بصرف النظر عن الكثير من التفاصيل الواردة في حوار الأستاذ المصطفى الرميد، مع موقع “صوت المغرب” وبصرف النظر كذلك عن الأمور المرتبطة ببعض الصفات في شخصية الأستاذ الرميد، وإن ظلت مؤثرة في مواقفه وتفاعلاته السياسية، فإن ما يهم في الحقيقة هو الخروج ببعض الاستنتاجات التي من شأنها المساعدة في رسم مسار مستقبل حزب العدالة والتنمية أو بالأحرى ترميم هذا المسار بما يفيد في تقوية الحزب ليقوم بواجبه.

من هذه الاستنتاجات واستحضارا لرواية الأستاذ عبد الاله بنكيران عن بدايات العمل الإسلامي في المغرب وبدايات حزب العدالة والتنمية، يتضح أننا كنا ازاء مقاربتين لادماج الاسلاميين ورعاية مشاركتهم في الحياة السياسية، تعايشتا تحت سقف حزب واحد، فكانتا تتقاطعان في سياقات معينة، ثم تتجاذبان قيادة الحزب والتأثير على مواقفه في سياقات أخرى، وفي لحظات التجاذب تقع هزات داخلية لكنها سرعان ما تهدأ من خلال مجهود أصحاب المقاربتين في التوافق الذي يحفظ وحدة الحزب وتماسكه.

خلال مرحلة ما بعد البلوكاج (2017 – 2021)، توارت إلى الخلف المقاربة التي يمثلها الأستاذ عبد الاله بنكيران، وخفتت محدداتها داخل قيادة الحزب، وعمليا بقيت في الواجهة المقاربة التي يمكن القول أن الاستاذ مصطفى الرميد يمثلها، وعليها سار الحزب بارتباك لأنه لم يألفها الا مقاربة مؤطرة وموجهة بشكل مباشر.
لكن الذي حدث هو أن الحزب في لحظة تدبير انتخابات 8 شتنبر 2021، حاول العودة إلى المقاربة التي يمثلها الأستاذ بنكيران، غير أن غيابه عن القيادة، صعب هذه العودة، رغم أن التاريخ يقول بأن الدكتور العثماني والأستاذ يتيم، كانا ايضا من رموز المقاربة نفسها، وقد كانا ضمن قيادة الحزب خلال الانتخابات، دون تأثير كبير على مواقفه وتدبيره للانتخابات ولعدد من القضايا، لأسباب ربما يمكن فهمها من المعنيين مباشرة، اما في لقاءات داخلية أو حوارات صحافية، وفي الوقت نفسه غادر الأستاذ الرميد الحزب قبل الانتخابات، لأن القيادة لم تسايره في اقتراحاته لتدبير مشاركة الحزب في الانتخابات وفق المقاربة التي يمثلها ويدافع عنها، فكانت النتيجة ما تابع الرأي العام ليلة 8 شتنبر.

هذا يعني أن الحزب شارك في الانتخابات بدون رؤية وبدون بوصلة، حتى لا اقول بدون قيادة، بعد مغادرة الأستاذ بنكيران للظروف والأسباب التي يعرفها الجميع، وبعد انسحاب الأستاذ الرميد لحظات قبل الانتخابات تاركا السفينة على وشك الغرق.

والحقيقة أن مطلب عودة الأستاذ بنكيران للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في المؤتمر الاستثنائي (أكتوبر 2021)، كانت صرخة من مناضلي الحزب للعودة للمقاربة التي يمثلها ويدافع عنها، بعد أن ظهر أن المقاربة الأخرى غير منسجمة مع جينات حزب العدالة والتنمية، وأنه حتى إذا كانت حلا من الحلول في لحظات معينة، الا أنها تفتقد لمقومات الاستقلالية والصمود، بالقدر الذي يتمتع به الحزب عندما يُعمل المقاربة التي يشتغل وفقها الأستاذ بنكيران.

وهذا الذي جعل الحزب ينتعش من جديد بعد عودة الاستاذ بنكيران للأمانة العلمة، رغم ظروفه الصحية، ورغم أنه تسلم الحزب بنتائج انتخابية سيئة، وبتواجد ضعيف داخل البرلمان والمجالس الترابية.

والخلاصة أن المنتسبين لحزب العدالة والتنمية، إذا تخلصوا من شوائب الطائفية التي تمنع التقييم الموضوعي والمنصف لتجربة الحزب، ولمساهمات قياداته فيما حققه الحزب خلال المراحل السابقة، سيسهل عليهم استئناف القيام بواجباتهم تجاه دولتهم ومجتمعهم، مع التجديد المطلوب، خاصة أن حصيلة كل مقاربة من المقاربتين اللتين تعايشتا داخل البنية القيادية للحزب، باتت متاحة ومتوفرة ويمكن ملاحظة أثر وعائد كل واحدة منهما على الحزب بالعين المجردة.