هل يجرف الطوفان هرولة التطبيع؟
في الوقت الذي اصطفت فيه بعض الأنظمة العربية وغير العربية أمام بوابة تل أبيب ومغازلة الكيان الإسرائيلي وإغرائه بالفوائد التي سيجنيها من ربط العلاقات معه خاصة في مجالات الطاقة بكل اصنافها والسياحة وفتح الأسواق هذه الدول العربية لمشاريع اقتصادية وتكنولوجية أمام الشركات الإسرائيلية ، كل له تبريراته، فمنهم من يدعي أن التطبيع يقوي فرص السلام مع دولة أساسها عنصري وديني ، و٧٥ سنة من قيامها لم نشهد منها إلا القتل والاغتيالات للمقاومين وللمدنيين دون تمييز مع معاملة لا إنسانية ومخلة بكرامة الإنسان لليد العاملة في داخل الأرض المحتلة وينم ذلك عن عنصرية وتمييز تنفرد به هده العقلية الصهيونية والتي لم يكن تاريخها مع النظام النازي لتتعظ وتستفيد منه كدرس تستفيد منه ،لو كانت تعلم أن ذلك سيساعدها على تركيز أسسها ، وهناك من يعتبر أن وجود جالية يهودية – حوالي ٤٧٢,٨٠٠ – هاجرت من المغرب لتنضم لكيان مؤسس على الإرهاب الجماعي بل الإبادة التامة للإنسان الفلسطيني ، هذه الجالية اليهودية التي تؤخذ في الحسبان وفق مريدي التطبيع ، على أن لها روابط مع الشعب المغربي ، والتي قد تساهم في تغيير الموقف العدواني للحكومات الصهيونية لتجنح للسلام ، لم يصدر منها أي موقف أو احتجاج على سياسات القمع والتقتيل والاغتيالات بل والإبادة والعقاب الجماعي تماما كما كان النازيون يفعلون ضد العنصر اليهودي أو أكثر.
آراء أخرى
إلا أن النخب الصهيونية الحاكمة ركزت على القوة العسكرية والعتاد الحربي المتطور الذي تمدها بها أمريكا واٍوروبا، فها هو اليوم يصدر زعماء كل من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بيانا مشتركا «نددوا فيه بهجمات حماس «على الكيان الصهيوني .دولة أسست على القتل والبطش ومحو كل ما هو فلسطيني على أرضهم التي اغتصبت بمساعدة بريطانيا والوعد المشؤوم ، وعد «بلفور «سنة ١٩١٧، وليتهم وقفوا عند التنديد بل أعربوا عن «دعمهم الثابت والموحد» لدولة تخوض حربا ضد شعب لا يملك مقومات الحياة في مستوياتها الدنيا وبالأحرى فلا غرابة إذن في كل ما نراه ،والأنظمة العربية من المحيط الى الخليج تتفرج ، بل وتسعى لربط علاقات مع الكيان الذي يقوم على اغتصاب الأراضي وإقامة «إسرائيل الكبرى «تمد لغالبية خريطة الوطن العربي:
فالحق في محاربة المحتل حق أزلي تكفله وتضمنه كل المواثيق الإنسانية والدولية ، والدفاع الشرعي عن النفس حق مشروع تسانده كل القيم والمبادئ الإنسانية منذ أن عرفت البشرية الحروب ، إلا أن قادة بني صهيون يبدو لهم انهم وحدهم لهم الحق في الحياة، أما الشعب الفلسطيني كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي «غالانت» «نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة ، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود ،كل شيء مغلق ، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك» ، هكذا… لكن لن نلوم العدو في قوله هذا في الوقت الذي نسمع ونرى بعض من يعتبرون أنفسهم عريا ومسلمين يوجهون سهام العداء للفلسطينيين لأنهم يحاربون الكيان الذي كانت سياسته عنوانه ، التنكيل والتقتيل والاغتيالات والإبادة للشعب الفلسطيني الذي كلما يطلبه هو أن تكون له دولة مستقلة ليعيش كما يريد وبسلام..
