الوعي الشقي، لا أدري أنَّى له أن يُصيبَنا، ولم يكن لنا من ذنب فيما اجْترحتْه فئة ضالعة من الغرب. أما الوعي المهزوم فلا أحد منا غابت عنه الأسباب. يقول ياسين الحافظ : “الشعوب التي تعيش حالة الفوات هي التي يُشكِّل وجودُها في عصر مُعيَّن ضرباً من غلطة تاريخية، أو مفارقة تاريخية، باعتبار أنها تعيش في مرحلة تخطَّتها شعوب أخرى… الشعوب المفوّتة هي الماضي مُلقى على هامش الراهن أو الحاضر، هي التي تعيش في غير عصرها“.  هذا هو السبب العميق، الضارب في الماضي البعيد، الذي يقف وراء الفوات التاريخي. والفوات التاريخي لا تنفع  في تخطِّيه “زرْكشة تحديثية على سطح مجتمع قديم مفوّت“. فالتحديث المفارق لا يزيد الفوات إلا استحكاماً طالما ظل العقل العربي “برميل(اً) بلا قعْر، لا يجمع ولا يراكم، مع كل صباح نبدأ تجربة جديدة، وننسى تجربة البارحة، كما لا نفكر باحتمالات الغد. على الدوام نبدأ من جديد وكأننا وُلدْنا اليوم، أشبه بفئران عاجزة عن اكتشاف أن المصيدة تصيد” (الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة، دار الطليعة، بروت ١٩٧٩). هذه الحداثة المفارقة تنضاف إلى الأسباب العميقة، السياسية والثقافية الناجمة من التبعية والاغتراب. أما الحداثة المطابقة  فمأْتاها من “الوعي المطابق“  لا من “الوعي المهزوم” الذي لا يرى المصيدة تصيد، وحين يراها تصيد فإنه يُعاود الوقوع. رُبَّ قائل يقول : “كيف لي أن أكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين، ولم ألحظ بينهم وفاقاً على كلمة سواء“. ويقول: “لن أقف مع قضية مَنْ لم يقف مع قضيتي“. ويُضيف : “قضيتي وطنية، وتلك قومية، بل “قومجية“، وشتَّان بين القضيتين“. ثم يُنهي القائل قوله بأن القضية الفلسطينية “قضية كونية“، ولا يسع الإنسان، في المطلق، سوى أن يتعاطف معها.  هل يُدْرك صاحبي أن “الوعي الشقي“، الذي  تنفُخ فيه الميثولوجيا الصهيونية كل يوم، وعيٌ لا بارد ولا ساخن، وعيٌ فاتر. والفتور تثاقُل، تواكُل، تقاعُس، ضعف، وانكسار. هو مُخاتلة،“قيءٌ أبيض” يلفظه ثم يعود فيه. صاحبي ركَن  إلى “قانون الأقوى” لأنه “دائماً الأفضل“. أخذ بالظاهر، وترك الأصل، والأصل هو الاحتلال.