قد تكون نتائج الانتخابات النقابية الأخيرة قد أعطتنا لمحة استشرافية عما قد تكون عليه الإنتخابات الجماعية والبرلمانية القادمة، إلا أنها قطعا ليست بالمعيار الدقيق الذي يمكن أن نقيس عبره ما ستؤول إليه تشريعيات الثامن من شتنبر. فتقهقر الإتحاد الوطني للشغل التابع للعدالة والتنمية قد يكون مجرد عقاب اجتماعي وليس تحولا في موازين القوى السياسية بالمغرب.

أقصد القول أن انتخابات الأربعاء الثامن من شتنبر 2021، هي قطعا مختلفة عن انتخابات الإنتخابات النقابية، والهم أنها مختلفة عن انتخابات الجمعة الخامس والعشرين من دجنبر 2011، وعن انتخابات الجمعة السابعة من نوفمبر 2016، لأنها تأتي في ظروف غير مشابهة للموعدين السالفين سواء تعلق الأمر بالوضع السياسي، الحقوقي، الإجتماعي والداخلي أو تعلق الأمر بالوضعية التي يوجد عليها المغرب في علاقاته بالخارج:

• على المستوى الداخلي: لست أجد حرجا في القول أن مغرب اليوم هو أسوء بكثير من المغرب الذي أنتج لنا احتجاجات فبراير وإن كان هذا الأمر يمكن أن يفسره البعض بالنتائج الأولية للأزمة التي أحدثها وسيحدثها فيروس كورونا. لكن إذا كان من الممكن ربط التقهقر الإجتماعي والإقتصادي بكورونا، فماذا يمكن أن نقول عن النكوص الحقوقي الذي لطخ سمعة المغرب خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة. أهم مظاهر هذا النكوص هي اعتقال الصحفيين بشكل متزايد ومؤسف، وقمع الإحتجاجات الفئوية التي كان آخرها احتجاجات الأساتذة الذين فرض عليهم التقاعد، وهو الملف الذي يتحمل فيه حزب العدالة والتنمية المسؤولية المباشرة، في صورة زعيمه السيد ابن كيران، باعتباره المؤسس لمشروع التعاقد في التعليم بداية، وفي قطاعات أخرى لاحقا.. أما على المستوى السياسي، فشخصيا لا أعتقد أن مكانة حزب العدالة والتنمية تزحزت حتى خاصة بعدما حقق المصالحة الداخلية وعاد المياه لمجاريها بين الزعيم الأكبر ابن كيران وباقي زعماء الحزب. قلت أن مكانته لم تتزحزح بغض النظر عن التصاعد والاندفاع غير المفهومين لحزب التجمع الوطني للأحرار، وعن محاولات حزب الإستقلال العودة لخطابه المعتدل، الذي يوازن بين القرب من المواطن والقرب من السلطة لانه يفهم أنه الإنتخابات لا تُكسب برضى المواطنين فقط، ولا هي تُكسب برضى السلطة فقط..

• على المستوى الخارجي: هذه المرة يختلف الوضع المغربي تماما في علاقاته بالخارج، لا أستطيع القول أن المكتسبات المحققة للآن أهم وأكثر قيمة مما يمكن فقدانه في المستقبل، لكني أقول أن الإجماع المطلق الذي تحظى به مواقف وقرارات وزارة الخارجية المغربية من طرف جميع المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية مهم جدا. فبعد أن اعترفت الإدارة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه ، وقيام العديد من الدول بفتح قنصليات لها بمدينتي الداخلة والعيون، جاء الصراع مع ألمانيا و إسباينا ليزكي هذا التوافق ويعزز ثقة المغاربة في السيد وزير الخارجية بوريطة، ومعه الحكومة المغربية.

إذن، وبتأملنا في هذا التناقض بين ما تحقق على المستوى الخارجي وبين النكوص على المستوى الداخلي، سنفهم أن الإنتخابات القادمة ستلعب على محاولة  تبرير التراجع بما تحقق. أقصد أن خطاب الحزبين المرشحين بقوة لتزعم الإنتخابات القادمة، العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، سيتركز على نسب ما تحقق لنفسه وربط التراجعات بالآخر، طبعا وكالعادة الكثير من الوعود بتقويم التراجعات والاعوجاجات الداخلية.

خلاصة القول، وحتى نجيب على سؤالنا الوارد في العنوان، أعيد ما قلته قبلا عن كون الإنتخابات لا تُكسب برضى المواطنين فقط، ولا هي تُكسب برضى السلطة فقط.. ما يعني أن حزب العدالة والتنمية الذي يحظى بدعم منخرطيه الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف منخرط عبر المغرب، والذي ، على مدى 10 سنوات، فعل كل ما يرضي السلطة، هو الأقرب لتصدر التشريعيات القادمة إلا إذا ما قرر المغاربة التصويت هذه المرة بدل عزوفهم المعتاد والمفهوم.