نقلت وكالة (رويترز)  عن مصادر تركية يوم السبت الماضي أن السلطات التركية تعتقد أن الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي الذي اختفى قبل أربعة أيام بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول قد قتل داخل القنصلية.

وقالت ذات المصادر أن ”التقييم الأولي للشرطة التركية هو أن السيد خاشقجي قتل في القنصلية السعودية في اسطنبول. نعتقد أن القتل متعمد وأن الجثمان نقل إلى خارج القنصلية“.

إذا صح الاعتقاد التركي بتصفية خاشقجي فمن حق تركيا أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية ومن حقها أن تتخد مايلزم من إجراءات في التعامل مع الطاقم القنصلي السعودي إلى حين انتهاء التحقيق الأمني في قضية اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي المعروف بمواقفه المنتقدة للاسلوب الذي يدبر به النظام السعودي عدد من الملفات والقضايا على المستويين الداخلي والخارجي.

 اذا تاكدت في غضون الساعات أو الأيام المقبلة فرضية تصفية خاجقشي داخل القنصلية السعودية فهذا يعني أن هذه الأخيرة انتهكت القانون الدولي وانتهكت سيادة تركيا ولم تلتزم بمقتضيات اتفاقيتي فيينا للعمل القنصلي والدبلوماسي.

بغض النظر عن كل القراءات الممكنة بخصوص هذه الفاجعة الإنسانية المؤلمة فإن تحويل مقرات البعثات القنصلية  او الدبلوماسية إلى أماكن  للاحتجاز  أو للتصفية الجسدية لمنتقدي  الانظمة او معارضيها يعتبر سلوكا مافيوزيا غير مقبول على الإطلاق ويستدعي اذانة جماعية من طرف المجتمع الدولي مهما كان شأن الدولة التي اقترفته ومهما كانت قوتها ومهما كان نفوذها المالي والاقتصادي على المستوى الدولي. 

إذا توصلت نتائج  التحقيقات الأمنية التركية من خلال أدلة مادية ملموسة بعيدة عن اي اعتقاد مجرد إلى تعرض الكاتب السعودي جمال خاشقجي للتصفية الجسدية داخل مقر القنصلية السعودية في اسطمبول، فهذا معناه، أن النظام السعودي الحالي لا يكترث بقواعد القانون الدولي ولا بحقوق الإنسان.

 لجوء النظام  السعودي إلى أسلوب تعقب منتقديه ومعارضيه خارج البلاد، ومن دون احترام سيادة الدول، أمر اصبح يطرح اكثر من علامة استفهام، حول خلفية هذه الممارسات المرفوضة بموجب القانون الدولي؟ 

الاستقواء بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال شراء دعمها بأموال النفط أمر لم يعد خاف على أي مراقب لبيب، غير أن ذلك، لا ينبغي أن يحول دون ممارسة المجتمع الدولي لدوره في حماية قواعد القانون الدولي، في العلاقة مع نظام أصبح لا يعير اي اهتمام لسيادة الدول ولحقوق وحريات مواطنيه خارج البلاد وداخلها، ولاسيما، المعارضين له أو المنتقدين لسياساته الداخلية والخارجية.

انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان أصبحت مزعجة للمنظمات الحقوقية الدولية ولم تعد تقتصر على الداخل السعودي من خلال اعتقال عدد من النشطاء وتنفيذ أحكام الإعدام في حق البعض منهم، او من خلال احتجاز الأمراء في الفنادق دون إجراء أي محاكمات قضائية لهم، بل أصبحت انتهاكاتها  عبر وطنية، وتتخد أحيانا أسلوب التنظيمات المافيوزية، وهنا لا بد من الاشارة إلى عمليات الاختطاف التي نفذت خارج السعودية في حق أفراد من العائلة الحاكمة كانوا مقيمين في بلدان أجنبية!

ما يؤكد فرضية استقواء النظام الحالي في السعودية ببلاد العم سام والرئيس ترامب على وجه التحديد هو موقف الخارجية الأمريكية التي اكدت على أنها  لا تستطيع التعليق على تقارير مقتل خاشقجي وأنها تتابع الملف عن كثب!! 

لو كان الضحية المفترض كاتب إيراني والفاعل هو الدولة الإيرانية لكان موقف الخارجية الأمريكية غير هذا الموقف بل كانت الدبلوماسية الأمريكية ستتحرك في كل الاتجاهات وستستنفر كل أجهزة  الأمم المتحدة وكل الآليات الحقوقية الدولية.

 الموقف الأمريكي موقف مفهوم ويعكس في العمق سياسة الكيل بمكيالين التي وسمت سلوك الدبلوماسية الأمريكية تاريخيا. وهي نفسها السياسة التي تنهجها عدة دول أوروبية خدمة لأهداف سياستها الخارجية بعيدا عن قواعد القانون الدولي.