في ظل ما يعيشه المغرب من أزمات اجتماعية وإنسانية أصبح صعب أن ننتبه لما هو سياسي، رغم أن السياسي هو أصل كل البؤس الاجتماعي الذي نعيشه.. حادثة الطالبة حياة التي أُنهي حلمها بالهجرة عبر رصاصة، وحادثة المعطل المكفوف صابر الذي انتهت حياته بالسقوط من فوق سطح وزارة من المفروض أن تحميه، ثم حادثة القطار التي راح ضحيتها عشرة أشخاص… وسط هذا البؤس الإنساني كان من الصعب أن ننتبه إلى أن هناك انتخابات جرت مؤخرا بمجلس المستشارين، كان من الصعب أيضا أن ننتبه إلى الكثير من الكلام الخطير الذي قيل في هذا الحدث الذي نجدنا مضطرين للوقوف عنده رغم أن النفس فيها ما فيها من الحزن على ضحايا الوطن.

استطاع إذن السيد حكيم بن شماس، عن حزب الأصالة والمعاصرة، أن يفوز برئاسة مجلس المستشارين للمرة الثانية تواليا، متفوقا بفارق كبير على السيد نبيل الشيخي عن حزب العدالة والتنمية، مع العلم أن حزب الاستقلال قام بسحب مرشحه، السيد عبد الصمد قيوح، احتجاجا على ما أسماه السيد رئيس الفريق الاستقلالي نور الدين مضيان صدور تعليمات لدعم بنشماس.

“بلغنا أن تعليمات صدرت لدعم بنشماس، ونحن نتساءل هل لازالت التعليمات تصدر ومن يصدرها؟.. المؤكد أن جلالة الملك لا يتدخل في مثل هذه الأمور. لا يمكنني قول كل شيء، لكن هذا هو التحكم بعينه.. كيف يريد أن أخنوش أن يكون رئيس حكومة ويتصرف هكذا؟..” هذا جزء مما جاء في حوار السيد مضيان مع إحدى الصحف الوطنية.

لا يهمني كثيرا إن كان ما قاله صادقا أو مجرد اندفاع أنتجته الهزيمة ولكن يهمني أكثر إقحامه للملك في خضم حواره بطريقة تثير الاستغراب. ما الداعي ليقول مضيان أن الملك لا يتدخل في هذه الأمور؟ ما الداعي ليذكرنا مضيان بأمر نعتبره بديهيا؟ وكأن مضيان يريد أن يخبرنا أن هناك من قال العكس.. وهنا نتساءل هل يعلم مضيان أمرا خطيرا يرفض أن يخبر الرأي العام به؟

 أما عن إقحام اسم أخنوش في القضية فله ما يبرره، إذ جميعنا نعلم أن الصراعات السياسية بين الأحزاب هي نتاج تضارب مصالح يختلط فيها السياسي بالاقتصادي وربما بأشياء أخرى.. لهذا فنحن نفهم كيف لمضيان أن يُقحم اسم أخنوش في هذه القضية، فمنذ انتخابات السابع من أكتوبر الأخيرة وعزيز أخنوش هو محور كل الصراعات بالساحة السياسية المغربية، لذلك فقد كان بإمكان مضيان أن يكتفي بحديثه عن أخنوش عبر قوله أن هذا الأخير نقل صراعه الإقليمي بتارودانت مع قيوح إلى مستوى وطني من خلال انتخابات مجلس المستشارين.

الأمر الثاني المهم في ما قاله السيد مضيان هو كون أخنوش يطمح ليكون رئيسا للوزراء، ما يعني أن الحديث عن طموح أخنوش في حكم المغاربة لم يعد مجرد حديث هامشي على صفحات الجرائد وإنما أصبح واقعا يناقشه زعماء الأحزاب ويستعدون للتعامل معه سواء بالدعم أو بمحاولة كبحه، رغم أن الانتخابات التشريعية ما تزال بعيدة وتفصلنا عنها سنوات ثلاث تقريبا إلا إذا كان هناك من يعلم أن المغرب مقبل على انتخابات مبكرة وأن حكومة السيد العثماني أصبحت في عداد المنتهية.