
جريمة الاغتصاب بين أحكام الشريعة ونصوص القوانين

أثارت قضية اغتصاب “طفلة تيفلت” نقاشا إعلاميا وحقوقيا وسياسيا عاما حين تفجرها، وزادت حدة النقاش بعد صدور أحكام مخففة على المتهمين رأى فيها البعض إجحافا للضحية، وإذا كانت القضية تعرف تعاطفا من لدن فئات مجتمعية واسعة، لتفاصيلها الإنسانية والاجتماعية القاسية والمؤثرة، فالقراءات بشأنها والمواقف مختلفة ومتعددة، فالبعض يرى فيها فرصة للابتزاز وللمزايدة السياسية على التيارات الإسلامية والقوى المحافظة في المجتمع، في حين يعتبرها آخرون فرصة لربح مساحات حقوقية للمرأة وللتيارات النسائية في المغرب، فيما يعدها البعض مناسبة أخرى لاستغلال الفراغات التي جاء بها الدستور المعدل كمبدأ المناصفة ل”تحديث” المجتمع، في حين يؤكد آخرون أنها محاولة لتمرير مخططات وتصورات الغرب “التدميرية” لقضية المرأة والأسرة في العالمين العربي والإسلامي، ويشككون في نوايا وأهداف هذه الحملة الموازية، فالزوبعة الإعلامية التي قادتها مجموعة من الجمعيات تنبي أن وراء الأجمة ما وراءها، وأن هناك نوعا من الارتزاق والمتاجرة بالملف.
آراء أخرى
وقبل مناقشة جريمة الاغتصاب -وهي جريمة تثار مرارا- نقاشا قانونيا صرفا، لابد من التأكيد على مدخلين، نراهما تأسيسين لأي نقاش في هذا الموضوع خاصة، أو في القضايا المرتبطة بالمرأة والأسرة عموما، ومن ضمنها مقترح تعديل مدونة الأسرة الذي دعا له الملك في خطاب العرش في غشت 2022، والذي ينبئ بتفجر مواجهة بين تياري الحداثة والمحافظة مشابهة لما وقع قبل تعديلات 2004.
المدخل الأول تحديد قواعد للنقاش:
وأيا كانت القراءات، فالقضية مهمة وملحة ولابد من وضع قواعد تشكل بداية لنقاش حقيقي:
1- الإقرار بوضعية المرأة الصعبة جدا في العالم الإسلامي عموما ومنها المغرب على كافة المستويات اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا وسياسيا. من قبيل التهميش والإقصاء والاغتصاب والتحرش والعبودية والاستغلال والعنف.
2- ضرورة الاعتراف بأن قضية المرأة تتطلب حوار اجتماعيا وثقافيا واسعا بعيدا عن المزايدات السياسية وتصفية الحسابات الحزبية الضيقة.
3- الإقرار بأن هناك مشاريع هيمنة محلية وعالمية تتخفى وراء مطالب حقوقية وقانونية تريد تنميط العالم وفق رؤيا ثقافية رأسمالية ليبرالية وتستهدف تخريب بنية المجتمعات المختلفة عن طريق تسويق النموذج الغربي. رغم التحفظات التي سجلتها مجموعة من الدول على بعض الاتفاقيات. فمثلا صادق المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بمقتضى ظهير رقم 2.93.4 وقام بإيداع أدوات التصديق يوم: 21/06/1993م مع إبداء تحفظاته حول المادة الثانية والفقرة الثانية من المادة التاسعة والفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة والمادة السادسة عشرة والمادة التاسعة والعشرون، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 18/01/2001م.
