهة الجماعة، وتقويم هويتها من خلال زياراته للمدن الكبرى، ولقاءاته المباشرة بالقواعد، والحرص على إقامة الرباطات التربوية وخاصة الأربعينية منها، وتنظيم الاعتكافات، وانتظام اللقاءات المختلفة وفي مقدمتها “زيارة الأحد”، اللقاء المفتوح مع الأعضاء نهاية كل أسبوع، بالإضافة إلى تثبيت مجالس النصيحة، التي نالت الحظ الوافر من القمع والمنع من قبل الأجهزة الأمنية.
4. «رؤى 2006» وبداية القطيعة مع “الغيب”
في ذات اللقاء الذي يوجد شريط مصور له على موقع يوتوب (لقاء رابطة الكتبة 19 مارس 2005)، أكد ياسين أن الهمّ الأول والأخير للجماعة هو الدعوة، أو ما أسماه “الشجرة المباركة”، التي لا يحول دون غرسها ورعايتها حائل، حتى وإن حدث تغيّر جوهري في مستوى الحُكم، الذي اعتبره “زوبيا” أي محرقة، كما دعا إلى محاربة التّبلد في الصف، وعدم التوهّم أن تولي سدّة الحكم ستكون نزهة مريحة، جاء ذلك في سياق حديثه عن “رسائل الغيب”، التي تواترت حول أمر ما سيقع في 2006، رؤى قال أنه يصدقها دون أن يعطي تفسيرا لها.
غير أن انتهاء تلك السنة، دون وقوع حدث ذي بال، وخاصة على مستوى الحكم بالبلد، جعل الجماعة تحت وابل القصف الإعلامي والسياسي، من خصومها ومقربيها على حدّ سواء، ومن جهتها حرّكت الدولة أذرعها السياسية والإعلامية للنيل من الجماعة ونعتها بالخرافية (الأحداث المغربية، موقع خرافة، الجماعات الوهابية)، خاصة وأن تداول تلك الرؤى تم بشكل علني، حيث قُصّ بعضها في لقاءات مباشرة في موقع الجماعة على شبكة الأنترنت، وقد أشار ياسين في إحدى حلقات برنامج «مراجعات»، الذي بثته قناة “الحوار” اللندنية نهاية 2011، وهو الحوار المرئي الوحيد له مع قناة تلفزية، إلى أن الجماعة أخطأت في تدبير تلك المسألة، وعلّق على بثّها مباشرة قائلا: «كنا أغراراً»، أي سُذّجا، دون أن ينفي تصديقه بأمر الغيب.
كانت “رؤى 2006″، أشد الزلازل التي مرت منها العدل والإحسان، فقد تزعزعت قناعات البعض بأمر الغيب، وتساءل آخرون عن جدوى إدراجه في السياسة، ولولا حضور ياسين الجسدي والروحي، لكانت الضريبة أشد وأقسى، فقد كان لذلك الحضور دور محوري في بقاء الجماعة موحدة، تصوّرا وحركة، وإن بقيت وجهات النظر مختلفة في تدبير ملفات عديدة، في مقدمتها المسألة التنظيمية، التي ظلت محل نقاشات نحو عقد من الزمن، قبل أن يتم تنزيل الهيكلة الحالية المسماة “البناء الجديد”، بشكل فجائي في وقت اشتد فيه بياسين المرض، وقد احتفظت الهيكلة مؤقتا بمنصب “المرشد العام”، بما يحيل إليه من رمزية روحية وتنظيمية، قبل أن يتم التخلي عنه بالمرة، مباشرة بعد وفاته، وتعويضه بمنصب “الأمين العام”، مع الحفاظ على مؤسستي “مجلس الإرشاد” و”مجلس الشورى”، وإلغاء مؤسسة “الأخوات الزائرات”، التي أسسها الرجل قبيل خروجه من الحصار، لتكون حاضنة لعمل القطاع النسائي للجماعة، وعهد بتأطيرها إلى ابنته نديّة.
غياب ياسين عن الجماعة، أثّر كثيرا في نشاطيها الدعوي والتربوي وفي حضورها السياسي، ففي السنوات الست التي أعقبت وفاته، ظهرت بوجه مختلف عما كانت عليه في عهده، خطابا وسلوكا وممارسة، إذ لم تعد تخوض في جوهر الأشياء، بل بدت مُهادنة للنظام، الذي نجح في عزلها سياسيا، داخليا وخارجيا، فاقتصرت معارضتها في نقد التدبير الحكومي لحكومة عبد الإله بن كيران (2011-2016)، في وقت لم يتوقف هو في توجيه الضربات إليها، بما فيها الضرب تحت الحزام، كان أشدها مطلع 2017، حين أقدم على إنهاء مهام العشرات من أطرها في الإدارات العمومية، وحرمان 150 أستاذا متعاقدا من ولوج وظائفهم، ضربات أفضت إلى انكماش نشاطها حركيا وميدانيا، وتآكلها تنظيميا، وأضعفت بالتالي قدرتها على الحشد الجماهيري، الذي لم يعد سوى وسيلة للتنفيس الداخلي ورسائل طمأنة للقواعد، وحتى أنشطتها الداخلية التي تحيي فيها بعض المناسبات السنوية الاعتيادية، أو تثير من خلالها ملفاتها الحقوقية المتراكمة، تخلت عن الكثير منها في الموسمين السابقين، وأضحى الاحتفال السنوي بذكرى رحيل ياسين، نشاطا روتينيا ينتهي بزيارة ترحم لقبره.
