ردود فعل قوية، وغير مسبوقة، تلك الصادرة عن بعض وسائل الإعلام المغربية، وجزء من جمعيات المجتمع المدني، بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات، كالمجلس الوطني للصحافة، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، على خلفية تصويت البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي 19 يناير 2023، بالأغلبية على قرار يدين استخدام السلطات المغربية لمزاعم الاعتداء الجنسي كطريقة لردع الصحافيين عن أداء عملهم، مع حثها على احترام حرية التعبير والإعلام.

وفي الوقت الذي التزمت فيه السلطات المغربية الصمت رغم مرور حوالي 6 أيام على صدور القرار الأوروبي، إلا أن ما يصدر وتنشره مختلف الوسائط الإعلامية القريبة أو المحسوبة على السلطة، ينم عن غضب كبير داخل مربع الحكم، حيث يورد أشياء في غاية الغرابة، من قبيل أننا نرفض الابتزاز والتدخل في الشؤون الداخلية لبلدنا.

والواقع، فإن السلطات المغربية هي من يجب أن يوجه إليها سهام النقد والملاحظة، لأنها هي من فتحت باب التدخل الخارجي، وذلك من زاويتين، الأولى، الوضع المتقدم الذي سعت إليه سعيا في شراكتها مع الاتحاد الأوربي، والذي ما فتئت تهلل له بمناسبة وبدونها، وتتفاخر به إقليميا، ومن مقتضياته تقييم وضع حقوق الإنسان بالمغرب والديمقراطية وسيادة القانون، كما أنها وقعت أيضا “حساب تحدي الألفية” والذي يعطي صلاحيات للولايات المتحدة الأمريكية تقديم ملاحظات حول الأوضاع الحقوقية بالمغرب، وبالتالي فإن الذي يجب أن يساءل اليوم هي الدولة المغربية.

الزاوية الثانية، هي ادخال البلاد في سلسلة من الاعتقالات والمحاكمات (توفيق بوعشرين، سليمان الريسوني، عمر الراضي، رضا بن عثمان، سعيدة العلمي، وقبلهم قادة ورموز حراك الريف ..)  لم يكن داع إليها في حق إعلاميين وسياسيين وحقوقيين، دون إقناع حقيقي حتى الآن في تبرير أسبابها، وبشهادات منظمات حقوقية وطنية مغربية ودولية، التي ترى أن الاعتقالات والمحاكمات شابتها تجاوزات وخروقات خطيرة، ويمكن أن نقدم قضية الصحفي توفيق بوعشرين مؤسس يومية “أخبار اليوم“، التي تعتبر من أبرز الصحف والمواقع الإلكترونية المغربية حرفية ومهنية، كنمودج من الخروقات المسجلة، بدءا من الاعتقال الذي وصفته مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي المنتمية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالتعسفي، مرورا بالاعتراض القوي الذي أظهرته النيابة العامة ضد استدعاء الشهود، ومنهم حسن طارق قبل تعيينه سفيرا، ومتابعة زوجة بوعشرين في سابقة جديدة، وانتهاء بترهيب المحامين بتسجيل شكايات ضدهم (عبد المولى المروري وعبد الصمد الإدريسي ومحمد زيان)، فقط لأنهم حسب حقوقيين أبلوا البلاء الحسن في تعاملهم ودفاعهم عن توفيق بوعشرين، فضلا عن الامتناع عن اجراء مواجهة أثناء التحقيق بين المتهم والمشتكيات، وغيرها كثير.

عندما كان عقلاء المغرب، ينادون ويصرخون في الندوات ووسائل الإعلام وفي الوقفات الاحتجاجية، أن المغرب دخل مرحلة جديدة من سياسة تكميم الأفواه، وأنها قد تكون لها عواقب داخلية وخارجية، كانت وسائط الإعلام المحسوبة تعسفيا على الإعلام المغربي تشهر بالمعتقلين في ضرب للمهنية والحرفية وما هو متعارف عليه، بشكل سافر وغير مقبول، وضرب واضح لأخلاق الصحافة، أمام صمت منتظر وغريب في نفس الوقت، للمجلس الوطني للصحافة الخارج عن السياق، والذي على ما يبدو وجد نفسه عاجزا أمام ملفات بدت أكبر منه ولم يستطع حتى أن يقول “باركا“، وهي أضعف خطوة أو مبادرة يمكن أن يقوم بها، في ساحة إعلامية أصبحت فيها “صحافة التشهير” لها القول والكلمة دون حسيب، ولا رقيب.

كنا نود، أن يعرف بلدنا انفراجا حقيقيا داخليا، يغنينا عن التعرض لضغوطات خارجية، ويضعنا على السكة الصحيحة حقوقيا وسياسيا وإعلاميا لكن بأدوات ونقاشات وحوارات داخلية، لكن وللأسف تأبى السلطات إلا أن تستمر في سلوكها مع المنتقدين الذي يعتمد على سياسة تكميم الأفواه، وهو غير مقبول ويحتاج إلى مراجعة شاملة وعاجلة.

ومع ذلك، فإن الحاجة إلى انفراج سياسي وحقوقي، أصبح أمرا ملحا وضروريا، عوض التهييج الحاصل اليوم والذي في تقديري لن تكون له أي إفادة واقعية، خاصة وأن المغرب الرسمي أصبح يتصدر العناوين الدولية كدولة تعتقل وتحاكم الإعلاميين والحقوقيين والمعارضين، ولم لا عفو شامل يصدر عن البرلمان رغم الملاحظات المسجلة حوله، وخلق انفراج ملموس يدخل البلاد لمرحلة جديدة أساسها الحوار بين كل المكونات، عوض عقد جلسة برلمانية، تكون فرصة للبعض لإبراز قدراته الإنشائية، والخطابية، والتواصلية، والصوتية، ليس إلا، وتكرار المكرر، من قبيل “نسجل باستغراب، نشجب ونستنكر التدخل في شؤوننا الداخلية، والسلطة القضائية مستقلة، ونرفض الأستاذية التي تمارسونها“، وغيرها من التصريحات التي تصطدم بواقع آخر.