في مقال له بجريدة لوبوان الفرنسية، كتب الطاهر بنجلون تعليقا على زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر:” ماكرون يضحي بالتفاهم الجيد مع المغرب آملا بالحصول على امتيازات أفضل من العسكريين الجزائريين…”. ليس وحده الكاتب الطاهر بن جلون من تحدث عن الفتور الحاصل على مستوى العلاقات المغربية الفرنسية، بل الكثير من التقارير الاعلامية والمقالات الصحفية مغربية وفرنسية خرجت مؤخرا لتتحدث عن هذا الفتور الذي وصل لحد التوتر، وهو ما عكسته القرارات السياسية والإقتصاية وحتى التربوية والثقافية الصادرة عن الجانبين أهمها كان رفض طلبات التأشيرات المقدمة من طرف المغاربة للقنصليات الفرنسية، وأيضا انسحاب أو طرد شركات فرنسية من المغرب كشركة ليديك المكلفة بالتدبير المفوض للماء والكهرباء والتطهير السائل بمدينة الدار البيضاء، وأيضا شركة سنطرال دانون التي قامت ببيع باقي أسهمها لتنسحب بشكل مطلق من بورصة الدار البيضاء… الأمر، كما قلت، لم يتوقف هنا بل تطور وامتد ليشمل القطاع التربوي إذ شرع المسؤولون عن قطاع التربية والتعليم بالمغرب في التخلص التدريجي من اللغة الفرنسية لصالح اللغة الإنجليزية…

وبالعودة إلى جذور هذا التوتر في العلاقة بين البلدين سنجده مرتبطا ب:

أولا: قضية الصحراء أو قضية المغرب الأولى التي قال عنها الملك محمد السادس في خطاب سابق:”ملف الصحراء هو النظارة  التي ينظر بها المغرب إلى العالم.. هو المعيار الواضح والبسيط الذي نقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.. هذا لا يعني أن الموقف الفرنسي من قضية الصحراء قد تغير، ففرنسا  ظلت لعقود تمارس نوعا من الحياد الإيجابي في شأن هذه القضية. لكن ما حدث أن المغرب انتقل إلى مرحلة أخرى في هذا الملف، وهي مرحلة الحسم التي انطلقت مع الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أي أن المغرب ما عاد يقبل بحياد الدول التي لطالما اعتبرها صديقة وشريكة وعلى رأسها فرنسا واسبانيا. لذلك أصبح في الخطاب الرسمي المغربي تجاه فرنسا نوع من الشدة رغبة في دفع فرنسا للخروج من المنطقة الرمادية والتعبير عن موقف نهائي واضح في هذه القضية الحساسة جدا لكل المغاربة وليس للنظام فقط.

ثانيا:  التواجد في إفريقيا إذ تجاوزت الإستثمارات المغربية هناك 5.4 مليار درهم سنة 2019 بعدما كانت فقط 907 مليون درهم سنة 2007. وهو ما يشكل 47 في المائة من مجموع الاستثمارات المغربية في الخارج. هذا التواجد القوي للمغرب في افريقيا( غرب افريقيا بالخصوص) أصبح يشكل نوعا من الازعاج لفرنسا التي لطالما اعتبرت المغرب امتداد لمستعمراته الإفريقية فكيف لها أن تقبل بأن يصبح منافسا لها. خاصة وأن المغرب يلقى نوعا من القبول المرتبط بالامتداد الديني والروحي للمغرب ببعض هذه الدول… والحقيقة أن تراجع التواجد الفرنسي في العديد من الدول جنوب الصحراء سببه الرئيس هو رغبة  هذه الدول في التخلص من العبء التقيل لفرسنا وهو ما تأكد سنة 2019 عبر قرار 8 دول هناك في التخلص من عملة الفرنك الافريقي واستبدالها بعملة مستقلة عن فرنسا رغم الصعوبات التي مازال يواجهها هذا القرار.

طبعا يمكن أن نضيف لهذين العاملين عامل ثالث مرتبط بغيرة فرنسا من التقارب المغربي الأمريكي الذي كانت بدايته اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وتمت تزكيته عبر توقيع مذكرة تفاهم بين شركة تمويل التنمية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية والتي كان الهدف من خلالها تشجيع الاستثمارات الأمريكية في المغرب.

قد يبدو من خلال كل ما قلناه أن المغرب هو من قرر التخلي التدريجي عن فرنسا إلا أن عودة العلاقة إلى طبيعتها قد لا يكون بتلك الصعوبة إذا ما قررت فرنسا الاعتراف بمغربية الصحراء عبر بيان واضح بعيد عن لغة الحياد.