من المشهور في التاريخ الإسلامي أن المدينة المنورة عرفت في العام 18 للهجرة، تحت خلافة عمر بن الخطاب (ض) وضعية جفاف، وجدب، وقحط دامت تسعة أشهر، وترتَّبت عنها مجاعة هلك فيها الزرع والضرع، وانتشر الموت، وسُمِّيت ب “الرمادة” لاسوداد الأرض من قلة المطر. في وصف “عام الرمادة“، نقرأ في الأثر ما يلي: “وكانت سنة شديدة ملمة ، اجتهد عمر (بن الخطاب) فيها بإمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف (أي الأراضي الخصبة) كلّها، حتى بَلحَت  الأرياف كلّها (أي نفِد  ما فيها من زرع) مما جهدها ذلك“. وحين جاء الغيث قال عمر: “الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يُفرجها ما تركتُ أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدْخلتُ معهم أعدادهم من الفقراء فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحدًا“٠ وكان قد عزم ، إن استمرت المجاعة، أن يُلْزم  ذوي السَّعة من الناس باقتسام أرزاقهم مع ذوي الحاجة.

الحالة الوبائية التي تعرفها بلادنا، وبلاد العالم كافة منذ ما يناهز السنة، تأتي في زمن عنوانه الثورة الصناعية الرابعة، الموسومة ب “ثورة 0.4″، المدشِّنة للتحوُّل الرقمي الكاسح لكل المجالات، والأنشطة، والمؤذنة بتعزيز الذكاء البشري بالذكاء الاصطناعي. ما من شك في أن الجائحة كانت ستكون أشد فتكاً بالناس، وأكثر إهلاكاً للاقتصاد من دون تضافر الذكائين معاً، ومن غير تكاتُف كُلٍّ من علوم الحياة وتكنولوجيا التواصل. غير أن للجائحة آثاراً جانبية، فضلاً عن الآثار المباشرة الصحية، لا ينفع معها العلم مهما بلغ من شأو، ولا تجدي فيه الخوارزميات والبرمجيات مهما بلغت من دقة. الأزمة الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، التي أصْلُها الجائحة، لا تجد العلاج  المناسب في الاقتصاد الرقمي، على أهميته، ولا حتى في الكفاية الاقتصادية للرأسمالية المعرفية، أو الإدراكية. “الرمادة 0.4″، الناجمة من جائحة كوفيد 19، مثلها مثل “الرمادة” التي سبق أن اجتاحت المدينة المنورة، ليس يُفْرجها سوى أن تُلْزِم الدولة، بالقانون، ذوي السَّعة بتحويل نسبة مقبولة من ثرواتهم إلى الصندوق الخاص بتدبير الجائحة. هذا الإجراء الاستثنائي الذي كانت من بين نتائجه الملموسة ما لوحظ من تخفيف لوطأة الفاقة عن ذوي الحاجة، ومن تدارُك لغيض سبل الرزق، ينبغي أن يتحول إلى ميكانيزم دائم، ويندرج في إطار منظومة وطنية متكاملة للحماية الاجتماعية قوامها العدل، والإنصاف، والتضامن، آليتها السياسة الجبائية التصاعدية، وغايتها  العيش المشترك، وتفادي الهلاك المشترك.