هل تملك النيابة العامة المختصة أدلة تدين المعطي منجب؟
عندما يتعلق الأمر بتهمة غسل الأموال، فأول شيئ ينبغي التأكد منه من طرف قاضي التحقيق، الذي تم تكليفه باجراء التحقيق، هو مصدر الفعل الجرمي المفترض.
آراء أخرى
بمعنى آخر، هل الاموال التي يتهم أي شخص بغسلها أموال قذرة ومتحصلة من جريمة أصلية ينص عليها القانون؟
كما هو معلوم، فإن الجرائم التي تدخل في إطار جريمة غسل الأموال، حددها المشرع على سبيل الحصر، وقيدها بشرط وجود علم مسبق بها!
في قضية الأستاذ والمؤرخ، المعطي، وبحسب ما رشح في وسائل الاعلام، هناك حديث عن شبهة غسل الأموال، بحجة أن المعطي منجب، تلقى أموالا من الخارج، وتصرف فيها بشكل شخصي!
السؤال: هل هناك ما يفيد أن تلك الاموال التي حصل عليها المعطي منجب، أموالا قذرة، ومتحصلة من جرائم، تشكل أساسا قانونيا لمتابعة الرجل بتهمة غسل الاموال؟
هل تسلم تلك الاموال وتبييضها في مشاريع تم أعادها للجهة التي تحصل عليها منها؟
في ظل وجود شبهة غسل الأموال فقط، وفي غياب اي حالة تلبس، ألم يكن حريا متابعة الرجل في حالة سراح خصوصا وأنه يتمتع بكل ضمانات الحضور؟
ألم يكن من الاولى، فتح بحث معمق من طرف قاضي التحقيق، للتأكد من مدى صحة التهم الموجهة له من الناحية القانونية، قبل اتخاد قرار متابعته في حالة اعتقال؟
اللجوء الى إحالة الملفات على قضاء التحقيق من طرف النيابة العامة المختصة، قصد فتح تحقيق اعدادي فيها، إجراء قانوني لا غبار عليه، ولكن مع كل ذلك، يظل قرار المتابعة في حالة اعتقال في ظل غياب حالة التلبس، وفي ظل وجود اجراءات قضائية بديلة، قرارا مؤلما، لأن الاعتقال الاحتياطي هو الاستثناء وليس القاعدة، وبسببه يمكن أن يظل أي متهم في السجن لشهور طويلة، كما حدث مع الصحفيين، سليمان الريسوني، وعمر الراضي!
المقال الذي نشره الأستاد صبري الحو في عدد من المواقع، نبه الى خطورة المساس بحرية الانسان التي تبقى هي الاصل، من خلال اللجوء الى قرارات لا تأخد بعين الاعتبار عدد من الضمانات، بل ويمكن ان تصبح متعارضة مع الفلسفة الحقيقية من وجود القانون، ومع حق الانسان في الحرية!
وبالتزامن مع طرح هذه المخاوف من طرف التعبيرات الحقوقية، وبعض رجال القانون، خرجت بعض الجهات، تروج في عدد من المواقع التشهيرية، أن النيابة العامة المختصة تملك أدلة إثبات ضد الأستاذ والمؤرخ، المعطي منجب، الذي يتابع اليوم في حالة اعتقال، بقرار قاضي التحقيق، بعد إحالته عليه من طرف النيابة العامة المختصة، بل واعتبرت أن الاموال التي تحصل عليها أموالا قذرة، قبل أن ينهي قاضي التحقيق عمله!
طيب يا سيدي، لماذا لم تتم إحالته مباشرة على قضاء الحكم من طرف النيابة العامة، وهذا من حق مكفول لها قانونا؟ لماذا أحيل الرجل على قاضي التحقيق، اذا كانت النيابة العامة المختصة، تتوفر على وسائل الاثبات إذن؟
لكل غاية مفيدة، يعتبر قضاء التحقيق مؤسسة قضائية قائمة بذاتها، تتموقع بين البحث التمهيدي، الذي تشرف على مجرياته النيابة العامة، وبين المحاكمة، كمرحلتين من مراحل الدعوى العمومية.
والغاية من التحقيق الجنائي، وفق ما ذهب الى ذلك الأستاد عبد العالي مصباحي، وهو محامي عام بمحكمة النقض، في كتابه القيم نظرات في القانون، هي جمع الأدلة المشروعة، التي من شانها إثبات وقوع الجريمة، وكشف مرتكبها، ثم النظر في قيمتها القانونية والموضوعية، لمعرفة ما إذا كانت كافية، لإحالة الشخص الذي يجري التحقيق معه الى محاكم الحكم من أجل محاكمته، أو غير كافية، لاتخاذ قرار عدم المتابعة من طرف قاضي التحقيق.
بهذا المعنى القانوني الصرف، يظل قضاء التحقيق، هو الجهة الوحيدة التي تفصل في مدى كفاية الأدلة من عدمها، للقول بتوفر عناصر الاتهام.
إذن، كيف يستقيم الحديث عن وجود إثباتات لدى النيابة العامة ضد المعطي منجب، مع قرار إحالته من طرف هذه الأخيرة على قاضي التحقيق؟
تصريحات من هذا القبيل، تشوش على مسار الملف، وتبخس عمل قضاء التحقيق، بل تعطي فكرة للرأي العام بطريقة غير مباشرة، على أن الغرض من احالة المعطي منجب على قاضي التحقيق، ومتابعته في حالة اعتقال، هو الزج به في السجن لشهور، في انتظار ما يسفر عنه قرار قاضي التحقيق، الذي يحال بدوره على النيابة العامة المختصة، قصد الاطلاع عليه وتقديم ملتمساتها في شأنه!
الادعاء بأن النيابة العامة تملك أدلة إثبات ضد منجب، كلام غير مسؤول، وغايته الأساسية هي التأثير على القضاء.
عندما لا تحترم قرينة البراءة، ولا تحترم سرية التحقيق، ولا تحترم مؤسسة قضاء التحقيق، ويتم الحديث باسم النيابة العامة المختصة بشكل فج من طرف البعض، فأي دولة للحق والقانون بقيت؟
