رسالة إلى عقلاء الشعب الجزائري
كثيرا ما أتردد في تناول العلاقات المغربية- الجزائرية، لأننا نعتقد أن هذه الخلافات زوبعة في فنجان، و كلا الطرفين سيعودان إلى جادة الصواب، وأن ما يحدث هو قصف بيانات، لكن من خلال تحليل تسلسل الأحداث طيلة الفترة الماضية، يبدو أن الأمر أكبر مما أتصور، وأن النظام الجزائري خرق كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية ويحاول قطع شعرة معاوية، ولم يكتفي بالتصريح بل إنتقل إلى الاتهام الضمني للمغرب، فقد أعلنت السلطات الجزائرية يوم الأربعاء 13 تشرين الأول /أكتوبر 2021 ، أن المديرية العامة للأمن الوطني، تمكنت من إفشال مخطط مؤامرة تعود إلى عام 2014، متورط فيها الكيان الصهيوني “إسرائيل”، ودولة أخرى بشمال أفريقيا لم تسمها. وذكر التليفزيون العمومي الجزائري: أن “خيوط المؤامرة تمت بمساعدة من الكيان الصهيوني ودولة أخرى من شمال أفريقيا، هذه الدول كانت بصدد التحضير لتنفيذ عمل مسلح داخل الجزائر، وذلك بتواطؤ أطراف داخلية تتبنى النزعة الانفصالية”، وأعلن التليفزيون الجزائري أنه سيبث، لاحقا، اعترافات مصورة لعناصر الشبكة الإرهابية التي “تتبنى النزعة الانفصالية”، وتم تفكيكها هذا الأسبوع…
آراء أخرى
والبيان لم يسمي المغرب صراحة، لكن من خلال السياق العام يمكن استخلاص أن المقصود “بدولة أخرى من شمال أفريقيا” المغرب، فقد شهدت الجزائر مؤخرا توترا في علاقتها بالمغرب، انتهى بقرار جزائري بقطع العلاقات مع المغرب، أعقبه قرار بإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية…
والواقع أن مقالاتي التي تتضمن بعض النقد للسياسات العمومية بالمغرب يتم الاحتفاء بها في وسائل الإعلام الجزائرية بشكل مبالغ فيه، و و تعطى لمضمون مقالاتي تفسيرات مغايرة لما أريده وأعنيه، و هذه المقالات بالنسبة لبعض المنتقدين فقد نشرت بجريدة رأي اليوم اللندية العابرة للحدود و التي تقرأ في معظم دول العالم، و لم أرسلها إلى صحف أو منابر إعلامية أخرى..و ما دفعني إلى إثارة هذا الموضوع هو أن العداوة بين المغرب والجزائر عداوة مصطنعة و تتم بفعل فاعل و لغاية في نفس يعقوب، فأولويات البلدين مغايرة لما يتم الترويج له ، ومنافية للسياسات المتبعة، القائمة على منطق العداء و التنافس المحموم، فنحن عندما ننتقد الوضع العام في بلداننا لا نخدم أجندة أجنبية بل على العكس، عندما ننادي بالديموقراطية و الحكم الرشيد و مكافحة الفساد و منع تهريب الثروة الوطنية إلى الخارج، وننتقد السياسات العمومية و نحلل مواطن القصور و الضعف، فذلك حرصا منا على إنقاذ أوطاننا من المجهول و تحقيق التغيير الأمن..ندرك جيدا أن بلداننا عاجزة على كل الأصعدة، و حرص الكاتب على تحليل الوضع في الصين و بلدان أسيا الغاية منه تنوير الرأي العام العربي بأن بلداننا لم تحقق أي إنجاز ، فهي لم تنجز لا ديموقراطية ولا تنمية و لم توسع خيارات الناس بل ضيقتها، و الأداء الاقتصادي و التنموي مؤشر على فعالية السياسات العمومية…لنقارن و ضع المغرب و الجزائر في 1999 مع وضع تركيا في نفس السنة ، و لنقم بمقارنة في 2020 ، فرق شاسع بين ما تحقق في تركيا وما تحقق في المغرب و الجزائر يكفي أن الناتج القومي الإجمالي لتركيا في العام 2020 تجاوز الناتج القومي للدول المغاربية مجتمعة…
ومادام الإخوة الجزائريين يحرصون على إعادة نشر مقالاتي برأي اليوم ، ولأن لدي قراء أوفياء من الجزائر يعلقون بشكل دوري على مقالاتي بهذه الجريدة، فإني سوف أحرص على نقل وجهة نظر الشعب المغربي ، فبعض مواقف النظام الجزائري في الفترة الأخيرة فيها مجانبة واضحة للصواب و إطلاق إتهامات جزافية بحق المغاربة عموما، فخلافات الأنظمة لا تعنينا و قد يتم تجاوزها حتما، لكن أن يتم تشويه الحقائق التاريخية، و قلب الحقائق، فذلك يضر بمصالح المغرب بلدا وشعبا، و سأحرص على أن أكون محايدا في تحليلي ، و بداية أوكد أن ما يحدث من شقاق بين المغرب و الجزائر لا يخدم مصلحة الشعبين بالمطلق، بل هو محاولة لتصدير الأزمات الداخلية و خلق تهديد خارجي وهمي…
فالخلاف بين البلدين ينبغي إدارته بالحوار و التفاهم والبحث عن حلول وسط … أما تهييج الغوغاء وإطلاق الذباب الإلكتروني ليسب كل طرف الأخر فهذا أمر يضر بمصلحة كلا الجانبين.. ويهدم أكثر مما يبني، و ما دفعني لكتابة هذا المقال هو السعي لرفع مستوى النقاش، و الخروج من دائرة الغوئائية و التلاسن بين كلا الطرفين، لأني على قناعة أن مصلحة الشعبين تقتضي تجاوز هذه الخلافات الشكلية، والسعي نحو تطبيع العلاقات بشكل كامل و تغليب جانب التعاون والتكامل بدلا من الخصام والتصادم، وتجاوز الخلافات البينية ولو لحين، وتغليب المصالح الاقتصادية والتجارية على المصالح “الوهمية”، فبنظرنا،كلا البلدين يسيران نحو الهاوية و مستقبلهما محفوف بكثير من المخاطر ..
