تحتضن قطر كأس العالم لأول مرة في تاريخها وسط موجة عنيفة من الانتقادات غير المسبوقة التي تستهدف بلدا منظما لهذا الاستحقاق العالمي، والتي قابلت هذا المونديال بقدر كبير من السخرية الغربية كما وصلت إلى التلويح بمقاطعته، الشيء الذي يطرح السؤال عن الدوافع الحقيقية لتلك الحملات وهل تتناسب مع ما يجري في المونديال وعن حقيقة مكاسب القطريين ومن ورائهم العرب والمسلمين منه؟

إن المتتبع للحملة المعادية لقطر يلحظ إسفافا لا يخفي عدوانيته ودوافعه العنصرية حتى يخيل إليه أن المونديال سيعود بنا إلى عصور خلت، والحال أن الإرهاصات الأولى لانطلاق منافساته لا تظهر فرقا ملموسا بينه وبين كؤوس العالم السابقة، والذي استجد اليوم هو استغلال المونديال الحالي من أجل إحراج بلد عربي مسلم في موضوع الشذوذ الجنسي وانتزاع موقف رسمي منه بما يشكل اختراقا مهما للساحة العربية والإسلامية، ومع ذلك فإن القطريين تعهدوا بتأمين الحماية لهم؛ كل ما في الأمر أن قطر تريد حفظ ماء وجهها برفضها أية دعاية فجة لهم، الشيء الذي لم يتقبله الصلف الغربي الذي يريدها أن تتعرى تماما من كل قيمة لقاء احتضانها لكأس العالم.

الموقف القطري لا يستحق المبالغة في الإشادة، فحتى مونديال روسيا لم يسمح “للمثليين” باستثماره كما يأملون مما دفعهم إلى الاحتجاج وإلى مقاطعة بعض روابطهم له، خصوصا أن الحديث عن خصوصية مزعومة للمونديال الحالي باستحضار هوية قطر الحضارية ظهر أنه مجرد قشور لم تصمد أمام تيار العولمة الاستهلاكي الجارف الذي كشفت عنه الأغاني ومظاهر الاحتفال الأولية بالمونديال.

لم تكن قطر مجبرة على التغني بالمكون الحضاري العربي والإسلامي ما دامت غير معنية بإظهاره في المنافسات ولا أحد طلب منها ذلك، وما قامت به فعليا هو توظيفها له كورقة تستقطب بها الجمهور العربي والإسلامي بعد عجز القطريين على التصدي للهجمات الشرسة التي طالتهم خصوصا فيما يتعلق بحقوق العمال وظروف اشتغالهم السيئة في التحضير للمونديال، والتي بلغت مستوى من الابتذال حد حشد عدد من الدعاة والعلماء بحجة الدعوة إلى الإسلام الذين لا ندري كيف سيبررون مظاهر الانفلات والتفسخ المتفشية في المونديال مع ما يرافقه من بذخ شديد في الوقت الذي يئن فيه العالم من الجوع والفقر والحرمان؛ ولو أنهم كلفوا أنفسهم بزيارة مخيمات اللاجئين في سوريا أو بمواساة من يعانون من المجاعات في إفريقيا عوض التواجد في قطر لكان أبلغ دعوة للإسلام بدل تشويهه بإظهاره متصالحا مع ظواهر الافتراس الرأسمالي الماجن.

تنظيم كأس العالم ليس إنجازا في حد ذاته، فالإنجاز هو أن أن يتم هذا التنظيم بقدرات محلية وأن يعود بالنفع الاقتصادي والرياضي على البلد، وهو الشيء المفقود في الحالة القطرية التي لم يُبذَل فيها إلا المال وكل شيء مستورد بما في ذلك المنتخب المشكل أغلبه من المجنسين ناهيك عن العقول والأيادي العاملة والتجهيزات التي لن تستخدم جلها إلا مرة واحدة. إن الأمر لا يعدو كونه استعراضا أجوفا للمسؤول العربي الذي يحب الاطراء ولو في ما لم تصنع يداه.

لقد عادت الدبلوماسية الكروية بعكس المأمول منها، فكل ما تم استثماره على الصعيد الرياضي باستقطاب نجوم العالم للدوري القطري الذي تحول بعد ذلك إلى دوري للمتقاعدين أو من خلال الاستحواذ على نادي باريس سان جرمان الذي خلف امتعاض الرأي العام الفرنسي عوض الإشادة به أو في احتكار البث التلفزي الرياضي، زاد من تأجيج مشاعر الكراهية الغربية للقطريين وكرس الصورة النمطية عن العرب بدل أن يلغيها وأظهرهم بمظهر المستهلك الخامل الذي لا ينتج شيئا.