4- الاعتراف بأن القوانين والتشريعات هي ثمرة لتطور المجتمعات ثقافيا ونفسيا، وأنها تتوافق مع هوية المجتمعات ومنظوماتها القيمية والأخلاقية، ولا يمكن أن تفرض حتى ولو كانت إيجابية، فمثلا نرى أن التشريع الإسلامي – رغم كونه تشريعا ربانيا منزها عن الخطأ- تعامل مع مجموعة من القضايا بتدرج في التنزيل، وفق تطور المجتمع ولم يحرق المراحل، لأنه قبل استصدار القوانين لابد من البيئة الاجتماعية والثقافية “الحاضنة”، وهذا ما يتطلب مجهودا تربويا مضنيا من كل مؤسسات المجتمع التعليمية والإعلامية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى لتغيير بعض المعتقدات الخاطئة والعادات السائدة.
المدخل الثاني تحديد مستويات النقاش:
من دون شك أن هناك زوايا متعددة لمقاربة ظاهرة “العنف الجنسي” وأن هناك مستويات متعددة للنقاش:
1- مستوى النقاش الإعلامي وغالبا ما تطغى عليه الإثارة والشعبوية والتهييج والتجييش العاطفي والنفسي.
2- مستوى النقاش الحقوقي وفي الأعم تتحكم فيه وتغلب عليه عقلية المطالبة واقتناص الفرص لتحقيق مكاسب للمرأة، وهو أمر مشروع إذا كانت المطالب معقولة وأصيلة.
3- مستوى النقاش السياسي وهو غالبا ما لا يخرج عن دائر المزايدة واستقطاب الأصوات النسائية، التي باتت تشكل النسبة الأكبر من الكتلة الناخبة في المغرب.
4- مستوى النقاش القانوني التشريعي وينبغي أن يحال على أهل الاختصاص من الفقهاء القانونيين والخبراء لأن صياغة النص القانوني من أصعب المهام ومن أدق مراحل التشريع التي تتطلب حرفية وعلمية كبيرة.
5- مستوى النقاش المجتمعي الشامل وينبغي أن يكون تشاركيا هادئا ورزينا متواصلا ومستمرا في الزمن، يساهم فيه أصحاب مختلف التخصصات والخلفيات، و لا ينبغي أن يكون مناسباتيا وإقصائيا ومحكوما بالفضائح أو “هول الصدمة”.
جريمة الاغتصاب بين الشريعة والقوانين.
الملاحظة الأوضح في هذا النقاش المحتدم، أن بعض الجهات تجعل من إسقاط مواد الفصل 475 معركتها الكبرى، بعد أن نجحت قضية الفتاة المغتصبة أمينة الفيلالي في إسقاط المادة الثانية منه سنة 2014، وهو مطلب غير بريء وغير دقيق، فهناك خلط متعمد ومقصود بينه وبين الفصل 486 من جهة، ومن جهة أخرى لوجود نية غير معلنة لإسقاط أو تعديل المواد 20 و21 من مدونة الأسرة، وذلك من خلال التركيز على معطى الاغتصاب وكون الفتاة قاصر وقضية تزويجها من “مغتصبها”. لهذا فليس مصادفة أن تطالب بعض الأطراف مباشرة بعد هذه الضجة الإعلامية الكبرى:” بمنع تزويج القاصرات، على اعتبار أنها تتعارض مع حقوق الإنسان، ومع الحريات الفردية للشخص، واعتبرت السماح بتزويج القاصرات أحد الاختلالات الأساسية التي تعانيها مدونة الأسرة، والتي ينبغي التصدي لها. وتعتبر أن المادة 20 من مدونة الأسرة تفتح المجال واسعا أمام تزويج القاصرات، لأنها لا تحدد السن الأدنى لتزويج الفتيات، مما يفتح المجال أمام تزويج فتيات، حتى قبل أن يبلغن سن16.”. ونحن هنا لا ندافع عن الفصل 475 فليس هذا من شأننا، وقد يكون نصا قاصرا ويحتاج إلى التعديل وإعادة النظر، ولكننا ضد الخلط والتغليط، فاستغلال حادث مأساوي بهذا الشكل لتمرير وفرض تعديلات كانت مثار نقاش مجتمعي منذ مدة -مختلف حول بعضها-، وتشكل في حقيقتها الأرضية الصلبة لمطالب الحركة النسائية في المغرب وعلى رأسها رفع تحفظات المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وملاءمة كافة التشريعات المحلية مع مقتضياتها، ونزع طابع القدسية عن مدونة الأسرة واعتبارها شأنًا عامًا كباقي القوانين المعمول بها، سواء في مضمونها أو في آليات تنفيذها، وتغييرها على قاعدة المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والمسؤوليات1 وهذا هو الجزء الخفي من جبل الجليد بين مرجعيتين، مرجعية ترى أن الدين الإسلامي جاء لإنصاف المرأة، ومرجعية مناقضة تماما ترى أن الدين الإسلامي هو سبب وضعية المرأة المأساوية، لذلك فمن أراد التمرد على دين الله وعلى حكمه القطعي المجمع على حجيته –لا أعتبر المدونة نصا مقدسا-، فعليه أن يمتلك الشجاعة والجرأة للمطالبة بذلك صراحة دون تخف أو اختباء وراء مطالبات ظاهرها حقوقي قانوني، وباطنها إيديولوجي فلسفي لائيكي، فالقضية في جزء كبير منها حق أريد به باطل.