5. ابتلاع الدائرة السياسية للتنظيم
في ورقتها التعريفية، نقرأ أيضا: « السياسة بعض شأننا، نحرص أثناء مزاولتها على التوازن بين اهتمامنا بالشأن العام للأمة والشأن الخاص للإنسان، لاقتناعنا أن لا فائدة ترجى من إدارة الشأن العام والإنسان خرِب قلبه بالآثام… شعارنا ”العدل والإحسان“ نختزل من خلاله برنامجنا وأهدافنا… ولا نفصل واحدة عن أخرى ».
لا فصل بين الدعوة والسياسة إذا، والأخيرة في مشروع الجماعة «بعضٌ» من كل، أي رافعة من الرافعات الخادمة له، وفي سبيل ذلك أَحدثت في صيف 1998، مؤسسة خاصة لتكون واجهتها السياسية، هي “الدائرة السياسية”، التي لم يعلن عنها رسميا إلا بعد مرور سنتين من إنشائها، أشهرا قليلة من خروج ياسين من الحصار، وتم تقديمها على أنها «جهاز وظيفي»، مهمته إعداد الأطر وإنجاز الدراسات والبرامج، والتواصل مع الفاعلين السياسيين، في أفق وضع ميثاق إسلامي يجمع الفرقاء السياسيين بالبلد،
ضمت الدائرة ثلاث قطاعات: النقابي؛ النسائي؛ الشباب، بالإضافة إلى مكاتب للخبرة في تخصصات علمية وتقنية مختلفة، ثم جرت هيكلتها مركزيا وجهويا وإقليميا.
قامت الدائرة بأعباء كثيرة، ومكنت الجماعة من الانفتاح على المجتمع والمكونات الفكرية والسياسية، عبر الأنشطة والندوات الفكرية، واللقاءات التواصلية، كان أبرزها “الأبواب المفتوحة”، التي نظمتها خلال شهر ماي 2006، والتي تدخلت السلطات الأمنية لمنعها بالقوة، وصرح شكيب بن موسى، وزير الداخلية وقتها، في 31 من نفس الشهر؛ قائلا: « من خلال تكثيف أنشطتها تكون العدل والإحسان قد وضعت نفسها خارج دائرة القانون »، ممهدا بذلك لحملات أمنية في صفوفها، واكبها تضييق إعلامي لنزع الصفة القانونية عنها بوصفها “جماعة محظورة”.
إلا أن الدائرة ومع مرور الوقت، بدأت تستنزف التنظيم، حيث أن معظم كوادره، من نقباء أسر وشعب وجهات (الحلقات الصغرى والمتوسطة في التنظيم)، كُلّفوا بمهام موازية داخل القطاعات التابعة لها، مما أخل بسير الجماعة دعويا وتربويا، وستتسع دائرة الاستنزاف بعد انخراط الجماعة في حركة 20 فبراير، النسخة المغربية لـ”الربيع العربي”، حتى صار التنظيم هو الدائرة، وقد أقلق ذلك التحول ياسين، فعلّق منبّها: “كنا العدل والإحسان أولينا 20 فبراير” (كنا العدل والإحسان، وأصبحنا 20 فبراير)، تعليق قد يكون من بين أسباب انسحاب الجماعة من الحركة في نهاية 2011.
وتيرة استنزاف الدائرة للتنظيم، لم تتوقف بعد رحيل الرجل، بل ازدادت سرعة مع مرور الوقت، حتى أن القرار في الجماعة اليوم، بيد “رجال الدولة”؛ النعت الملازم لقادة الدائرة السياسية، بل وقد تفضي عمليات توسعة مجلس الإرشاد المتتالية، إلى السيطرة النهائية للدائرة على التنظيم، ليكتمل الفصل غير المعلن بين الدعوي والسياسي، الذي شبّهه ياسين في ختام ذلك اللقاء التاريخي الذي حدد فيه آليات خلافته، بالمُثْلةِ أي تقطيع الأوصال، المحرمة شرعا وعرفا إنسانيا، يوضح ذلك فيقول: « المُثْلَةُ أن نشوه شيئا محترما في الدين، الإنسان محترم ولو كان كافرا، فما بالك بشيء أعظم حرمة من شخص، هو دين الله عز وجل، وأذكّر بشيء قلته مرارا وأكرره كي لا يُنسى: كم من دعوة بدأت بالصفاء النبوي والسنّة الصافية… وتمضي الأجيال فإذا بزيد يبتدع كذا وعمر يبتدع كذا… فإذا نحن في خطْل وخواء وغَرَرْ ».
لم يكن ياسين يوما تاجر سياسة ولا تاجر دين، بل كان رجل وضوح ومبدأ، مثّل وتمثّل الهوية الحقيقية للعدل والإحسان، وبذلك حاز احترام الخصم قبل الصديق، زاره محمد الحبابي، أحد قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بُعيد إرساله « مذكرة إلى من يهمه الأمر »، فوصفه في أحد حواراته قائلا: « كان يتمتع بهدوء واطمئنان وثقة في النفس مثل قديس… أحسست به صادقا، وليس مراوغا كالسياسيين الذين أعرفهم. وتأكدت من أن الرجل من النوع الذي إذا حدث واتفقت معه على أمر ما فلن ينقلب عليك أو يخدعك ».
وصف “قديس”، بمعنى وليٌّ من أولياء الله، يختصر شخصية ياسين الدعوية والسياسية… وإن من يقرأ التاريخ، ليدرك أن القدر كان دائما في صف القدّيسين، فهل يكون الطوفان الذي حذر منه الرجل في 1974، ورؤى 2006، قدرٌ مؤجل إلى حين؟!