الصراع سيستمر للأبد مادامت غالبية المجتمع الغربي الأوروبي والأمريكي ، يشكل السند الأساسي لمواصلة إسرائيل إبادة الشعب الفلسطيني مستلهمة من حليفتها أمريكا التي أبادت الهنود الحمر عن آخرهم وما بقي منهم إلا النذر كشهود على فضائع الدولة العظمى التي جاءت بإعلان حقوق الإنسان إيان الولايات ١٣ سنة ١٧٧٥ ، والذي ينص على أن « جميع الناس خلقوا متساوين وأن خالقهم منحهم بعض الحقوق غير قابلة للتصرف ، ومن بينها الحياة والحرية والسعي وراء السعادة» .إلا أن واشنطن اليوم تنكر هذه الحقوق على الفلسطينيين وتساند كيانا أقيم على التمييز العنصري خاص بالفلسطينيين الذين في الذهنية الصهيونية والطغمة العسكرية والنخب الحاكمة كلهم إرهابيون ، والمفارقة الكبرى هي أن الأنظمة العربية على مر العقود الماضية تضع كل مفاتيح حل القضية الفلسطينية في يد الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من أن هذه الأخيرة لم تكن أبدا ولن تكون في يوم من الأيام محايدة في الصراع العربي الإسرائيلي ، لأن هذا الكيان عبارة عن ولاية ٥١ الأمريكية ، فما تحرك بارجة «جيرارد فورد» و»إزنهاور « إلا دليل واحد على ذلك في الوقت الذي يباد الشعب الفلسطيني بغزة بشكل منهجي ، وتحت صمت قاتل لكل المجتمع الدولي ، لماذا لأن هناك مقاومة للاحتلال الصهيوني الذي لا يعترف بإقامة دولة فلسطينية … ولن يكون الأمر أكثر انحيازا لهذا الكيان المبني على سفك الدماء العربية من تصريح وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية «بلينكن» و هو يزور الدولة العنصرية بانه يزورها لا كوزير للخارجية بل كيهودي، وبالرغم من كل هذا وأكثر نجد بعض الأنظمة العربية تتشبث بعلاقاتها مع أمريكا وحليفتها إسرائيل التي زرعت لقمع واضطهاد كل محاولة لتحرر شعوب المنطقة ، وحماية الأنظمة التي سلمت سيادتها لهذا الكيان الذي من أسسه الاستعباد للشعوب العربية وضم كل الأراضي العربية لإقامة إسرائيل الكبرى . . إن الأنظمة العربية التي راهنت على خطة أبراهام الأمريكية ووضعت كل بيضها في السلة الأمريكية على أساس أن هذه الخطوة ستفتح الباب على مصراعيه للسلام ويعم الرخاء وتصل البحبوحة لكل الأفواه العربية ومنهم الفلسطينيون، لكن السلوك المتأصل في تركيبة الكيان الصهيوني العسكرية والمخابراتية والعنصرية لكل ما يشتم فيه رائحة العربي الأصيل خذلتهم في أول منعرج لم يدم طويلا حيث كشفت عن أن أنيابها وعادت بقوة التدمير والإبادة أكثر مما فعلت طيلة عهودها ومنذ أن غرست في المنطقة لهذا الهد الأساسي وهو صد وردع كل تطلع للشعوب العربية الى الحرية والاستقلال والإبقاء على الأنظمة التابعة والخنوعة ، واستنزاف ثروات الوطن العربي من خلال تلك الأنظمة التي تجثم على كراسي الحكم بقوة السلاح وبدعم من الموساد والشاباك، وطبعا كل ذلك بمبادرة وتخطيط البيت الأبيض الذي يعتبر منطقة الشرق الأوسط هي الوقود الذي به تبقى قوته وشعلته متقدة وباستمرار أو على الأقل حتى تتغير المعطيات التي تعتمد على الشعوب العربية الطموحة للتغيير والتحرر ، إذ أنه تلك الشعوب ومنطقة الشرق الأوسط لن تعرف السلام ولا الحرية إلا بعد أن تتخلص من الأنظمة الديكتاتورية التي تتحكم في البشر والحجر وما تحته مكن موارد نفطية والتي لا تستفيد منها الشعوب بل تحول الى أسلحة فتاكة لردع كل انتفاضاتها واحتجاجاتها لتظل تلك الأنظمة مستمرة ومنساقة في سياسة لا تخدمهم على الأمد البعيد ولن تكون إلا عكسية وهذا يؤكده مسار التاريخ ...
وبعد ما اشتعلت المواجهة بين الفلسطينيين والصهاينة ، وهذه المرة انقلبت الصورة على الأقل في بداية المواجهة على الكيان فتبين بالملموس أن هذه الدولة التي امتلكت أكبر قوة وأسلحة متطورة في المنطقة على الإطلاق خسرت معركة وإن لم تخسر الحرب بعد ، وهذا يزيد من إصرار الفلسطينيين على الاستمرار في المقاومة لهذا الاحتلال الذي سيقهر لا محالة ن فتاريخ المقاومة يسجل نتائج متفائلة لكل مقاوم ، فالجزائر احتلت لمدة ١٣٠سنة لدرجة أن الكل كان يعتبر الجزائر فرنسية الى الأبد ، لكن الشعب الجزائري وعزمه على التحرر نهض كالعنقاء من رماده وها هو اليوم ينعم بحريته وإن كانت الأمور لا تسير كما كان مأمولا بالتمام ، فالشعب دوما ما يسير نحو التحرر مهما كانت الظروف والملابسات.
