أخيرا تم الإعلان عن التشكيلة الحكومية التي ستقود المرحلة القادمة برئاسة السيد عزيز أخنوش، وحتى نكون إيجابيين، نقول أن توزيع الحقائب الوزارية تم هذه المرة بنوع من العقلانية وأيضا بمنطق الرغبة في الخروج من مرحلة التخبط والارتجالية، التي ميزت الحكومة المنتهية ولايتها، نحو مرحلة التدبير الفعال التي تبدأ بتنزيل حقيقي وعاجل للمشروع التنموي الجديد. قلت أن التوزيع الوزاري، في المجمل،  خضع لنوع من العقلانية وأيضا خضع لمنطق عملي معين، طبعا إذا ما نحن استثنيا وزارة التربية الوطنية التي تم فصلها عن التعليم العالي والبحث العلمي، لتدمج بشكل غريب وغير مفهوم مع وزارة الرياضة التي تم فصلها هي الأخرى عن الشباب. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام وزارة باسم مختلف وعجيب: وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. أما ما زاد الأمر غرابة فهو إسناد مهمة حمل هذه الحقيبة لتكنوقراطي هو السيد شكيب بنموسى، الذي عرفه المغاربة كوزير للداخلية خلال حكومة إدريس جطو وعباس الفاسي لاحقا(2006-2010)، وأيضا عرفناه كرئيس للجنة الوطنية المكلفة بإعداد تصور للنموذج التنموي.

شكيب بنموسى، ابن مدينة فاس، خريج البولتكنيك بباريس، وخريج القناطر بنفس المدينة… يعي جيدا أن قطاع التعليم هو أكثر القطاعات عقدية وتأزما بعدد ملفات لا ينتهي نتيجة تراكمها على مر الوزراء المتعاقبين، كان آخرهم السيد سعيد أمزازي الذي أغلق باب الحوار في وجه الجميع مساهما بذلك في تعميق هوة الأزمة داخل المنظومة خاصة وأن ولايته تصادفت وجائحة كورونا التي ساهمت بدورها في تثبيت كل المشاكل التي كانت في طريقها لتحل. لذلك فالسيد بنموسى يجد نفسه اليوم مجبرا على البدء من نقطة الصفر في العديد من القضايا التي تعطل تحقيق الإصلاح المأمول في القطاع.

أكبر هذه القضايا خلال المرحلة الراهنة هي قضية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، والذين يبلغ عددهم اليوم حوالي 110 ألف أستاذ من أصل 250 ألف أستاذ يشتغلون بالقطاع، أي أن العدد اقترب من النصف. وهو العدد الذي الذي أصبح، لزاما، التعامل معه بنوع من الجدية والاستعجال بدل التخبط والإرتجالية التي ميزت فترة الوزير السابق. فالسيد بنموسى اليوم ملزم بأن يجد مخرجا نهائيا لهذا الملف، رغم أننا نؤمن أنه لا مخرج له إلا بجعل جميع الأساتذة في القطاع يخضعون لنفس المعايير وهو ما لن يتحقق إلا بإدماج المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية. وإذا كنا نرتاب في نوايا الدولة بخصوص هذا الملف، فإننا في المقابل نعتقد أن تعيين تكنوقراطي على رأس  قطاع التعليم هو محاولة لقطع الطريق أمام الحزبيين الذين تاجروا بالملف خلال حملتهم الإنتخابية بين من وعد بالإدماج الكلي لمن فرض عليهم التعاقد كنزار بركة، وبين من أكد على تثبيت التوظيف الجهوي كعبد اللطيف وهبي، وبين من ركز بذكاء على مسألة الرفع من الأجور كعزيز أخنوش… لذلك فتعيين تكنوقراطي هو الغاء أتوماتيكي لكل وعود الحزبيين، وهو أيضا خطوة أولى لتنزيل رؤية الدولة بخصوص ملف التعاقد وكذلك بخصوص قطاع التربية ككل.

طبعا لا اعتراض على اسم شكيب بنموسى كوزير للتربية الوطنية، فبروفيل الرجل يسمح له بذلك، كل ما في الأمر أن فكرة كونه وزير سابق للداخلية تثير في داخلنا بعض التساؤلات: كيف لوزير كان يقود قطاعا أمنيا أن يقود قطاعا للتربية والتنشئة؟ كيف لمن كان يشغله شأن الجرائم والشغب أن يصبح وزيرا للتلميذ والأستاذ؟ ربما هي تساؤلات سيكولوجية أكثر منها واقعية لكنها مشروعة بطريقة ما خاصة نحن الذين نعتبر أن قطاعي التعليم والداخلية يوجدان على طرفي نقيض، وهو ما تعكسه الطريقة التي تعامل بها احتجاجات الأساتذة باختلاف مطالبهم وانتماءاتهم.