وبما أن النقاش انصب في جزء كبير منه على الجانب القانوني/التشريعي، فلابد من وقفة ولو سريعة عند بعض أحكام الشريعة المتعلقة بالقضية وبعض بنود القانون الدولي وكذا الفصول التي تناول فيها المشرع الجنائي المغربي هذه الجرائم، لنعرف كيف تعامل المشرع عموما مع جريمة الاغتصاب وهتك العرض أو ما يطلق عليه جريمة العنف الجنسي؟
لكن بداية ينبغي الاعتراف أن جرائم الاغتصاب أو الجرائم المتعلقة بالزنى أو هتك العرض من أعقد الجرائم لسببين: أولا لصعوبة وسائل الإثبات فيها حتى بالوسائل العلمية المتقدمة، وثانيا لتداعياتها الاجتماعية والنفسية، لهذا نجد رجلا قانونيا مثل قاضي القضاة البريطاني السير ماثيو هيل يقول أن: “الاغتصاب اتهام من السهل توجيهه ومن الصعب إثباته، ومن الأصعب الدفاع عن المتهم فيه، وفي حالة الاغتصاب، فإن الضحية هو الذي يحاكم وليس المدّعي عليه”.
1-جريمة الاغتصاب في الشريعة الإسلامية :
من المعلوم أن من مقاصد الإسلام الكبرى التي جاء لحفظها الكليات الخمس، ومنها حفظ النسل، قال الإمام أبو حامد الغزالي: “إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل من يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة، وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل ألا تشتمل عليها ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق.”
لذلك فقد كان الإسلام صارما ومتشددا في إيقاع عقوبة جريمة الزنا ففي أوائل سورة النور يقول الله تعالى: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ “، فالحدود في الإسلام إنما جاءت للمعاقبة على أي مس بالكليات الخمس، فجعل الجلد والرجم حدا للزنا حفاظا على النسل والعرض والنسب، والجلد حدا للخمر حفظا للعقل، والقتل لقتل النفس بدون حق وهكذا. كما أن الحقوق في الإسلام متعددة، حق الله، وحق المجتمع، وحق المتضرر أو من يمثله من وصي في حال كونه قاصرا أو فاقدا للأهلية أو وارثا أو عصبة من ذوي الحقوق في حال الوفاة، والتشريع الإسلامي راعى كل هذه المصالح والحقوق.
التعريف:
لا يختلف تعريف الإسلام لجريمة الاغتصاب عن التعريفات المتداولة والمعروفة، فهو لغة من الغصب وهو أخذ الشيء ظلماً وقهرا، وغصب المرأة اصطلاحا مواقعتها كرهاً.
