طوفان الأقصى، والمأزق العربي
قد تأتي المحرقة، محرقة غزَّة التي اجْترحَها الاحتلال الصهيوني على ما بقي من أسباب الحياة فوق أرض فلسطين، وقد يستمر الدمار الشامل، وتتواصل الإبادة الجماعية لشعب غزة الأعزل، وقد تهدأ العملية البطولية، والخارقة التي أطلقت المقاومة الباسلة شرارتها يوم 7 أكتوبر، لكن لا شيء سيجُبُّ الحدث، ولا شيء سيوقف وثْبة التاريخ، والارتقاء بالواقع العربي من حضيض الهزيمة، والإحباط، واليأس نحو الأمل، والنصر. ما أنجزه النبوغ الفلسطيني من أهداف استراتيجية لم يكن يتوقع ذلك ذكاء، ولم يطف بخيال. أول الأهداف، إن نهاية الاحتلال لم تعد سراباً، ولعل الحرية أمست على مرمى حجر. «الانهيار» الشامل للمنظومة الصهيونية لم يعد فرضية، هُمْ يرونه بعيداً، وتراه المقاومة قريباً. ثانيها، إن الدولة الفلسطينية من النهر إلى البحر، سوف تغدو، بقوة الأشياء، الحلَّ الوحيد الذي من شأنه أن يضع حدّاً، تحت الشرط الديموقراطي، لخطة الاستيطان، والإبادة، والتهجير، منذ 1948 إلى اليوم من طرف الدولة الإرهابية، وأن يُوفِّر أسبابَ العيش المشترك، بلا ميز، على أرض فلسطين التاريخية، ويحفظ السلم الدائم على امتداد المنطقة. «حَلُّ الدولتين»، الذي هو، في الجوهر، حَلٌّ لمن لا يريدُ حَلّاً، ذهب مع الطوفان، وتلاشَتْ بُنودُه كما يتلاشى اللون بالغسيل. ثالثُها، إن «السلبية العربية» سوف تنْجرِف، هي الأخرى، في طوفان الأقصى، ومن هَوْل الصدمة لا بُدَّ أن يْنشأَ نظام عربي جديد، من شروطه بناءُ أسباب القدرة الذاتية، والقوة الجماعية، وهي على مسارين متلازمين، ومتكاملين: اقتصادي، وأَمْني. المأزق العربي مأْتاهُ مِن التأخُّر الناتج عن التَّبعية، ومن العجز الناجم من التَّجزئة الكولونيالية، ومن التفكيك الإمبريالي. للخروج منه لا مناص من تفعيل آلية «العمل العربي المشترك »، بعلاَّتها، على قاعدة المصلحة الاستراتيجية، من بابَيْن على الأقل: «التكامل الاقتصادي»، و«الأمن القومي». قد يقول قائل، كل هذه «الأدبيات القومية» استُهْلكت بلا طائل. أقول، طوفان الأقصى الذي طوَّح ب «الإيديولوجيا المهزومة»، و «استولد الحق من أضْلُع المستحيل» (أمل دنقل)، من شأنه أيضاً أن يسْتوْلِد النهوض من «الوعي المأزوم»، ومن «الفوات التاريخي».
