هل يبدو ان العالم انشغل اكثر من الازم بمجريات الانتخابات الرئاسية الأمريكية ام كان عليه أن يكون طذلك أو أكثر ؟ لأن مصير العالم وعلاقات الدول ببعضها تحدده الشخصية التي تحل بالبيت الأبيض عطفا على أن يكون جمهوريا او ديموقراطيا ، لذا في كل اربع سنوات يشد العالم أنفاسه عند حلول الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا الإنشغال بمثل هذه الإستحقاقات الانتخابية وبهذا الشكل الكثيف يطرح أكثر من سؤال ، كما لو أن هذا الحدث السياسي الداخلي سيحدد المصير السياسي والإقتصادي والإستراتيجي  لكثير من مناطق العالم وسيغير  المواقف السياسية الدولية ،وكل هذا الاهتمام تأكيد واضح أنها استحقاقات انتخابية مؤثرة في العديد من جوانب والقطاعات في دول العالم وهي مفتاح لعدد من الأزمات السياسية والإقتصادية والتوترات المسلحة في عدد من مناطق الحروب كاليمن وسوريا والشرق الأوسط بصفة عامة وكذا في اذربيدجان وأرمينيا.

إن انشغال دول العالم بهذه الانتخابات تبرز مكانة الولايات المتحدة وسياستها في مآل عدة قضايا دولية ودورها في تسويتها أو استمرارية توتر ها كما هوالحال بالنسبة للقضية الفلسطينية التي عرفت في عهد ترومب نكسة تشبه نكسة 1967، بحيث كان ترومب قدم شيكا على بياض لتل ابيل باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل إعطاء الضوء الأخضر بخصوص المستوطنات وضمها لمزيد من الأراضي الفلسطينية كما لو أن ترومب هو من يمتلك الحل والعقد في هذه المنطقة ،من هنا تبدو أهمية انتخابات الرئاسة الأمريكية للفلسطنيين الذين لم يعودوا يراهنوا عن قاطن البيت الأبيض لأنهم اكتووا بنار قراراته منذ اكثر من 70 سنة ومن حربائية بعض ساساتهم الذين ركبوا القضية الفلسطينية لتكريس الاحتلال الصهيوني وامداده بكل ما يلزم من الأسلحة وصناعتها مما خلق تفوقا على كل دول المنطقة وأصبحت إسرائيل دولة نووية وقوة عسكرية هائلة بدعم سخي من الولايات المتحدة الأمريكية لأنها حارسة لمصالحا في الشرق الأوسط والساهرة على أمن آبار النفط في الخليج والسعودية والمؤمنة عن استثمارتها هناك ، مقالب أيضا حماية الأنظمة المستبدة التي سلمت كل ما لديها لأبناء العم سام وفي المرحلة الأخيرة سلمت أمرها لإسرائيل عبر التطبيع الحثيث الذي بدأته الإمارات ومن قبل مصر والأردن والبقة آتية لا محالة ، هذا جانب من أهمية تتبع انتخابات أمريكا التي تجري هذه المرة بشكل مختلف لأن الجدل والصراع الذي خلقه ترومب حولها من أجل البقاء في السلطة لولاية ثانية تعكس إصراره من أجل إصدار قرارات مهمة تغير وجه العالم كاستمراره في بناء الجدار ومنع المهاجرين وتشديد قوانين الهجرة ومواجهة الصين تجاريا وصناعيا وماليا والضغط المستمر على إيران ومواقفه حول المناخ وكيفية مواجهته لكورونا التي جعلت من أمريكا بؤرة عالمية . من أجل كل ذلك وأكثر ستعيد  نتائج الانتخابات الأمريكية رسم خريطة للسياسة الدولية وعلى أساسها ستحين الدول استراتيجيتها للتعامل مع الساكن الجديد للبيت الأبيض  . و من خلال كل هذه الضجة الإعلامية بمختلف أنواعها التي صاحبت تلك الانتخابات وكذا تعدد التحاليل من كل التخصصات ، نستشف أن الأمر الإنتخابي هذا له من الأهمية التي تتوقف عليها سياسة العالم في كل البقاع ، والحال أنها مجرد انتخابات محلية لرئيس دولة ، إلا انه ليس كذلك لأنها دولة عظمى وتمتلك قدرة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها، وتدخلاتها عبر العالم لها أثرها الواضح، إلآ أن هذا الأمر ليس كذلك بالنسبة للإنتخابات روسا ولا فرنسا وحتى الصين ، صحيح يتم تتبع انتخابات هذه الدول ولكن ليس على نطاق شعبي وعلى نطاق واسع بهذا الشكل وبهذا الزخم ليشمل العالم بأكمله.

