حاولت في مقال ” على خلفية إعلان وفاة الرئيس الإيراني و مرافقيه: المقاومة العابرة للحدود لن تنطفئ جذوتها إلا بتغيير  بنيان نظام دولي فاسد وظالم ..” إستحضار قصة موت نبي الله سليمان، و هذه السردية القرآنية توضح لنا  أن شياطين الجن لم تنبه أولا لموت النبي سليمان، وثانيا لم تنبه  إلى أن العصا  تقرضها حشرة الأرض.. والعالم اليوم يعرف تحولات عميقة لا تسطيع العقول الجامدة و القلوب المتحجرة، قياس وثيرتها و إدراك تداعياتها الأنية و المستقبلية، كما أن الأيادي المنخرطة كرها او طواعية في حلف صهيو- صليبي غايته تنفيذ أجندة شيطانية -دجالية لا تملك القدرة و الشجاعة للتحرر من قبضته و الانفلات من تحت عباءته..نظام دولي فاسد و ظالم، كشفت مأساة غزة  درجة فساده و مقدار ظلمه و تحيزه الفاضح و عجزه الواضح ..

مساواة الجلاد بالضحية

ولعل مذكرات الاعتقال التي أصدرها مكتب المدعي العام للمحكمة “كريم خان”، بحق رئيس وزراء الاحتلال ” نتن ياهو”  ووزير حربه “يوآف غالانت”، بالإضافة إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية وقائد كتائب القسام محمد الضيف ورئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار..

وبالرغم من أن إصدار مذكرة اعتقال في حق مجرم الحرب نتنياهو و وزير حربه خطوة غير مسبوقة و سابقة تنذر بتغير عميق في بنية النظام الدولي، ومنعطف تاريخي في المسرح القانوني في الصراع العربي -الصهيوني.. لكن إصدار مذكرات الاعتقال بحق قادة المقاومة فيه مجانبة للصواب، وقرار  خاطئ شكلا و مضمونا، لأنه يساوي الضحية بالجلاد ، ويضع  دولة الاحتلال في نفس خانة الشعب الذي تحتله..ذلك أن الشعب الفلسطيني يمارس حقه في المقاومة التي تكفلها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية لكل شعب سلبت حقوقه و أحتلت أرضه ، في حين أن الكيان لا تسري علية حالة “الدفاع الشرعي” وإنما  يمارس عدوان على شعب محتل…

نازلات ظرفية

وعودة إلى حدث طائرة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي ” ووزير خارجيته “حسين أمير عبد اللهيان” ومسؤولين آخرين خلال عودتهم من منطقة “خدا آفرين” على الحدود المشتركة مع أذربيجان باتجاه مدينة تبريز إثر حادث تعرضت له المروحية التي كانت تقلهم.

ويعد هذا الحدث المأساوي حدثا بالغ الأهمية في سياق الحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية و الاحتلال الصهيوني، المدعوم ب “الشيطان الأكبر”  الذي حمله وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، الاثنين 20-05-2024 المسؤولية عن مأساة تحطم مروحية رئيسي من خلال منعها بيع الطائرات وقطع غيارها لإيران…

وبغض النظر عن إحتمالية وجود “أيادي خفية” وراء هذا الحدث المفاجئ و الدامي، فإن المستفيد الأكبر منه هو المحور الصهيو-صليبي، حيث ستضطر الإدارة الإيرانية على مراجعة حساباتها و ترتيب بيتها الداخلي وخفض حدة التوتر على الجبهات الخارجية على وجه التحديد..

كما قد تضطر دبلوماسية المقاومة إلى تقديم تنازلات ظرفية، تأخذ بعين الاعتبار الظروف الداخلية للأحد أهم الحلفاء و الداعمين، الذين كانت تشير غليهم أصابع الإتهام لكونهم يقفون بشكل أو  أخر وراء عملية 7 أكتوبر..