العقوبة:
وقد اتفقت المذاهب الفقهية بإجماع أن مغتصب المرأة يـُعاقب بتطبيق الحد عليه، ولا عقاب على المرأة المستكرَهة، ويدفع المغتصب صداقاً لها، وعلى المرأة العدّة بغرض معرفة براءة الرحم، وهذه الأحكام تشمل المجنونة والصغيرة. وعقاب المغتصب هو حد الزنى في أدنى الأحوال إن تبث بوسائل الإثبات -كالاعتراف، الحمل، الخبرة الطبية، أو الشهود- هو الجلد والنفي إن كان غير متزوج، أو الرجم إن كان محصنا، وهناك عقوبات أخرى إضافة إلى العقوبة الجنائية كالتعويض المالي لجبر الضرر، وليس على المغتصبة المغرر بها أو المستكرهة شيء، بل يتم دعم واحتضان المغتصبة وولدها من طرف المجتمع، في حال وقوع الحمل نتيجة للاغتصاب حيث يلحق ولدها بالمغتصب ويثبت النسب منه “ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما” 5 سورة الأحزاب. وقد نص الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ج 2/734: “الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا أنها إن كانت حرة فعليه صداق مثلها، وإن كانت أمَة فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله”، وقال ابن عبد البر من فقهاء المالكية رحمه الله في الاستذكار 7/146: “وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك، فإن لم يكن: فعليه العقوبة -يعني : إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه، وعدم وجود أربعة شهود، فإن القاضي يعاقبه ويعزره بالعقوبة التي تردعه وأمثاله- ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها”. ولم يقتصر المشرع على إيقاع حد الزنا على المغتصب، بل إنه إذا كان الاغتصاب بتهديد السلاح أو اقترن بفعل شنيع أو كان اغتصابا جماعيا، فإن المغتصب يصير محارباً، وينطبق عليه الحد المذكور في قوله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” المائدة/33 . ويختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة المذكورة في الآية الكريمة ما يراه مناسباً ومحققاً للأمن في المجتمع.
2-جريمة الاغتصاب في القانون الدولي:
كما اعتبر القانون الدولي أيضا الاغتصاب جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية، وعدها اعتداء جسيما على مبدأ الحماية الذي قررته اتفاقيات جنيف سنة 1949 وخصوصاً الاتفاقية الرابعة للمدنيين. كما أن الاغتصاب وجرائم العنف الجنسي الأخرى وردت ضمناً وحرّمت في العديد من الاتفاقيات الدولية بعد اتفاقيتي لاهاي، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية الخاصة بالرق والممارسات الشبيهة بالرق، واتفاقية استئصال كافة أشكال التمييز العنصري، واتفاقية استئصال التمييز ضد المرأة، واتفاقية منع التعذيب. واعتبر الاغتصاب على أنه نوع من أنواع التعذيب الجسدي أساساً، وأنه من أنواع المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، مما يسبب معاناة كبيرة وألماً وأضراراً جسدية وصحية ونفسية.
3-جريمة الاغتصاب في القانون المغربي:
التعريف:
عرّف فقهاء القانون الاغتصاب بأنه اتصال رجل بامرأة اتصالاً جنسياً كاملا، من دون رضاء صحيح منها. واعتبرت المادة 503 من قانون العقوبات اللبناني أن الاغتصاب هو إكراه غير الزوج بالعنف والتهديد على الجماع، وعرّفت المادة 267 من قانون العقوبات المصري جريمة الاغتصاب بأنها مواقعة أنثى بغير رضاها، أما القانون الفرنسي فقد عرّف الاغتصاب بأنه كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته يرتكب بحق شخص الغير عن طريق العنف أو الإكراه أو المفاجأة، ويعرف القانون الجنائي المغربي الاغتصاب حسب الفصل 486 بأنه “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”، فحسب هذه التعاريف تتأسس جريمة الاغتصاب قانونا على ثلاثة عناصر توجب العقوبة، وانتفاء أحدها يؤدي الى عدم قيام الجريمة وهي:
1-الاتصال الجنسى الكامل بين المرأة وبين الرجل.
2-عدم الرضا أو الغصب والإكراه.
3-النية الاجرامية أو القصد الاجرامي وهو وجود أو انعدام النية عند المتهم بإحداث اتصال جنسي تام مع المرأة تحت الإكراه، بمعنى أنها كانت ستمتنع يقينا عن هذا الاتصال لو وجدت فى حالة طبيعية غير مسلوبة الإرادة أو مكرهة.
العقوبة:
وقد نص المشرع في حال توفر هذه العناصر على عقوبة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، غير أنه إذا كانت سن المجني عليها تقل عن ثمان عشرة سنة -قاصر- أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، كما نص الفصل 487 على أنه :إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها أو عند أحد من الأشخاص السالف ذكرهم، أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو بعدة أشخاص فإن العقوبة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات، كما نص هذا الفصل على عنصر آخر من عناصر التشديد وهو الافتضاض، بحيث إذا تعرضت المجني عليها للافتضاض يتعين تشديد العقوبة. والمسجل من خلال هذا الفصول التي تناولتها باختصار شديد، أن القانون المغربي غطى جريمة الاغتصاب من جوانبها القانونية وحدد لها عقوبة قاسية مع ظروف مشددة، ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد، لمسألة تزويج القاصر من مغتصبها أو تمتيعه بظروف التخفيف. بخلاف الفصل 475 الذي يتحدث عن الاختطاف والتغرير بقاصر: ”أن من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة، بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم. ومع ذلك فإن القاصرة التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطف بها أو غرر بها، فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا”3، فهذا الفصل يطرح إمكانية عدم متابعة من غرر أو احتال واختطف القاصر في حال الزواج بها إذا قبلت هي أو وصيها أو نائبها الشرعي بتعبير المادة 21 من مدونة الأسرة “زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي. تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد. إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع”. كما تنص المادة 20 على أن “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”.
وختاما لابد من تسجيل ملاحظتين هامتين:
1-من المؤكد أن إعادة النظر في مجموعة من النصوص القانونية، هو أحد المداخل الضرورية والمهمة لمكافحة جرائم الاعتداء الجنسي والعنف ضد النساء، غير أنها غير كافية لوحدها فاستصدار مدونة الأسرة منذ عقد من الزمان لم ينجح في حل كل مشاكل المرأة أو الأسرة بعد سنوات من التطبيق.
2- رغم أن القانون الدولي ترك للتشريعات والقوانين المحلية تحديد عقوبة جرائم الاعتداء الجنسي، غير أن هناك مجموعة من الإشكالات التي تطرحها قضية سمو القانون الدولي على التشريعات المحلية -التي تطالب بها منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي-، حيث يعتبرها كثير من الفقهاء الدستوريين والقانونيين مسا بمبدأ سيادة الدول المنصوص عليه في القانون الدولي، وانتهاكا لهوية المجتمعات والخصوصيات الاجتماعية والثقافية والدينية، فكيف ستتعامل مثلا المجتمعات العربية والإسلامية مع قضية كزواج المثليين، في ضوء القوانين المحلية التي ترى فيه فعلا محرما دينيا وأخلاقيا والقوانين الدولية التي تبيحه او تسكت عنه باعتباره حرية شخصية وحقا من حقوق الإنسان.
————————————————————————————————-
- المطالب الأساسية للجمعية المغربية لحقوق الإنسـان في مجال الدفاع عن حقوق المرأة.
- أستعمل مصطلح “جريمة العنف الجنسي” لكونه مصطلح أعم وأشمل من الاغتصاب وهتك العرض.
- لابد من الإشارة أن الفصل 475 المنشور في مجموعة من المنابر الإعلامية وفي وثائق بعض المنظمات الحقوقية مليء بالأخطاء وليس هو الترجمة العربية الرسمية المعتمدة.
- كشف مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني مثلا أن ” معدل عدد الحوامل من المراهقات ما دون سن 18 21 هو 2.1 بالمئة عام 2015″ دون زواج ودون تفاصيل حول مصيرهن ومصير أطفالهن، ومسؤولية شركائهن الذين هم في الغالب أيضا مراهقين.