أثار تعريف معاداة السامية الذي اقترحه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست ، جدلا كبيرا  في الأوساط الأكاديمية . فتحت ستار مكافحة معاداة اليهود ، تهدف هذه الوثيقة التي مازالت تثير جدلا واسعا، بحسب كثير من العقلاء الغربيين، إلى تحصين السياسة الإسرائيلية من أي انتقاد مشروع.

ويساوي التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة عنوة، بين إدانة الأيديولوجية الصهيونية العنصرية، المسؤولة عن الجرائم المرتكبة ضد حقوق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم، وما يطلق عليه بمعاداة السامية.الواضح جيدا، لأي منصف، إن مثل هذا الانجراف الأيديولوجي الدغمائي، الباحث عن هوية انطوائية باستئصال حق الاخرين، يشوه العدالة التاريخية، ويحاول ان يتنكر لمعاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال اليومي والحصار غير المشروع. والأسوأ من ذلك أنه قد يجعل من الممكن شيطنة أي مثقف، كيفما كان انتماؤه، يدين بشدة، تجاوزات السياسة الاحتلالية الإسرائيلية، المخططة لها من طرف الأحزاب اليهودية الاصولية المتطرفة.

وقد أدان أكثر من 200 أكاديمي هذا التعريف المتحيز الذي يضعف الحرية الأكاديمية لصالح الدعاية المؤيدة لإسرائيل. وحتى الأمم المتحدة المشرفة على حل هذا النزاع ( الذي يحوم حول ايقاف توسع الاحتلال و إعادة الأراضي المشروعة لأصحابها، رفضت اعتماده لما فيه من إشكالية ولبس من حيث الجوهر والشكل.

وبدلا من تعزيز الحوار والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، يهدف هذا النص إلى تجريم أي تشكيك في الرواية الصهيونية السائدة ودعمها بدون شروط!!. فهو يقلل بشكل ضيق من مجال التوضيح والكشف الدقيق والفضح النظري، للمدافعين عن العدالة الدولية للفلسطينيين العزل والمعتقلين الإبرياء.

هذا التعريف الاكاديمي المزيف، لا يخدع أحدا. إن ما وراء المعركة المفترضة ضد العنصرية ومعاداة السامية، كما يزعم هذا التقرير، إنما ينم في الواقع عن عدم قدرة بعض يهود العالم، على قبول نقاش واسع صريح، حول هذه القضية الحقوقية الشائكة. تقرير يشوه سمعة التحالف الدولي لإحياء ذكرى مآسي الهولوكوست، ويضعف قدراته على الوساطة العادلة و المنصفة، بشأن هذا الحيف التاريخي  تجاه قضية إنسانية عالمية معنية اولا و  أخيرا بحق الشعب الفلسطيني .

لقد كان فعلا، التعريف المقدم من طرف  هيئة” التحالف الدولي لإحياء   

 ذكرى الهولوكوست “  لما يجب ان يكون عليه  مفهوم “معادة السامية ” المعمم بإطلاق، موضوعا لانتقادات أكاديمية صارمة وتحليلية وتفكيكية و منبهة.

–يقول مؤرخ يهودي منشق بارز عن إسرائيل، إن إسرائيل تنكر الجذور الاحتلالية للصهيونية السياسية، من خلال استيراد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحشره في مشاكل الهوية اليهودية، وما تحاول ان تختلقه و تصطنعه كهوية، و التي لم تجد بعد مرسى تقف عليه. 

وهناك من يندد بصوت عال، بالرؤية الدغمائية المتحجرة للهوية اليهودية، المستخدمة لإضفاء الشرعية على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية.

ومع ذلك، وبالرغم مما يدعي التقرير، فهناك حاجة إلى تعريف عملي للتمييز بين معاداة اليهود فقط لانهم يهود، والنقد المشروع للاستيطان الإسرائيلي التوسعي، على حساب الاراضي الفلسطينية المحتلة، والمحمية بقرار أممي لم ينفذ بعد على ارض الواقع.

رغم ان التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست يؤكد في المنتديات الدولية، أن تعريفه يستهدف على وجه التحديد الاساليب التقليدية، التي تتسم بالعنصرية تجاه اليهود و المعادية للسامية عموما، مع الحفاظ على النقاش المفتوح حول العدوان الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين العزل.

ومن ناحية اخرى، حتى إذا تجاوزت بعض الشعارات الفلسطينية وغير الفلسطينية شرعية حق النقد السياسي، لإنكار مباشرة الوجود اليهودي لدولة إسرائيل، فإن الادعاءات المتكررة، ضد اليهود العقلاء من دول اخرى، الذين ينتقدون إسرائيل، بأنهم لهم ولاءات مشبوهة وانهم خونة، فهم في الواقع ليسوا معادون للسامية، بل هم مع الانصاف التاريخي و العدالة الإنسانية.

والأمر الأكثر جوهرية، هو أن هذا التقرير يمنح فرصة للمثقفين العالميين، أحقية النهج النقدي في التعامل مع التطرف الأيديولوجي الصهيوني، و تفريغه مما له صلة بالهوية اليهودية، ورده إلى ما هو، أي كتطرف عنيف يتحرك خلف آلة عسكرية جهنمية، لإستئصال حق الاخرين في الوجود بكرامة.

هذا التطرف غير المقبول، الذي تدافع عنه تيارات المحافظين الجدد في اسرائيل، مثل تجمع “صهيونية ما بعد الصهيونية“، ويبدو من النصح، لمثل هؤلاء ان يتوفروا على رؤية أكثر بعدا في النظر، تأخذ في الاعتبار السياقات التاريخية والجيوسياسية للحق الفلسطيني في ارضه ومآلات السلم المستقبلية.