لازالت تداعيات قرار عدم استجابة المغرب لنداء الاستغاثة الذي وجهته الحكومة السورية عقب الزلزال المدمر الذي تعرضت له  تجد صداها في وسائل الإعلام  الدولية  وبالاخص في محيطنا الإقليمي.

إن القرار النشاز للحكومة المغربية في تعاطيها مع هذه الكارثة الإنسانية، في مقابل الاستجابة الواسعة لنفس النداء من طرف جل الدول العضو في جامعة الدول العربية، وضع المغرب في حالة شرود وفي موقف التماهي مع  قطر، خاصة بعد أن أقدمت هذه الدول  على ربط   اتصالات مباشرة مع القيادة السورية، بما فيها زيارة بعض  وزراء خارجيتاها إلى دمشق لتقديم التعازي والتعبير عن تضامنهم مع الشعب السوري، متجاوزة بذلك مواقفها السابقة المقاطعة والمعارضة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

 يبدو إذن أن هذه الدول وخاصة الخليجية  قد استشعرت التحولات الدولية وقامت بمراجعة خياراتها ومواقفها، ليس بالعلاقة مع سوريا فقط، بل بالكثير من القضايا ذات الصلة بمصالحها الاستراتيجية، حتى وإن كانت هذه المراجعات غير متوافقة مع مصالح الغرب وأمريكا التي كانت متحكمة إلى عهد قريب في قراراتها السيادية.

 لذلك لم تفوت  الفرصة لاستغلال ما يمكن تسميته  بدبلوماسية الكوارث من أجل فتح قنوات التواصل من جديد مع النظام السوري لأسباب جيواستراتيجية مرتبطة بالتحولات المستقبلية لموازين القوى الدولية، والتي تستدعي إعادة بناء علاقاتها بشكل متوازن مع القوى الفاعلة دوليا بما فيها روسيا والصين، وبمحيطها الإقليمي  من أجل تقوية موقعها في المنطقة، وذلك بالحد من النفوذ  التركي من جهة، وتقليص التأثير الإيراني من جهة أخرى، من خلال  تصحيح علاقاتها بالدولة السورية  كمقدمة لإصلاح علاقاتها بالدولة الإيرانية.

إن هذه التحولات التي طرأت في مواقف هذه الدول  تحتمل قراءة استشرافية للمستقبل يتوخى  التموقع بشكل مؤثر في النظام العالمي الجديد الٱخذ في التبلور علاقة  بما يجري من صراعات استراتيجية بين القوى الدولية المتصارعة. 

 في هذا السياق أستحضر الموقف الغير المفهوم للخارجية المغربية، والذي سبق أن تطرقت له في تدوينة صغيرة على صفحتي الخاصة،  بعد أن لمست نوعا من التمادي في إعادة إنتاج نفس الخطأ حين غاب الوفد البرلماني المغربي عن الزيارة التي قامت بها الوفود البرلمانية العربية لدمشق، وذلك في تساوق  مع الموقف القطري المعادي علانية لسوريا والخاضع لأمريكا والغرب الاطلسي. 

إذا كان الموقف القطري من سوريا يجد مبرراته في الدور الريادي الذي لعبته قطر في تدمير الدولة السورية وذلك تنفيذا لإملاءات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، فما هي مسوغات الموقف المغربي الذي أسقط من حساباته كل القيم الانسانية المطلوبة كونيا، كما عودنا على ذلك وتضامنه التلقائي مع الشعوب والدول كلما تعرضت لكوارث طبيعية، فما بالك بشعب تربطه به علاقات تاريخية وروحية عريقة.

أطرح هذه التساؤلات ليس من باب العتاب تجاه الخارجية المغربية، إنما فقط لتدارك الموقف حتى لا يجد المغرب  نفسه معزولا عن محيطه الإقليمي، خاصة مع التوجه السائد حاليا الداعي إلى ضرورة عودة  سوريا للجامعة العربية، وزيارة وزير الخارجية المصري لدمشق ورسائل العاهل السعودي في هذا الاتجاه، وهي كلها مؤشرات دالة على قرب نهاية القطيعة مع سوريا. 

أستحضر هذه المعطيات والتحولات كذلك حتى لا  يجد المغرب نفسه في موقف الدولة التي يملى عليها من طرف قوى إقليمية، ولن اقول  دولية، ما يجب اتخاذه من قرارات في علاقاته الخارجية، خاصة بعد  دخول كل من السعودية والإمارات ومصر على خط المصالحة، وهي في نفس الان دول داعمة لسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية كما تجلى ذلك بشكل واضح في القمة العربية الأخيرة المنعقدة بالجزائر.

