يتابع الرأي العام المحلي بإقليم سيدي سليمان تحركات عامل الإقليم إدريس الروبيو بكثير من الاهتمام، في ظل ما يمكن وصفه بغياب شبه كلي للأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، التي اختارت لنفسها وضعية “المتفرج“، بعد أن كانت في عقود سابقة القلب النابض للحياة السياسية والمدنية بالإقليم.

ففي التسعينيات، كانت الأحزاب الكبرى مثل الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، تضفي على الإقليم حيوية سياسية لافتة، بأنشطة إشعاعية مستمرة، وندوات فكرية وجماهيرية، وتأطير حزبي فعّال، تقوده نخب سياسية وثقافية ونقابية تحمل همّ الشأن العام، وتدافع عن قضايا المواطنين بشجاعة والتزام.

لكن هذه الصورة بدأت تتلاشى تدريجيًا مع بداية العشرية الأولى من حكم الملك محمد السادس، رغم الزخم الذي أعطته لحظة “التناوب التوافقي” سنة 1998 بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، والذي شكّل في حينه أفقًا جديدًا لإعادة الثقة في العمل السياسي والمؤسساتي. ومع مرور السنوات، بدأت تتسرب إلى الأحزاب نخب جديدة، لا تشبه الجيل السابق لا من حيث الثقافة ولا من حيث الالتزام السياسي، حتى تحوّل العمل الحزبي إلى أداة لخدمة المصالح الشخصية والفئوية، ووسيلة للوصول إلى الريع والمناصب، بدل أن يكون وسيلة لخدمة الصالح العام.

وإذا كانت المسؤولية الحزبية في الماضي عبئًا وواجبًا يتطلب الكفاءة والنزاهة، فإنها اليوم أصبحت تُمنح في الغالب بمنطق الولاءات والتزكيات الفوقية، وسط مشهد تتقلص فيه الديمقراطية الداخلية لصالح القرارات الجاهزة والانتخابات الصورية.

أما على مستوى الأداء، فقد أصبح بعض مسؤولي الأحزاب والنقابات والجمعيات عاجزين حتى عن التعبير عن مواقف سياسية واضحة، أو المساهمة في تأطير المواطنين، مكتفين بإصدار بلاغات مجاملة في المناسبات الوطنية والدينية، أو الإشادة بتحركات السلطات المحلية.

هذا الوضع خلق مفارقة صارخة: في الوقت الذي تتحرك فيه الإدارة الترابية، ممثلة في شخص العامل، بفعالية عبر زيارات ميدانية، ومواكبة لمشاريع تنموية، ومبادرات لتحسين البنيات التحتية والخدمات، يكتفي الفاعل الحزبي والمدني بالانزواء أو اللهث خلف مشاريع “الريع التنموي” من قبيل العقار السلالي، وأوراش التنمية البشرية، والمصالح المرتبطة بالمجالس المنتخبة.

الأمر لم يقف عند الأحزاب فقط، بل طال أيضًا الجمعيات التي كانت تمثل في وقت مضى قوى اقتراحية وترافعية مهمة. فقد اختفى الفعل الجمعوي الجاد والمسؤول، تاركًا المجال لجمعيات المناسبات والمساعدات الظرفية، في غياب واضح لرؤية مدنية قادرة على إحداث التغيير المنشود.

أما النقابات، فقد استسلمت بدورها لمنطق الجمود والتكلس، حيث ظلت بعض القيادات النقابية في مواقع المسؤولية لأكثر من عشرين سنة، وكأن الرحم النقابي عاقر، لا يُنتج طاقات جديدة قادرة على التجديد والمواجهة.

في ظل هذا الواقع، يصبح من الطبيعي أن تتحول الإدارة الترابية إلى الفاعل الرئيسي –وربما الوحيد– في التنمية، وتتفوق في ديناميتها وسرعتها على كل ما سواها من مؤسسات حزبية ومدنية. غير أن هذا الخلل في التوازن بين الفاعلين لا يبشّر بخير، لأن التنمية في نهاية المطاف لا يمكن أن تحقق أهدافها الكبرى إلا بتكامل أدوار كل المكونات، وفي مقدمتها الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، باعتبارها مؤسسات دستورية لها دور جوهري في التأطير والمساءلة والاقتراح.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للعمل السياسي والمدني بالإقليم، عبر مراجعة عميقة للسلوكيات والممارسات، وإحداث قطيعة مع منطق الاسترزاق والانتهازية، وتكريس قيم الالتزام والنزاهة والتجديد الديمقراطي، حتى لا يستمر هذا العطب البنيوي الذي يعطل التنمية، ويحول دون بناء مجتمع محلي قوي ومتوازن.