
الطريق المسلوك في إصلاح التعليم بالمغرب
يذكر القراء إني قبل انتخابات يوم 8 شتنبر كتبت مقالا بعنوان من “الخيمة خرج مايل” نشر بجريدة رأي اليوم اللندنية و بموقع لكم ، و قد رجحت فيه ” أن رئيس الحكومة القادم سيكون عبد العزيز أخنوش أو نزار بركة أو عبد اللطيف وهبي، و قلت في حينه أن حظوظ السيد سعد الدين العثماني تبدو ضعيفة ، خاصة في ظل دعاية ممنهجة و غير محايدة تحاول إلصاق أزمات المغرب بحزب العدالة و التنمية لوحده ، و في ذلك تبسيط و تسطيح للأمور ، فالحكومة مشكلة من كتلة أحزاب، وحزب الأحرار و السيد أخنوش مشارك بقوة في الحكومة الحالية و السابقة، و حزبه يتولى وزارات تتحكم في ميزانيات عمومية معتبرة..بل إن حزب الأحرار منذ نشأته في عهد الراحل الحسن الثاني ووزير داخليته البصري ، من قبل السيد أحمد عصمان صهر الحسن الثاني سنة 1978 ومن غرائب الصدف أن شعار الحزب عند نشأته كان ” المغرب الجديد”..
آراء أخرى
و مما قلت فيه أيضا أن ” العودة بالمغرب إلا الوراء و تجريب المجرب ليس هو الحل، لست منتمي سياسيا لأي حزب ، بل أدعوا إلى مقاطعة التصويت، ومن ضمن الأسباب هو ما نراه من عبثية المشهد السياسي، القضية ليست في من يترأس الحكومة، القضية أبعد من ذلك، هل بإمكان الحكومة بل هل بإمكان المؤسسة الملكية إخراج البلاد من أزماتها الداخلية و الخارجية؟ هل بإمكان النموذج التنموي الجديد تحقيق التنمية الفعلية و رفع معدل النمو الاقتصادي و تشغيل العاطلين و الحد من الفقر؟ هل لازال من الممكن تجنيب المغرب خطر الانزلاق لحافة الهاوية؟ .. للأسف الاستقرار السياسي أصبح هشا و القلاقل الاجتماعية لم تخمد شرارتها بعد ، و في ظل حالة السخط العام و عزوف المغاربة عن المشاركة وفقد الثقة في المؤسسات العمومية و في الفاعلين السياسيين بشهادة “ولد الدار” والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري و تصريحه الشهير المعروف إعلاميا بأحزاب “الباكور و الزعتر” ، في ظل هذه الظروف كان من باب أولى إعلان حالة الاستثناء و تأجيل الانتخابات مؤقتا، و تمديد ولاية البرلمان الحالي – السابق الأن- سنة أو سنتين، و السعي باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية توافقية و لم لا برئاسة الملك، غايتها إنقاد أرواح المغاربة نتيجة الخطر الذي يتهددهم بفعل ارتفاع عدد الإصابات و الوفيات بسبب فيروس كورونا، و إنقاذ الاقتصاد الوطني شبه المشلول، و توحيد لحمة الشعب المغربي و تصفير السجون من سجناء الرأي و إطلاق الحريات..
و قد تأكد بالفعل أن حكومة أخنوش نجحت في توحيد الشارع في وقت قياسي، و خلقت الظروف لتفجير الشارع، و سبق لي ان قلت في حوار صحفي مع أحد المنابر الإعلامية الدولية بمناسبة فرض جواز التلقيح أن حكومة أخنوش سيسجل لها التاريخ بأنها نجحت في توحيد أطياف الشارع المغربي من الشمال إلى الجنوب، فهذه الأيام يعيش المغرب على وقع احتجاجات طلابية و غيرها، بفعل تبني وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شروطا جديدة لولوج مهنة التعليم بالمغرب، خاصة فيما يتعلق بتحديد السن الأقصى في 30 سنة لاجتياز مباريات أطر الأكاديميات الجهوية…
ففي الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة و ثوتر مع بلدان الجوار الجغرافي، و توالي الازمات الاجتماعية، نجد أن الحكومة الجديدة تتبنى قرارات غير مفهومة، وأجد أنه من غير المبرر فرض هذا الشرط أي 30 سنة لإجتياز مباراة التوظيف في التعليم ، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة، و تقلص فرص العمل في القطاع العام و الخاص، أصبح التعليم فرصة لحاملي الشواهد العليا لإيجاد مصدر رزق، فالشباب المغربي يذهب للتعليم مرغما بعد أن غلقت أمامه الأبواب…
لن أدخل في تفاصيل هذا القرار ، لأن الحجج التي تم ترويجها لتبرير القرار أرى أنها مجانبة للصواب، فتجويد التعليم لا يمر من بوابة خفض سن المعلمين و المعلمات و المشتغلين في التعليم بشكل عام، و إنما يمر بداية بالحكامة و إختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، فتعيين وزير داخلية سابق في منصب وزير التعليم مسألة فيها نظر ، فماهي مؤهلات الرجل العلمية و الأكاديمية لتولي منصب كهذا ؟، اللهم أنه خريج مدرسة القناطر الفرنسية، فالرجل قد يصلح لبناء القناطر و الطرق ، لكن بناء العقول و الكفاءات فتتطلب رجل يملك رؤية و يحمل مشروع إصلاحي رجل سياسي و ليس رجل تنفيذي تقنوقراطي..و الغريب ان هذا الرجل هو من تولى رئاسة اللجنة الملكية لصياغة البرنامج التنموي الجديد..
وضع شرط 30 سنة يقصي عمليا فئات واسعة من العاطلين المغاربة، و يؤجج و يوحد الشارع لأنه سيوحد صفوف أساتذة التعاقد و المعطلين من حملة الشواهد العليا، وهؤلاء يمثلون زبدة الشارع المغربي، حقيقة لا أفهم المنطق الذي يحرك حكومة أخنوش و سعيها الجاد باتجاه رفع عدد المعادين لها، و قد حاولت إيجاد مبرر لهذا الشرط فلم أجد له مبرر منطقي ، اللهم أن الأمر له صلة بالأزمات البنيوية التي تمر منها صناديق التقاعد و العجز في الموارد الأنية و المستقبلية، و خفض سن الولوج لقطاع التعليم ربما الغاية منه انعاش هذه الصناديق باقتطاعات جديدة و ممتدة و تفادي ولوج مستفدين جدد في السنوات القادمة إذا ما تم تبني سن أقل من 45 أو 40 سنة كشرط لإجتياز مباراة التوظيف في التعليم، لكن مثل هذه الحسابات الضيقة الأفق هي ابتعاد عن العلاج الحقيقي الذي يقتضي بداية البحث في استرداد الأموال المنهوبة من صناديق التقاعد و أيضا الأموال التي نهبت في سياق تنزيل البرنامج الاستعجالي…
هذا البرنامج الاستعجالي الذي صدر بالموازاة مع تقرير للبنك الدولي في بداية الموسم الدراسي 2007-2008 والخاص بواقع التعليم ببلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط..و المعنون ب “الطريق غير المسلوك”، و الذي صنف وضعية المغرب بناء على سياسته التعليمية آنذاك، والمرتبطة بالميثاق الوطني للتربية و التكوين، و بالتالي، فهذا الأخير يشكل الإطار المرجعي للبرنامج الاستعجالي ويستند أساسا على توجيهاته ، ليرفع من وتيرة الإصلاح المسطر فيه ، وجل الإجراءات و التدابير المتضمنة في مشاريع البرنامج تفيد نية إعادة هيكلة المنظومة التربوية على أسس جديدة سترهن مستقبل الأجيال و البلاد لعدة عقود قادمة .. وبالتالي فالمخطط الإستعجالي يعد سياسة استراتيجية ظاهرها تسريع و ثيرة الإصلاح، و باطنها تعميق توجه الدولة نحو التنصل من مسؤولياتها الدستورية و التزاماتها الدولية في إطار أهداف الألفية للتنمية و التربية للجميع…
و قد شكل تقرير البنك الدولي صدمة و صفعة قوية للمسؤولين الحكوميين في مجال التعليم، حيث تضمن التقرير من بين ما تضمنه النقاط التالية :
– تصنيف المغرب في الرتبة 11 ضمن 14 دولة.
– تخلف النظام التعليمي بالمغرب على جميع الأصعدة، الكمية والنوعية، حتى بالمقارنة مع بلدان شمال إفريقيا والشرق الاوسط.
– عدم مواكبة التعليم لاحتياجات الاقتصاد الحديث و متطلبات الشغل .
– نقد “منظومة التربية والتكوين” بالمغرب لعدم تناسقيتها، وضعف نجاعتها، وعدم قدرتها على التكيف، وتردي الإنتاجية المترتبة عنها لكون الإصلاحات كانت”سطحية وعديمة”، غير مؤطرة بتصور ناظم، غير محكومة بروابط مع الاقتصاد والمجتمع والمحيط العام، متجمدة لا تساير التحولات، وغير ذات فعالية بالقياس إلى معايير الجودة والمردودية، المفروض توفرها في مخرجات العملية بمحك السوق وقطاعات الإنتاج.
تسلسل الفشل المدرسي وتراكميته لدرجة لا يدرك مستوى البكالوريا معه إلا 13 طفل من أصل 100، وضمن هؤلاء ال13 من هو أو كان مكمن رسوب واحد على الأقل، كما لو أن ماكينة الفشل تشتغل تلقائيا بمجرد ما أن يضع الطفل قدميه بالفصل وإلى حين تخرجه من الجامعة…هذا إذا لم تدركه إحدى عجلات الماكينة، فتقصيه ببداية الطريق أو بالوسط أو تلاحقه بعد التخرج.
نسبة ال 40 بالمائة من الأمية باتت عاهة مستدامة بالمغرب دون منازع، بل ويضعها أيضا على نسب تجهيز المدارس بالقرى، بالمرافق الأساس كالكهرباء والماء والصرف الصحي وشروط التطبيب، والتي يبلغ الخصاص بها مجتمعة أكثر من 75 بالمائة، كما لو أن المغرب حقا وحقيقة إزاء نكبة أو نكسة، أو بجزء من الكوكب ضربه الطوفان، فاستفاق ليعاود عملية الترميم من الصفر.
و تقرير البنك الدولي شكل صدمة مدوية، لأنه كشف عورات السياسات التربوية والتعليمية” المعتلة بالمغرب طيلة خمسين سنة ، بل ووجه نقدا خاصا لعشرية ” الميثاق الوطني للتربية والتكوين” الذي تمت المراهنة عليه لعلاج مكامن الخلل بأفق إصلاح المنظومة برمتها، فإذا به يفرز انتكاسات و تراجعات خطيرة …
و ردا على ما تضمنه تقرير البنك الدولي أقر المسؤولين على القطاع من خلال التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم ، بإخفاق الإصلاح التعليمي وبتفاقم وتجذر الاختلالات على مختلف المستويات، وبفشل جل الرهانات الكمية والنوعية التي حددها “لميثاق الوطني للتربية والتكوين”
و تبعا لذلك ، فمانراه اليوم من إجراءات و تدابير باتجاه تسليع التعليم ، و تبني نظام التعاقد و غيرها من الإجراءات الغير شعبية و التي تتخذ كغطاء إصلاح منظومة التربية و التعليم، ماهي إلا استجابة و تنفيذ أعمى لتوصيات البنك الدولي و من ضمنها:
– التسريع بوثيرة الخوصصة،
– تطبيق ما يسمى بترشيد وعقلنة النفقات.
– التخلي التدريجي عن دور الدولة في القطاع التعليمي.
كما جاء إصدار البرنامج الإستعجالي بعد تأكيد أعلى سلطة في البلاد في عدة مناسبات على ضرورة الإسراع بإصلاح حقل التربية والتعليم وإيلائه الأهمية التي يستحق، وهي من بين التوجيهات والتعليمات التي تم تقديمها إلى الحكومة التي واكب تنصيبها إصدار هذا البرنامج والتي شرعت في تنفيذها وأجرأتها مباشرة بعد تشكيلها .
وحسب المقدمات التعريفية و التحليلية للقائمين على البرنامج الإستعجالي، فإنه سعيا وراء تحقيق فعالية قصوى للإصلاح، تم تبني منهجية جديدة تشكل حسب القائمين على البرنامج قطيعة مع الممارسات السائدة ، وتعتمد على خمسة مكونات أساسية هي:
– تحديد برنامج طموح ومضبوط في أدق تفاصيله: مجالات التدخل، المشاريع، مخططات العمل، الجدولة الزمنية، الموارد التي يتعين تعبئتها.
– اعتماد رؤية تشاركية ترتكز على إشراك مجموع الفاعلين الأساسيين داخل منظومة التربية والتكوين، في تطبيق البرنامج الاستعجالي.
– الانخراط القوي للفاعلين في الميدان لضمان تطبيق الإجراءات المحددة بصورة تعتمد مبدأ القرب، بغاية إعطائها بعدا عمليا وملموسا.
– وضع وسائل للتتبع عن قرب تسمح بالتحكم الكامل في عملية تطبيق البرنامج الاستعجالي.
– وضع أرضية لتدبير التغيير والتواصل من شأنها ضمان انخراط الجميع، وكذا بث روح التغيير في كل مستويات المنظومة.
و حسب القائمين عليه أيضا، يرتكز البرنامج الاستعجالي على مبدأ جوهري موجه، هو بمثابة أساس له ينم عن مقاربة مجددة وعملية في الآن ذاته، ويتجلى في جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين، وجعل الدعامات الأخرى في خدمته، وذلك بتوفير تعلمات ترتكز على المعارف والكفايات الأساسية التي تتيح للتلميذ إمكانيات التفتح الذاتي، و توفير مدرسين على إلمام بالطرق والأدوات البيداغوجية اللازمة لممارسة مهامهم، ويعملون في ظروف مواتية، و كذلك توفير مؤسسات ذات جودة توفر للتلميذ ظروف عمل مناسبة لتحقيق التعلم.
وانسجاما مع التوجهات التي حددها تقرير 2008 للمجلس الأعلى للتعليم، يقترح البرنامج الاستعجالي خطة عمل طموحة تتوخى تحقيق أربعة أهداف أساسية تمثل مجالات التدخل ذات الأولوية
1- التحقيق الفعلي لإلزامية التمدرس إلى غاية سن 15 سنة.
2- حفز روح المبادرة والتفوق في المؤسسة الثانوية وفي الجامعة.
3- مواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية، وإيجاد الحلول الناجعة لها من أجل إنجاح الإصلاح بضمان انخراط قوي لأطر التعليم في عملية الإصلاح، وإرساء حكامة تذكي روح المسؤولية، وتضمن قيادة فعالة للمنظومة وتحسين أدائها باستمرار.
4- توفير الوسائل الكفيلة بإنجاحه. باعتماد سياسة مضبوطة تهدف لترشيد الموارد المالية والعمل على توفيرها بشكل مستدام.
ويبقى نجاح إنجاز البرنامج الاستعجالي حسب واضعيه رهينا بتوفر شرطين أساسيين:
أولا- التغيير العميق لأساليب التدبير، بجعلها مرتكزة على النتائج والفعالية والتقويم من خلال:
1- تحديد المسؤوليات بصورة واضحة، ووضع الأهداف وتدقيق الآجال وتوفير الوسائل الكافية للمسؤولين من أجل تحقيقها.
2- تقويم الإنجازات، دون إحداث قطيعة بين مختلف مستويات التدبير : الإدارة المركزية، الأكاديميات، الجامعات، النيابات والمؤسسات التعليمية.
3- السرعة في إحراز نتائج أولى وملموسة على المدى القصير للحيلولة دون تعثر المشاريع وفقدان الحافز لدى المشتغلين بها، ولإضفاء المصداقية على المنهجية المتبعة في نظر الشركاء، وبالتالي الحصول على التزامهم ودعمهم.
4- اعتماد مقاربة جديدة تشكل قطيعة مع المنهجيات السائدة، حيث تعتمد على المقاربة بالمشروع.
ثانيا- وضع عدة متينة لقيادة مراحل إنجاز مقتضيات البرنامج الاستعجالي، تمكن من :
1- تحديد سريع للاختلالات (التأخرات والتعثرات والإكراهات والمشاكل…) المحتملة المرتبطة بقابليته للإنجاز.
2- ضمان السرعة في رد الفعل بالنسبة لاتخاذ القرار لتمكين عملية إنجاز البرنامج بشكل متواصل.
وهذان الشرطان يتطلبان تمكين نظام القيادة المذكور من الوسائل التي تضمن له سبل النجاح..
الإشكال الحقيقي الذي ينبغي أن يكون محل نقاش عام هو التوجه العمومي الرسمي نحو تسليع التعليم و رفع الدولة المغربية يدها عن التعليم و الإتجاه الممنهج نحو تخصيص العملية التعليمية و جعل مسؤولية التمويل على عاتق الأسر، في الوقت الذي تتوسع في الإنفاق المظهري على المهرجانات و المشاريع الثانوية، فكيف يعقل في ظل الخصاص و الشح المالي، أن يتم تخصيص أجور و إمتيازات لكبار المسؤولين العموميين و الإستثمار في مشاريع لا تخدم إلا القلة، و لا تخدم جهود التنمية الحقيقية؟
فالتنمية لا تصنعها الرواتب السخية للنواب و الوزراء و المسؤوليين العموميين، و إنما يصنعها التعليم الجيد، ففي الوقت الذي تشهد فيه البلاد تخلف تنموي مريع، و في الوقت الذي أصبح العالم يراهن على المعرفة كمحفز اقتصادي و تنموي، نجد المغرب وأغلب البلدان العربية ترفع يدها عن التعليم و في ذلك ترسيخ و توسيع للفجوة المعرفية، و توسيع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء، فالصعود في السلم الاجتماعي أصبح مرتبطا بجودة التعليم ، و جودة التعليم مرتبطة بالقدرة على دفع تكاليفه، وهو أمر غير متاح إلا للأغنياء، و في ذلك استمرار للوضع القائم، فأبناء الأغنياء يمسكون بزمام الثروة و السلطة وأبناء الفقراء عبيد للأغنياء.. لذلك لا يسعنا إلا نقد السياسات العمومية في المجال التعليمي، فهي طيلة عقدين لم تسفر إلا على المزيد من الفشل دون محاسبة المسؤوليين عن هذه الاختيارات ، فالمنظومة التعليمة تعاني من العجز و العشوائية و الإرتجال و عدم الإستقرار ،و مخرجات التعليم لا تتناسب و حجم الإنفاق العمومي المسخر لهذا القطاع، وان كنا نعتبر أن ضعف الإنفاق لا يبرر ضعف الإنتاجية، فالموارد عنصر مهم لكن ثانوي إذا ما توفرت كفاءة التدبير و التخطيط ، فالفساد الإداري وضعف الكفاءة عامل رئيسي في تردي الأوضاع ..
لذلك، فان التوجه نحو مزيد من تسليع التعليم هو إفساد للفاسد، فبدلا من تبني سياسات عمومية ناجعة تتوخي إصلاح المنظومة التعليمية بعيدا عن الحسابات السياسية أو الأمنية الضيقة . فالبلاد في حاجة إلى تعليم سليم باعتبار التعليم الوسيلة الفعالة لتحقيق الانتقال السلمي و الأمن للمجتمع، و لنا في التجارب الدولية نماذج تدعم ما نقول، فالتعليم كان لبنة أساسية في النهضة اليابانية والصينية و الشرق أسيوية، بل إن التعليم الجيد خلق تركيا القوية .
صحيح أن عجز الموازنة يقتضي التقشف ، لكن التقشف ينبغي أن يتجه نحو تقليل الإنفاق على نزوات الحكم، فالمغاربة لا يهمهم مدى فخامة مكاتب أو سيارات السادة المسؤوليين بقدر ما يهمهم نجاعة السياسات العمومية و مدى تأثيرها الإيجابي في حياتهم اليومية… لكن لابد من القول أن فاقد الشيء لا يعطيه، فغياب الديمقراطية و الحكم الرشيد لن يقود إلا لمزيد من التفقير و التهميش و التجهيل ، فالمشكلة الأساسية في البلاد العربية أن الشعوب لا تملك قرارها، و أن القرار بيد غير الأكفاء الذين سيطروا على الحكم و الإرادة العامة بطرق غير شرعية..فإعادة الهيكلة لا ينبغي أن تقتصر على تدبير النفقات العمومية وتعديل بنوذ الإنفاق، فالبلاد في حاجة إلى إعادة هيكلة هذه المجتمعات ككل، و ليس هناك من مدخل أمن لتحقيق التحول السلمي إلا بإرساء الحريات السياسية والمدنية و التعليم الجيد و المجاني…و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لايعلمون ..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..