بل إن علاقات المغرب الجيدة بهذه الدول لن تحتمل اصطفافه بوعي أو بدونه إلى جانب موقف قطر المعزولة خليجيا، كما لا تحتمل هذه الدول أن يكون المغرب في موقع المعارض لتوجهاتها الإقليمية الجديدة، بالتالي  وانطلافا من المصلحة السياسية والاقتصادية التي تجمع المغرب بهذه الدول، سيجد نفسه مجبرا على الانضمام إلى  التوجه العام السائد إقليميا في الوقت الحالي، ومن جهة أخرى سيجد أنه قد فوت على نفسه فرصة للتعبير بشكل إرادي عن موقف إنساني وسياسي داعم مبني على  رؤية استراتيجية مستقلة، وعينه تتطلع إلى إمكانية التفاوض على قضايا يعتبرها خلافية مع الدولة السورية التي كانت ستجد نفسها في موقع المتفهم للموقف المغربي، خاصة مع ما تعانيه من مشاكل انفصالية تهدد وحدة أراضيها.

كما أن ما ينطبق على علاقات المغرب الدبلوماسية بسوريا ينطبق كذلك على علاقاته بإيران المحاصرة من طرف أمريكا والغرب الاطلسي، بالإضافة إلى معاناتها من الحركات الانفصالية المدعومة غربيا.

 إن ما نشهده من مفاوضات إيرانية سعودية بوساطة عراقية وعمانية، والانفتاح الخليجي على سوريا يندرج ضمن هذا التصور الشامل لاعادة ترتيب الأوراق بمنطقة الشرق الأوسط التي تقع في صلب الصراعات الدولية، وذلك بعد أن أدركت هذه الدول أن حالة الانقسام والتجزئة التي عملت أمريكا على تكريسها بالمنطقة ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد، الغاية منها  تسييد دور الكيان الاسرائيلي في المنطقة على حساب إضعاف موقع الآخرين، مع العمل على شيطنة إيران واظهارها   بمظهر الدولة المهددة للأمن والسلام بدول الشرق الاوسط، وهو ما انتبهت إليه كل من المملكة العربية السعودية ومصر المتزعمين للعالم العربي والإسلامي، ولن ترضياه   رغم علاقاتهما المعلنة وغير المعلنة بالكيان الصهيوني، وعلى الرغم مما تشهده علاقاتهما من توترات مع إيران التي تبقى شريكا أساسيا في المنطقة وتجمعها بها علاقات تاريخية وروحية رغم الاختلافات المذهبية.

خلاصة

إن الهدف من نقدنا للمنهجية المتبعة من طرف الخارجية المغربية في تعاطيها مع القضايا الدولية بعدما حشرت نفسها في زاوية النظر الأمريكية الإسرائيلية، هو دفع المغرب إلى تبني سياسة خارجية مستقلة ومتوازنة مع الجميع تستقي مرجعيتها من المصالح العليا للوطن، خاصة مع ما يشهده العالم بصفة عامة وقارتنا الأفريقية بصفة  خاصة من تغيرات عميقة في بنية التفكير لدى نخبها السياسية الجديدة التي تعبر صراحة على رفضها لكل أشكال الهيمنة والاستعمار الذي مثله  ولا يزال الغرب الاستعماري.

كما أن هذه التحولات التي تشهدها العلاقات الدولية على المستوى الإقليمي والعربي والإفريقي ونزوع أغلب هذه الدول إلى تبني اختيارات سيادية مستقلة حتى وإن كانت على حساب علاقاتها التقليدية، في مقابل ارتهان المغرب في قراراته الخارجية للعقلية النمطية التي لا تستحضر في حساباتها التغيير الحاصل في موازين القوى العالمية. 

كما أن هذه العقلية التقليدية ستؤدي دون أدنى شك إلى عزل المغرب عن محيطه الإقليمي والعربي والإفريقي، خاصة مع ما نشهده من تغيرات عميقة سواء في السياسات الخارجية لدول الشرق الأوسط أو  للدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، بل حتى تلك المتواجدة في شرق وغرب إفريقيا وآخرها دولة الكونغو الديموقراطية التي كانت إحدى محطات جولة الرئيس الفرنسي لأفريقيا، والتي عاد منها منكسرا، كما هو نفس الشأن بالنسبة للرئيس الأمريكي السابق عندما زار الشرق الأوسط أو عندما استضاف المؤتمر الأفريقي الأمريكي. وهي كلها تغيرات تروم القطيعة مع العقلية النمطية التي سيدها الغرب زمن الأحادية القطبية، وتسعى في المقابل إلى بتاء موقعها بشكل مستقل ومتميز في بنية النظام العالمي المنشود.

إن هذه الرؤية الاستشرافية لمستقبل العلافات الدولبة  هي ما يغيب عند الانتليجنسيا المتحكمة في بناء علاقات المغرب الخارجية.