المفارقات تعني كل ما يستعصي على العقل الإنساني القبول به، إما لأنه لا يخضع لقواعد المنطق في حدودها الدنيا المتعارف عليها منذ القدم، أو لأنه يستخف بالعقل البشري ويتلاعب به عبر مجموعة من التقنيات كقلب الحقائق العلمية وقرصنة المفاهيم الأكاديمية وانتحال المنهج العلمي للظهور بمظهر الباحث الموضوعي…إلى ما هنالك من الآليات التي تلتقي كلها في نقطة واحدة :

– التسويق للتفاهة وللتفكير السطحي!

بعيدا عن المعاناة مع بطون المعرفة الإنسانية وأمهات الكتب في التخصصات العلمية المختلفة.

وما أكثر هذه المفارقات في مجال التوجيه التربوي بالذات لدرجة يصعب تصديقها وتصديق كيف جرت عملية التطبيع معها لعقود.

1 – المفارقة الأولى :

من الفوضى القانونية الصارخة التي تؤطر الاستشارة والتوجيه التربوي.

(راجع بهذا الخصوص مقالنا بالموقع ″من أين سقطت المذكرة 22.17 ؟ بتاريخ 4 ابريل 2021 )

كيف ذلك؟

ببساطة، وبعيدا عن الأعين الفضولية، تجتمع نخبة من أطر التوجيه المحترفين جدا..المزودين بما لذ وطاب من المفردات الجميلة جدا..على شكل ورشات دائرية أنيقة جدا..يتقاسمون فيما بينهم أطايب الكلام بأسلوب مهذب جدا..لينسجوا في نهاية المطاف وبعد عمل مضني جدا مذكرات دقيقة جدا وغنية جدا بالمواد والفصول والقرارات والمقررات…لحركات وسكنات المستشارين..″الأغبياء″ جدا!

وهكذا تولد القوانين التنظيمية وتتناسل إلى ما لا نهاية ينسخ بعضها بعضا بلا ضوابط أو مقدمات تشريعية.

هل يوجد عبث أكثر من هذا؟

أن تلوك القانون كعلكة شوين كوم؟

2 – المفارقة الثانية :

رغم أن مجال الاستشارة والتوجيه غني بالأبحاث والدراسات العلمية النظرية والعملية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية لما يقرب من قرن من الزمان..رغم كل هذه المعطيات فالممارسة الميدانية لأطر التوجيه التربوي بالمغرب تنطلق من الفراغ..وممن يملؤون هذا الفراغ بالثرثرة في الورشات والاجتماعات واللقاءات…

لا يوجد جهاز مفاهيمي محكم مبني على خلفية نظرية أكاديمية..هكذا!

بالمقابل، وكأننا في درس الإنشاء للصف الخامس من التعليم الابتدائي، يتم استخلاص الأفكار الأساسية للاستشارة والتوجيه في عملية نحث لا تتوقف كما في الفنون التشكيلية للمفردات والمصطلحات وتقعيدها بجرأة قل نظيرها.

من أين جاءت مثلا هذه الكلمات؟

المواكبة التربوية..المواكبة التخصصية..المواكبة التخصصية النسقية والشمولية..التفريد..حالات التوجيه..المقابلة الفردية والجماعية (وكأننا في مقهى!)…

تهريب ما بعده تهريب وقرصنة ما بعدها قرصنة للمفاهيم من هنا وهناك وكأن الأمر لعب أطفال!

3 – المفارقة الثالثة :

مرض القياس!

أهداف خاصة وأهداف عامة..مؤشرات كمية وأخرى نوعية..المردودية والفاعلية..نسب الانجاز وجداول المعطيات..التقارير العادية والتقارير التركيبية..الصاعدة منها والهابطة..الأفقية منها والعمودية..الشهرية منها والدورية والسنوية..بالمصالح الإقليمية والجهوية والمركزية..إلى فلان أو علان..في كل زمان ومكان…

قياس العمل عوضا عن العمل!

هل وجد استغباء كهذا الاستغباء؟

4 – المفارقة الرابعة :

260.00 درهما!!

إنها التعويض الذي ينعم به مستشارو التوجيه التربوي في المغرب عن الاستشارة والتوجيه!

(راجع مقالنا بالموقع ″المشروع الملكي لإرساء التوجيه المدرسي والمهني ب260.00 درهما؟؟″ بتاريخ 30 اكتوبر 2019 )

بدون تعليق..

5 – المفارقة الخامسة :

مجال الاستشارة والتوجيه بالمغرب كبئر ماء في صحراء قاحلة..الكل يدلي بدلوه فيها ليحظى بنصيبه منها!

من المستشارين فالمفتشين فالأطر الإدارية والتربوية فالآباء والأمهات..إلى جمعيات المجتمع المدني…واللائحة تطول.

إنه كخرقة بالية كل يخيط عليها رقعته المفضلة والملونة!

6 – المفارقة السادسة :

في نوستالجيا التدريس لدى مستشاري التوجيه.. ونوستالجيا التفتيش التربوي لدى مفتشي التوجيه.

تكتفي الفئة الأولى بتلاوة دعائم الإعلام والتوجيه على التلاميذ..وشرحها وتفسيرها وتحليلها كما في حصص المواد الدراسية!

وتبحث الفئة الثانية في جذاذات هذا الدرس اللغوي الإعلامي..وأطره المرجعية وأغلفته الزمنية…

(راجع بهذا الخصوص مقالنا ″الاستشارة والتوجيه التربوي..الأزمة المفتعلة″ بالموقع بتاريخ 30 شتنبر 2017 )

7 – المفارقة السابعة :

من بين أطر التوجيه التربوي من يجب إعادة توجيهه إلى مهنة أخرى لأنه كالتلاميذ توجه خطأ إلى مجال الاستشارة والتوجيه.

وتكمن مشكلة هذا الصنف من الأطر في المعضلة التالية :

– بما أنهم توجهوا خطأ إلى مهنة الاستشارة والتوجيه فهم يصححون أخطاء من توجهوا إليها عن صواب!

وكما يقول المثل المغربي :

ايوا فهم تسطا!