كثيرة هي الطرائف والنوادر والمضحكات التي يتميز ويعج بها المجلس الجماعي لطنجة في صيغته الحالية التي انطلقت شتنبر 2021، لكن ما حدث خلال الدورة الأخيرة لشهر ماي، فاق كل التوقعات وتجاوز الخيال الذي اعتقدنا أنه يمكن ادراكه، جعلتنا حقيقة أننا أمام كائنات انتخابية غير معهودة تم اعدادها على عجل لتقود مرحلة ما بعد الأغلبية المطلقة لحزب العدالة والتنمية بالمجلس الجماعي ومختلف مقاطعات طنجة، التي وان كانت بدورها بالغت في تبرير الإكراهات والتدخلات المستمرة للوالي محمد اليعقوبي أنذاك، إلا أنها كانت على الأقل تحمل المبادئ الأولية للتدبير والتسيير في حدودها الدنيا.

ففي تبرير المنحة السخية التي قدمها المجلس الجماعي لطنجة دون أن يرف له جفن، والمقدرة بنحو نصف مليار سنتيم بالتمام والكمال لمهرجان الجاز الموسيقي الذي احتضنته مدينة طنجة باختيار من اليونيسكو طيلة 4 أيام خلال الفترة ما بين 27 و30 أبريل الماضي، بشراكة بين منظمة اليونيسكو ووزارة الشباب والثقافة والتواصل ومجلس مدينة طنجة، قال الحسين ابن الطيب وهو برلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وعضو المجلس الجماعي للمدينة، إن طنجة حققت من وراء هذا الحدث الفني إيرادات سياحية كبيرة، وأن فنادق طنجة كانت مملوءة عن آخرها، وزاد وسط اندهاش الحاضرين، وضحكاتهم الساخرة، أن نسبة مشاهدة هذا المهرجان المثير للجدل، قد تجاوزت 2 مليار و 700 مليون مشاهدة في ظرف 4 أيام، نعم كما سمعتم الرقم قارب عدد سكان الصين والهند، من المفروض أن يكونوا قد تابعوا أطوار وفعاليات هذا المهرجان الذي سمعت به فئة ضيقة من محبي هذا اللون الموسيقي في طنجة، أكثر من هذا عضض منير الليموري عمدة المدينة الذي جيء به من عالم آخر غير عالمنا ليكون رئيسا للمجلس الجماعي، ما ذهب إليه البرلماني، وذلك في تفاعله وردوده على بعض المداخلات المعارضة لمنح كل تلك الملايين للجاز دون تحديد وتوجيه لبوصلة الأولويات.

تركنا العمدة والبرلماني وشأنهما، وذهبنا في رحلة البحث والتدقيق في الأرقام والمعطيات، قلنا ربما الرجلين يتحدثان عن علم، فهما رجلا أعمال أحدهما برلماني وعضو المجلس الجماعي وقيادي محلي بارز في حزب رئيس الحكومة، والآخر عمدة “قد الدنيا” وقيادي محلي في حزب الجرار، سألنا مدراء لوحدات فندقية، كما استفسرنا من مسؤول بجمعية المرشدين السياحيين، وبعض المحلات الكبيرة بطنجة لكراء السيارات، لكن المفاجأة كانت صادمة ووقعها كبير، كل هؤلاء لا علم لهم بالمعطيات والأرقام المقدمة ولم يحسوا بأي جديد قد يحسن من الأوضاع ويزيد من مداخيل ما يمثلون، واصلنا بحثنا ودخلنا إلى كل المنصات التي بثت فعاليات المهرجان، لنقف حقيقة على نسبة المشاهدة، فلم نجد إلا بضعة ألاف تابعوا أو حاولوا المتابعة بمختلف مواقع التواصل والمنصات، في حين حضر بشكل فعلي ومباشر سوى بضع مئات أثثوا مقاعد وفضاء قصر الفنون والثقافة  بالمدينة الذي تزامن افتتاحه مع تنظيم الجاز.

المبررات التي قدمها عمدة طنجة ومن معه لمنح هذا المهرجان 500 مليون سنتيم، إلى جانب مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة الذي قدم بدوره 500 مليون، بالإضافة إلى 300 مليون أخرى قدمها مجلس عمالة طنجة أصيلة، غير مقنعة بالمرة، وكان بالإمكان استثمارها في أمور أخرى تعود بالنفع وبشكل مباشر على المواطن، خاصة وأن المؤسسات المنتخبة بالمدينة تعاني وفي حاجة إلى كل سنتيم من أجل تلبية ولو مساحة من متطلبات المواطنين، خاصة أنه كان بإمكان الوزارة المعنية التكفل بشكل كامل بهذا المهرجان الذي كلف حوالي  2 مليار و 600 مليون سنتيم من أموال دافعي الضرائب، إذا أضفنا مساهمة الوزارة بمليار و 300 مليون سنتيم، دون أن يكون له أي أثر أو اهتمام من طرف الساكنة المحلية التي على ما يبدو أن لها اهتمامات أخرى تنتمي لثقافتها وهويتها.

الرأي العام المحلي المتابع لرقصات المنتخبين بطنجة، رد بشكل راق ومثير وهو ينشر في حملة مضادة لمجلس المنتخبين، على مختلف الصفحات بالفضاء الأزرق العشرات من الحفر التي تعج بها مختلف شوارع وأزقة ودروب عروس الشمال، تحتاج إلى تدخل عاجل من طرف الجماعة، والحفر المنشورة والموثقة بالصورة والفيديو طيلة أيام تؤكد أنه كان من المناسب جدا تخصيص تلك الملايين التي قدمتها المجالس المنتخبة، لإصلاح وتبليط شوارع طنجة التي ستكون من أهم المدن المنظمة للعديد من الاستحقاقات في القادم من السنوات، وفي مقدمتها كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، فضلا عن إشكالات أخرى تؤرق بال المواطن الطنجاوي كإشكاليات الإنارة والنظافة والنقل الحضري وغيرها من الملفات التي هي على ما يبدوا كبيرة على منتخبين لا يعرفون من أين يجب البدء في رحلة الدفاع عن مصالح المواطنين.