لذا فالتطبيع لن يكتمل فالطوفان الذي أعلنه الفلسطيني على المحتل والعنصري لا هوادة فيه، سيجرف بدون شك كل محاولة الإحاطة أو تكبيل المقاومة بسياسات تريد تحنيط الشعوب ومسخ هويتها العربية الإسلامية ومحو ثقافتها وتقاليدها عبر إبرام اتفاقات تعليمية وتربوية مع الكيان وتبادل برامج ثقافية وفنية لتجعل الأجيال القادمة تجهل كل تاريخ الصهاينة وحاضرهم، المبني على العنصرية والتمييز والكراهية العربي والمسلم.
وهناك بعض من يعتبرون أنفسهم خبراء أمنيين أن الصفقات العسكرية بين المغرب وإسرائيل لن تتأثر. والتطبيع بالتالي سيظل يتعزز لأن المغرب الرسمي يوازن بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من حيث أنه لم يسلم في مبدأ قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ويجند دبلوماسيته بمجملها في طريق التسوية بين الأطراف. إلا أن هذا التحليل لن يصمد أما المساندة الشعبية التي تعرفها دوما العاصمة الرباط والتي تبين لمن أراد أن يعرف أن المغربي فلسطيني وسيظل ذلك مهما تم اختراقه من قبل بعض العناصر التي يمكن التشكيك في مغربيتها لأنها بمواقفها تلك سواء أرادت لم ترد فإنها تساند العدو الصهيوني الذي يعمل بإصرار على إبادة شعب عريق بأكمله الصهيونية أو لربما لأنها تشبعت بثقافة الهيمنة وقناعتها بأن القوة هي الأجدى وبالقوة يمكن بناء الإنسانية وازدهارها وتحويل الحق الى باطل واعتبار محاربة المحتل إرهابا والقتل الهمجي دفاعا عن النفس ضدا لكل المفاهيم والمبادئ التي نشأت عليها الإنسانية وكل الأعراف الدولية والإنسانية. وما يمكن قوله وتأكيده هو أن هذا الكيان الصهيوني الذي حطم كل البنيات والمفاهيم والمبادئ الإنسانية وسجل أحلك الصفحات في سجل التاريخ منذ بداية التأريخ ، من الغدر وسفك الدماء والدمار واعتبار الفلسطيني كائنا مجردا من إنسانيته ، كل ذلك بدعم مباشر وعلني من الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وصمت مرعب للأنظمة العربية و استمرار المطبعين في مواقفهم مما يزيد الكيان العنصري إصرار لإستمراره في غيه ومواصلة سياسته العسكرية والعرقية لمحو الوجود الفلسطيني ومن من راء ذلك محو الهوية العربية لأن وجود الشعب الفلسطيني جز مهم في كينونة هذا الشعب المتحضر والمثقف والشجاع والذي لن يقبل أي بديل لأرض فلسطين. وليعلم الجميع ويكون يقينا على أن هذا الكيان المتعجرف لن يقف على حدود فلسطين بل إن عقلية الصهاينة في بروتوكولاتهم واعتقاداتهم وعقدهم النفسية يسعون بكل الطرق للتوسع والانتشار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واستعباد شعوبها عبر شتى الوسائل ومن خلال استعمال عوامل اقتصادية وإغراءات مالية وادعاء التعاون ولكنهم في الحقيقة يثبتون وجودهم ويستولون على الأراضي بكل الطرق بالشراء بالتزوير وأخيرا بالقوة.
إن ما جرى بغزة ويجري من أعمال البطش والمجازر والدمار دون تمييز ولا وجود لحدود دنيا لحقوق الإنسان الفلسطيني، وما واكب ذلك من صمت مريب لكل المجتمع الدولي عدا الشعوب التي لا حول لها سوى التظاهر في الشوارع لاستنكار ما يقع على يد قوى الشر والدمار بدعم من الديموقراطيات الأوروبية والأمريكية ، دعم مباشر لا غبار عليه ما الجسور الجوية لمساندة إسرائيل إلا أحد عناوين ذلك الدعم ، هذا كله يجعل أن الأمر سيظل على حاله لسنوات عدة ولكن لن تستقر منطقة الشرق الأوسط ولا شمال إفريقيا مادامت القضية الفلسطينية لم تجد لها حلا يقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة .