في ضوء آليات هيمنة الغرب على الوطن ” العربي”، حيث يبرز تفوق الأول التّاريخي على الثاني، ويبرز-من تم- عدم تكافؤ بنيوي تاريخي بينهما،فإن واقع التبعية الشاملة الضابطة للعلاقة بينهما جعل من عملية ” التثاقف” المحتملة بينهما أمرا هامشيا وغير ذي بال.وهذا من شأنه أن أناخ بكلكله على عاتق جدلية الداخل ” العربي” والخارج ” الغربي” ، محيلا أياه إلى علاقة إلى علاقة مُهشّمة مضطربة ومخترقة، وإن لم يُطح بدلالتها الحاسمة المتمثلة في أن الغرب لم يكن بوسعه استباحة الوطن” العربي” بعيدا عن الطريق الذي يؤدي إلى خصائصه التاريخية وبنياته المتعددة وإلى أخذها بعين الإعتبار الدقيق.

هاهنا، يغدو مطلبا ملحا أن نتبين الإتجاه الحثيث والقسري، في أحوال كثيرة، لهيمنة الثقافة الغربية على الثقافة العربية، التي نعني بها- في هذا السياق- الوجه العالِم والوجه غير العالِم منها. والمُلفت أن ذلك أنتج في العالم العربي من ” المثقفين والمفكرين والفنانين وحتى العلماء ” من عمل على التماهي مع الفكر الغربي، حيث نظروا إلى هذا الأخير بمثابة قطب الرحى في ” التقدم التاريخي ” .(لايجب أن ننسى زعيم هذه الموجة بالمغرب: الطاهر بن جلون وخير الدين بدرجة أقل..).

لعل شارل مالك، صاحب كتاب” المقدمة” أن يكون واحدا من أبرز من نحا هذا النحو.وربما كان من خصائص هذا النحو الانطلاق، بصراحة، من مقولة” العقلية” في التمييز بين الفكر الغربي والآخر ” العربي” (وقد فصل في هذا الامرعابد الجابري في مشروعه: نقد العقل العربي)، بحيث أن ما يجعل كلّ من هذين الأخيرين ما هو عليه، أساسا، يكمن في بنية ” أصلية” معطاة قبْليا وبعدياً. أما المُفتتنين ب” المشرق” والطالبين لاعترافه بهم ك”كتاب” وما شابه، وهو اعتراف غير مؤسس له،فهذا كلام يستحق وقفة أخرى.

المُلاحظ أن هذه ” الغَرْبنة) وكظاهرة أخذت تكتسب من من الإنتشار في الأوساط ” الثقافية” العربية(ومنها المغربية طبعا) ، ما يجعلها تبدو في مركز الحدث الثقافي الإيديولوجي الراهن؟؟.وإذا صح القول بأن تعاظم انتشارها لم يكن ، في مراحله الاولى، مقترناً ومواشجاً مباشرة مع التحولات الكبرى التي تجتاح العالم منذ حين.فذلك لأن هذه الأخيرة لم تكن قد أعلنت عن نفسها، بعد بصيغتها المدوية المعهودة. وحين فعلت ذلك ، فإنها راحت تُرثر بعمق وبكيفية مباشرة في الظاهرة المعنية، كما في المجتمع العربي برمته.

ولعلنا نرى في الحدثين التاليين أهم ما يعارض هذه الظاهرة ويحفز على بروزها وتعاظمها:

أ/تفكك المنظومة الإشتراكية العالمية   وبروز      النظام ” الدولي الجديد” بقيادة  الولايات المتحدة الأمريكية، وتعالي الدعوة الى” المصالحة التاريخية ” بين اسرائيل والنظم الحاكمة العربية.وجدير بالاهتمام ما أخذ يظهر في المجتمع العربي وما يتعاظم عمقا وسطحا من مظاهر مرافقة، قد تكون التالية في طليعتها من حيث هي موضوع تعمل على تكريسه، ثقافيا وايديولوجيا ارهاط متزايدة من الكتاب والمثقفين والباحثين والشعراء والأدباء وغيرهم…

ب/ثم انكسار الوعي الشعبي العام حُيال”المستقبل العربي” واحتمالاته وآفاقه، ومن ثم تعاظم القنوط والتشائم والسوداوية في إطار الطبقات الدنيا والسواد الأعظم من الفئات الوسطى الاخذة في الإفقار بصورة مأساوية متسارعة، إضافة إلى بروز مواقع من العبثية والاسترخاء والبحث عن ” الذات” والخلاص “الجوّاني”.