والوسيلة للخروج من الأزمات المتتالية في البلدين يقتضي حتما التعاون و التكامل بين المغرب و الجزائر وعموم البلدان المغاربية، أما أي وصفة أخرى فمجرد تجديف عكس التيار، و أنا أوجه كلامي إلى العقول المتنورة في كلا البلدين، والتي ينبغي أن تدرك أن سفينة النجاة واحدة و لن تكون إلا بالتكتل الإقليمي وخلق دورة تنمية إقليمية، فلست متحيزا إلى بلدي المغرب ولست متحاملا على الجزائر، فعندما نرى أن سياسيات النظام المغربي مجانبة للصواب نقول ذلك و لا نخجل من قول كلمة الحق، وقد كنت من الأكاديميين و الإعلاميين المغاربة القلائل الذين أدانوا قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقلنا في حينه أن التطبيع مع الجزائر كان أولى و أصلح …
فالسياسات المتبعة منذ عقدين لها سلبيات و اضحة، على اقتصاديات البلدين الجارين، فإغلاق الحدود البرية يكلف البلدين خسائر سنوية بملايير الدولارات “، وكان بإمكان كلا البلدين تفاديها بنوع من العقلانية الاقتصادية و الواقعية السياسية، بل و جني أرباح اقتصادية و سياسية و أمنية معتبرة لو تم تفادي غلق الحدود ، بل إن فتح الحدود سيساهم في تنمية المناطق الحدودية بين البلدين، أما على المستوى الأمني فإن فتح الحدود يساعد على التنسيق الأمني ومراقبة تحرك العناصر الإرهابية ومحاربة الجريمة العابرة للحدود”.
وبعيدا عن المكاسب الأمنية و الاقتصادية، هناك معطى إنساني أهم فهناك علاقات عائلية تجمع كثيرا من المغاربة والجزائريين، والحدود المغلقة أضرت بصلة الرحم بين أفراد العائلة الواحدة ، خاصة و أن ما يفصلهم لا يتجاوز بضع كيلومترات.
فهناك روابط قوية بين الشعبين المغربي و الجزائري وما يجمع الشعبين لا تسطيع الخلافات السياسية ضيقة الأفق أن تفرقه، فهناك قواسم اجتماعية وثقافية ولغوية ومحلية مشتركة و فتح الحدود و تجاوز الخلافات السياسية، سيحقق التكامل الاجتماعي والاقتصادي والأمني وسيكون بمثابة خطوة نحو الأمام في إطار ترسيخ قيم ومبادئ التنمية المشتركة في المنطقة…
وعلى خلاف الرأي السائد في الجزائر ، فأن إغلاق الحدود يضر بالاقتصاد الجزائري كما يضر بالمغرب، وقد سبق لكاتب المقال أن زار الجهة الشرقية للمملكة وخاصة مدينة وجدة وبركان، و لاحظ أن السلع الاستهلاكية المتداولة هناك بكثرة سلع ذات منشأ جزائري، فالجزائر لها منتجات محلية مصنعة يمكن أن تصرفها في السوق المغربي و العكس صحيح فكل بلد يملك ميزة تنافسية في قطاعات معينة، وهذا يخدم التجارة البينية و يجعل كلا الطرفين رابح -رابح …
بنظري المغرب “تحمل المسؤولية في الخطوة الأولى”، ومد يد المصالحة و قد عبر العاهل المغربي أكثر من مرة عن رغبته في تطبيع العلاقات مع الجزائر، نأمل أن يدرك النظام الجزائري أن السياسات العدائية مع المغرب لن تعود على البلدين معا بالنفع، أما الخوض في التاريخ كثيرا فوجهة نظر المغرب تدعمها الحجج التاريخية ، و لعل هذا ما دفعني سابقا إلى دعوة العاهل المغربي إلى تعيين شخصية سياسية مغربية من طينة الراحل “محمد بوستة” على رأس الدبلوماسية المغربية، حتى يشرح للأخوة الجزائريين و للشعب الجزائري وجهة النظر المغربية…
ومادام أن موضوع الخلاف تاريخي كما يصرح وزير خارجية الجزائر “رمضان العمامرة”، فإني سأحاول تخصيص سلسلة مقالات لشرح مواطن الخلاف والدفاع عن وجهة نظر الشعب المغربي…وكيف أن الشعب المغربي دعم بالمال والسلاح والدم المقاومة الجزائرية منذ عهد الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله إلى الثورة الجزائرية المجيدة، بل إن الشعب المغربي دعم الشعب الجزائري في محنته مع الحكم العسكري بعد الإنقلاب في مطلع تسعينات القرن الماضي على الإرادة الشعبية والتي صوتت بكثافة لصالح جبهة الإنقاذ، من المؤكد أن المغرب نظاما و شعبا لن يكون إلا مع إستقرار و إزدهار الجزائر …
لكن على النظام الجزائري أن يدرك أن التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب غير مقبول، قضية الصحراء خط أحمر، و أنا من تحتفون بمقالاته لأنها تنتقد السياسات العمومية في المغرب، يرى بأن قضية الصحراء شأن داخلي مغربي و ينبغي تسويته بين المغاربة .. لا ينبغي للجزائر أن تتدخل فيه بالمطلق..
من المؤكد أن النظام المغربي لا يمكن أن يدعم انفصال القبائل سياسيا أو ماليا، لأن مثل هذا التوجه يضر بوحدة المغرب، لكن للأسف النظام الجزائري أرهق شعبه، و أرهق الشعب المغربي لأنه يقدم دعم لا مشروط لجبهة البوليساريو، ويحول دون طي ملف قضية الصحراء المغربية بشكل نهائي و إعطاء الفرصة للمغرب لإسترداد مدينتي سبتة و مليلية المحتلتين، و لعل هذا هو سر التحالف القائم بين الجزائر و إسبانيا…
سؤال أتمنى من عقلاء الجزائر – و هم الأغلبية و لله الحمد- الإجابة عليه، هل حقا جبهة البوليساريو تعبر عن إرادة الشعب الصحراوي؟ و على أي أساس هي المعبرة عن إرادة الشعب الصحراوي ؟ و هل الصحراويين في “كلميم” و”العيون” و “السمارة” و “الداخلة” و “الزاك”، ليسوا بصحراويين أو فاقدي الحرية؟ ما قولكم في ساسة مغاربة يحظون بإحترام عموم المغاربة و هم صحراويين و من قبائل صحراوية أبا عن جد؟ ما قولكم في تعاطف غالبية المغاربة مع “عبد الرحيم بوعيدة” و المرحوم “عبد الوهاب بلفقيه”؟ بل إن كاتب المقال طلب من العاهل المغربي تعيين “عبد الرحيم بوعيدة” رئيسا للدبلوماسية المغربية، بمناسبة قرار محكمة العدل الأوروبية.. وما رأيكم في أن كان كاتب المقال يقطن بمنطقة شاطئية على بعد 12 كيلومتر من العاصمة الرباط، و يقطنها علية القوم، ورئيس مجلس بلديتها من الصحراء وينتمي لإحدى أكبر القبائل الصحراوية؟
نحن ضد الظلم حينما يمارس على عموم المغاربة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، و لا نميز بين ريفي و أمازيغ وصحراوي كلنا مغاربة، بل قلوبنا و افئدتنا مع الشعب الجزائري و الفلسطيني وباقي الشعوب العربية و الإسلامية… رجاء إضغطوا على حكامكم ليتركوا ملف الصحراء للصحراويين، ويوجهوا إهتمامهم ودعمهم المالي السخي للبوليساريو، باتجاه توسيع خيارات الشعب الجزائري، أما أن النظام الحالي والسابق يدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، فبنظري، هذا حق أريد به باطل، لماذا لم يدعم حق الشعب الكتالاني في الانفصال عن إسبانيا؟ و لما لم يعترف بنتائج الاستفتاء؟ لماذا لم يدعم استقلال إقليم الباسك، و استقلال إقليم كشمير المسلم عن الهند التي تنكل قواتها حاليا بالمسلمين؟لماذا لم يدعم شعب الإيغور المسلم و دعم مطالبه بالاستقلال عن الصين و التي إحتلت الإقليم بالقوة العسكرية .. بل الغريب و العجيب، أن النظام الجزائري إعترف دون باقي البلدان العربية و الإسلامية، بشرعية الاحتلال الإسباني لمدينة سبتة و مليلية المغربيتين ، أم أن أغلبية المغاربة بالمدينتين المحتلتين لا ينطبق عليهم تقرير المصير الذي يؤمن به النظام الجزائري؟ رجاءا قليلا من العقل و الحكمة، و للحديث بقية في مقال موالي إن شاء الله تعالى… والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسيوي. أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة…