يعيش حزب الاستقلال مؤخرا على إيقاع سياسي، لم يعهد الحزب له مثيل منذ تأسيسه، قبل أكثر من ثمانية عقود، حتى في أحلك  أيامه مطلع استقلال البلاد، وانشقاق تيارات سياسية منه، كان تنظيميا أكثر تماسكا، اليوم يعيش حزب علال الفاسي إحراجا سياسيا كبيرا بحكم عدم انعقاد مؤتمره الوطني في وقته القانوني المحدد، وتلويح الداخلية بإمكانية اتخاذ الإجراءات اللازمة في حقه، في مشهد سريالي لا يليق بحزب عمر طويلا في المشهد السياسي المغربي، وله وزنه السياسي.

ومع انعقاد اجتماع المجلس الوطني البرلمان حزب علال الفاسي، تفجر الوضع بين الاستقلاليين، حيث وصل الأمر لصفع البرلماني منصف الطوب من طرف منسق جهة الشمال وعضو اللجنة التنفيذية يوسف أبطوي، بلغ الأمر مداه حد تقديم شكاية إلى الدرك الملكي لبوزنيقة لنظر في تفاصيل الاعتداء الذي طال عضو فريق الوحدة والتعادلية بمجلس النواب، بموازاة ذلك وضع أشرف أبرون طعنا في شرعية اللجنة التحضيرية أمام القضاء الاستعجالي، ومن المنتظر أن يبث فيها القضاء في 20 من الشهر الجاري، من جهة أخرى يواجه رئيس فريق الوحدة والتعادلية شكاية امام القضاء وضعتها ضده النائبة البرلمانية السابقة رفيعة المنصوري، ونائبة رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، تتهمه فيها التشهير بالحياة الخاصة والإبتزاز.

وبذلك زادت متاعب حزب الاستقلال المنهك أصلا في حروب دونكيشوتية في مواجهة طواحين هوائية لا تنتهي، ما أن يتخلص من واحدة حتى تظهر أخرى في شكل مغاير، لكن بمضمون واحد، حرب المواقع والتموقع.

هذه الوضعية فتحت الباب أمام تشكل أحزاب صغيرة داخل الحزب الكبير للاستقلال ، حزب ولد الرشيد ومن معه، وحزب نور الدين مضيان ومن معه (حزب الشمال) ، وحزب نزار بركة وأهل فاس، وسميتها أحزاب لأنها تتوفر على مقومات الأحزاب، لا ينقصها سوى ترخيص من السلطات، لأن ولد الرشيد يبسط سيطرته على أغلب الأجهزة التنفيذية لحزب الاستقلال وصهره النعيم الميارة على الاتحاد العام للشغالين، ومنه التحكم في القرار السياسي لحزب علال الفاسي، ومن بين أسباب تأخر انعقاد المؤتمر الوطني الاستقلالي، الاجتماع الذي عقده ولد الرشيد فيما سمي بخلوة هرهورة، وفرضه صيغةً لخريطة مستقبل الاستقلال، تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني، وحرمان البرلمانيين من عضوية برلمان الحزب بصفة، وغيرها من النقاط، التي أفاضت كأس الاستقلاليين وعطلت آلته التنظيمية لأكثر من عامين.

وحزب مضيان ومن معه الذي يتحكم في كل صغيرة وكبيرة داخل الفريق البرلماني لحزب الاستقلال، الذي يشكل رقما مهما داخل الأغلبية الحكومية الحالية، والذي اعتبر صفعة التي تلقاها البرلماني منصف الطوب  إهانة ليس لها مثيل، وتبنى على إثرها لهجة تصعيدية خلال اجتماعه الخميس الماضي، تهدد بنفس اللجنة التحضيرية وبالتالي عدم انعقاد المؤتمر الوطني في آجاله المحددة من طرف وزارة الداخلية، ما سيشكل حرجا كبيرا على الحكومة، وقائد تحالفها حزب التجمع الوطني للأحرار.

بموازاة ذلك، يراقب نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال وباقي أعضاء حزبه، ممن يقفون على مسافة آمنة من هذه الحروب الدونكيشوتية، يترقبون ما سيترتب عنها، خاصة أنهم المستفيد الأكبر من دخول حزب علال الفاسي الحكومة، لأنهم يمكلون السلطة، بينما يملك غيرهم مفاتيح التنظيم، وهي معادلة مركبة ومعقدة، ضبط نواميسها لا يحتاج إلا إلى رجل مثل نزار بركة، وهو الاستنتاج الذي يشبه حد اليقين لدى أعضاء حزب علال الفاسي، وهو ما جعله يكون المرشح الوحيد الذي سيخلفه نفسه على رأس الأمانة العامة لحزب الاستقلال، بينما التفاصيل الأخرى ظلت موضوع نقاش ان لم يكن نزاع وتنازع بالنظر إلى ما وصلت إليه الأمور مؤخرا داخل حزب الاستقلال.

الوضعية التنظيمية المتردية، التي يعيشها حزب الاستقلال، وكما تحدثنا عنها بإسهاب في بداية هذا المقال، من باب الاستئناس واستخلاص مجموعة الأمور، التي لها علاقة بتدبير شؤون المواطنين، لأن السؤال الوجودي المفروض الإجابة عنه، ما موقع حزب الاستقلال اليوم داخل المشهد السياسي والحزبي المغربيين؟

موقع الضمير الغائب بينما كان في زمن من الأزمة، يطلق عليه ضمير الأمة، ضمير غائب في مهمة الرجل الاطفائي، الذي ما أن يخمد نار تنظيمية، حتى تشب أخرى في تلابيبه، في مشهد يحاكي من تحاصره النيران من كل جانب، ويكابد من أجل النجاة.

الفراغ الذي خلفه غياب حزب الاستقلال عن المشهد السياسي واضح، كون الدور الفعّال الذي كان يلعبه فريقه النيابي في التأثير في القرارات الحكومية مغيّب، فريق نيابي لا تعرف أهو جزء من مكونات  المعارضة أم الأغلبية، لكن الحق أنه جزء من مكونات الصمت في زمن المغرب والمغاربة في أمس الحاجة لمن يصدح بصوتهم.