إن قضية دكاترة قطاع التربية الوطنية من القضايا التي تعرضت للتجاهل والتماطل والتسويف لأكثر من عقد ونصف، ولم تنل هذه الفئة من الموظفين الاهتمام الجدير بها، ولاسيما أن الحاجة كانت ماسة إليها وما تزال في استثمار تجاربهم في البحث العلمي والتأطير البيداغوجي. وفي ظل إحداث المراكز الجهوية للتربية والتكوين( 2012) حيث تزايد عدد المستفدين بشكل كبير، أفرز خصاصا مهولا في عدد المؤطرين، لم تسثمر الوزارة الوصية دكاترتها في إدماجهم في هذه المراكز في التأطير والتكوين الأساس والمستمر.

وقد سبق للوزارة أن توصلت إلى صيغة معقولة لتسوية وضعية هذه الفئة بناء على اتفاق (عام2011 ) عبر ثلاث دفعات اكتفت بتسوية دفعتين فقط، ظل الدكاترة ينتظرون، وقل العدد وكانت أعدادهم موزعة بين النقابات التي ينتمون إليها. بعدها سيجد الدكاترة أنفسهم أمام وضع يحتم عليهم النضال في الميدان، توج بالتنسيق النقابي للدكاترة العاملين بوزارة التربية الوطنية الذي يجمع كل تنسيقيات الدكاترة التابعة للنقابات. كان المطلب المركزي هو تغيير الاطار إلى أستاذ التعليم العالي، إلى جانب النضال الميداني، قدم الدكاترة اقترحات وتصورات للإطار المزمع إحداثه آنذاك.

في إطار الحوارات واللقاءات التي كانت تجريها الوزارة مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية لوضح حد لبعض الملفات العالقة، ووضع نظام أساسي جديد خاص بموظفي التربية والتعليم، تم التوصل في ملف الدكاترة تحديدا إلى إحداث إطار ” أستاذ باحث” له نفس مسار أستاذ التعليم العالي( بناء على الاتفاق المرحلي 2022 والاتفاق المؤطر 2023. وصولا إلى 20شتنبر2023) حيث صدر في 9أكتوبر 2023 النظام الاساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بالجريدة الرسمية، الذي أثار استياء كبيرا وتذمرا واسعا، جعل كل الأطر الادارية والتربوية تشكك في الشريك المحاور للوزارة الوصية، وافتقاده القدرة عن التعبير الحقيقي عن مطالب الشغيلة التعليمية.

فيما يتعلق بالنقطة التي نحن بصددها حول مسألة دكاترة القطاع، فقد اتضحت الصورة جيدا، فتبين أن واضع مواد هذا النظام لا يعتبر هذه الشريحة أطرا حقيقية للتغيير، ولا يؤمن بأهميتها في تحسين أداء النظام الربوي وجودته، فإحداث هيئة الأساتذة الباحثين غير كاف بدون محتوى حقيقي ماديا ومعنويا، فلم يتم التنصيص على التسوية الشاملة كما دعا الى ذلك التنسيق النقابي في السابق، وكما تدعو حاليا (العصبة و والتنسيقة) فأعادت الملف الى حدود التوقف عند التسمية، فأرجأت الحسم والتفصيل والتدقيق للقرارات وإلاجراءات المنتظر إصدارها إلى أجل غير مسمى. ومن ثم أصبحت المسؤولية مضاعفة –او لنقل الكرة في مرمى جميع دكاترة القطاع- لتقوية الموقع التفاوضي هو الالتزام الصارم بالبرنامج النضالي الميداني التي ستسطره (التنسيقة والعصبة) إلى جانب نقاش موسع بين الدكاترة لتقوية القوة الاقتراحية التي تخدم التسوية الشاملة للملف.

والمتأمل في المواد المتعلقة بهيئة الأساتذة الباحثين في التربية والتكوين، تلمس أن واضعها يتحدث عن فئة يراد لها أن تبقى في دائرة ضيقة، متناسيا أنهم مثل زملاءهم في التعليم العالي، بمعنى تم التعامل مع الفئة في إطار تدبير الموارد البشرية، وليس من منطلق استراتيجيتها في الاصلاح والاستفادة منها كخبرة وكفاءة لا غنى عنها. وفيما يلي نعرض للمواد بإجمال المادة 29 حول التسمية (إطار أستاذ باحث يشمل استاذ مساعد، ومؤهل، ومؤطر) والمادة 30حول المماثلة ولا يتضح هل تحمل ذات الأرقام الاستدلالية، المادة 31 المهام (سبع مهام) والمادة 32 تشير للاساتذة الباحثين غير المزاولين بمراكز تكوين الأطر، دون تحديد ساعات العمل، في الوقت الذي يجب أن يحدد استعمال الزمن يتناسب و المهام الموجودة بالمادة 31 وينص عليها في مادة مستقلة ضمن الفرع الرابع الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين.

والمادة 33 التي تحدد إجراءات وكيفيات تنظيم مباراة، مما يدل على إصرار واضعي مواد النظام الاساسي على المباراة بناء عليه، نستشف عن غياب إرادة حقيقية للحل النهائي للملف، وتسوية وضعية ظلت عالقة، وليس توظيفا جديدا يقتضي مسلك المباراة، هذه المادة 33 إلى جانب ماورد في المواد الأخرى من إحالة إلى القرارات الوزارية التي ستصدر، مؤشر على الدوران في حلقة مفرغة، وكسب الزمن في انتظار ولاية حكومية أخرى. تنضاف إلى هذه الفراغات إشكالية عدم وضوح العلاقة بين المراكز الجهوية للتربية والتكوين والاكاديميات الجهوية، مما يجعل العلاقة كذلك بين المراكز الجهوية والمديريات الإقليمية (المؤسسات التربوية) مسكوت عنها، وبالتالي يتأثر القطاع بنوع من الارتباك من حيث الالتقائية بين هذه المؤسسات في ظل غياب نصوص قانونية واضحة، أليس من حق هيئة الاساتذة الباحثين المطالبة بإحداث مديرية مركزية خاصة بهم في ظل ضبابية العلاقة بين المؤسسات التي أشرنا إليها آنفا.

إن هذه اللحظة المفصلية من تاريخ المنظومة التربوية لا تحتمل إهدارا للزمن، وخصوصا أن المغرب منخرط في مشروع تنموي، ومقبل على استقبال تظاهرات رياضية دولية، وبصدد مراجعات تشريعية في مجال الأسرة وغيرها، هذه الدينامية تتطلب بيئة حاضنة مستقرة وآمنة، لكن سرعة إصدار صناع القرار التربوي لنظام أساسي جديد لموظفي التربية والتعليم، أجهز عن مكتسبات فئة تساهم في بناء المجتمع، وإعداد الأجيال للمستقبل، سيسهم لا محالة في احتقان اجتماعي، واحتراب داخلي لا أحد يدرك عواقبه ونهايته.

*باحث مغربي، حاصل على الدكتوراه من وحدة دراسات الدين والسياسة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، مهتم بالأديان، له مجموعة من المقالات والأبحاث العلمية المنشورة