تطبيع العلاقات المغربية -الإيرانية

وعموما، نترحم على روح الرئيس الإيراني و الوفد المرافق له ، و نشيد بالموقف المغربي الرسمي الذي أبرق تعزية لهذا البلد رغم القطيعة الدبلوماسية ، التي نرى أنه أن الأوان لكي يتم إعادة النظر بشأنها، خاصة وأن أغلب دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية، التي طبعت علاقاتها مع إيران وأغلقت باب الخلاف ولو لحين..

ولعل هذا الحدث الأليم يأتي برياح الانفراج في العلاقات المغربية الإيرانية  التي تأزمت منذ مطلع شهر ماي من العام 2018، عندما أعلن وزير الخارجية المغربي قطع الرباط لعلاقاتها الديبلوماسية مع دولة إيران، وجاء ذلك على خلفية اتهامه لهذه الأخيرة بتوفير الدعم العسكري والمالي لجبهة البوليزاريو، انطلاقا من أحد خلايا حزب الله اللبناني وعبر سفارة إيران بالجزائر،  وقد أنكرت إيران وباقي  الأطراف المتهَمة هذا الإتهام..

وقد تميزت العلاقات بين المغرب وإيران بحالة من المد والجزر، فقد سبق أن قطع المغرب علاقاته الديبلوماسية مع إيران ما بين  2009  إلى 2017 حيث استرجع البلدان علاقاتهما الديبلوماسية ليتم قطعها مجددا بعد سنة واحدة …

جذور الأزمة

لكن جذور الأزمة ترجع لساعة انطلاق الثورة الإسلامية سنة 1979 ، وخلع شاه إيران “محمد رضا بهلوي” و استقباله علنا من طرف الملك الراحل الحسن الثاني ، وهو الأمر الذي خلق توترا بين المغرب والقيادة الجديدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وبالعودة على الجذور نجد أن الخلاف المغربي الإيراني يرجع  إلى أسباب “سياسية” و أخرى “عقدية”..فلقد ظل الملك الراحل الحسن الثاني أحد الداعمين الأساسيين للغرب وخصوصا للسياسة الخارجية الأمريكية، تماما كما كان عليه الأمر بالنسبة للشاه الإيراني المخلوع “محمد رضا بهلوي”.

كما أن الخلاف له أسباب “عقدية” فالراحل الحسن الثاني كان على خلاف “عقدي مع مرشد الثورة الإيراني  “آية الله الخميني “، منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة الإسلامية، خوفا من إحياء الصراع التاريخي بين السنة و الشيعة..

ففي مقابلة مع مجلة “التايم” الأمريكية انتقد الراحل الحسن الثاني تسمية طروح الله” التي يتسمى بها “الخميني” قائلا: “أن المسيح وحده هو “روح الله” وليس محمدا أو موسى، وإن إعلانه أنه هو نفسه “روح الله” يعد أمرا سخيفا و مثيرا للسخرية..”، بل ذهب أبعد من ذلك حين قال ” أنه سوف يعلن إلحاده إذا كان الخميني يجسد الإسلام” ..بمعنى أن الخلاف في جوهره خلاف سياسي بجذور عقدية ، خاصة وأن العلاقات بين البلدين قبل الثورة الإسلامية كانت علاقات وثيقة ..

كتلة تاريخية

لذلك، نرى أن لحظة وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه فرصة لردم هوة الخلاف بين البلدين وإعادة العلاقات الدبلوماسية مجددا ، لأن المصالحة المنتظرة بين المغرب وإيران ستكون قاعدة لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين العالمين السني و الشيعي،  وفرصة لتضييق الخناق على الحلف الصهيو-صليبي الذي ينفخ في “كير”هذه العلاقات من خلال تأجيج نار الفتنة الطائفية ..فاللحظة الراهنة   تتطلب ” كتلة تاريخية” على حد تعبير عابد الجابري رحمه الله ..

كاتب و أستاذ جامعي مغربي