إن الانتخابات الأمريكية لها نكهة خاصة هذه المرة ، لأن أحد المرشحين وهو الرئيس” دونالد ترامب” فعل ما لم يفعله أيا  من الرؤساء السابقين 46 لا من حيث الإنجازات السياسية فحسب بل من حيث الجدل التي أحدثه  شخصه لما جاء كمفاجأة انتخابية سنة 2016  كمرشح جمهوري وهو لم يكن سوى ممثل التلفزيون الواقعي وملياردير عقاري،قضى اربع سنوات في البيت الأبض وهو يخطط ليوم 3 نوفمبر2020 يوم إجراء الإنتخابات الأمريكية لأنه يقال أن الرئيس الأمريكي دوما يقضي الأربع سنوات ولا يفعل الكثير من أجل أن يوعد الأمريكين بأنه سيحقق كل المطالب في الولاية الثانية . ودونالد ترامب استغل توتر ايما استغلال حتى قيل عنه انه“  رئيس– توتر “  بدون منازع لأنه لم يتوقف خلال ولايته  من إرسال الرسائل عبر توتر لمنافسين ومنتقديه والى وسائل الإعلام التي تنتقده أقل ما يمكن القول عنها أنها غير لائقة ، وعلى عكس غريمه جون بايدن الذي خاض غمار السياسية لأكثر من 50 سنة ومع ذلك لا يعرفه الكثيرون . فهو رجل الظل ولا يبحث عن الأضواء فحتى في قدرة القدم الأمريكية كان في اللأخير فهو الذي يوزع الكرة نحو البطل وكل حياته المهنية يقال انها كنت بهذا الشكل.  

إذن لدينا انتخابات  أمريكية يتنافس فيها مرشحان على النقيض كل في الجانب الأخر دونالد ترامب يحب الظهور والبهرجة وجون بايدن يحب البقاء في الظل والصمت والإنصات شخصيتان مختلفتان ، غير أنه من المعروف أن السياسة الأميريكة سواء الداخلية او الخارجية الاقتصادية أو الأمنية،لا يصنعها من يسكن البيت الأبيض لمدة أربع سنوات بل إن الدولة الأمريكية العميقة التي تشكلت منذ 1776 من خلال الثورة التي تأسست على المساواة وتأمين الحقوق ، وإن كان الزمن السياسي الأمريكي يتخلله الكثير من خروقات لحقوق الإنسان وآخرها مقتل فلويد وأعتقد أنه ليس الأخير لأن الكراهية والتمييز بين الأشخاص في العرق والإعتقاد والقناعات الفكرية كلها مؤشرات الى تدني الديموقراطية وسقوطها بل مؤشرات لوقوع حروب مدنية وأهلية بين السكان خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تضم اكبر عدد من الأقليات من كل بقاع العالم ولن تكون وتستمر في أن تكون القوة العظمى إن لم تقو بنيتها الديموقراطية وتجعل من شعبها الذي يفوق 322 مليون وفق إحصاء 2016 شعبا يعرف معنى التسامح والتعايش عبر تكريس التعليم وفق مبادئ المساواة بين البشر وتساوي الحقوق والحريات  .  لذا كله فالعالم يتتبع الانتخابات الأمريكية لأن الرئيس الحالي حفر هوة كبيرة بين مكونات الشعب الأمريكي ونشر الإحساس بالعنصرية داخليا ودوليا بتصرفاته وقراراته وخطاباته المستفزة ، وهذا الأهتمام جاء خوفا من المفاجئ والى انشغال الطرفين ، الأول يريد سقوط ترامب لأنه كسر كل قواعد التاعامل الدولي واعتبر السياسة عمليا كعمليات البيع والشراء العقاري ، فما كيفية جلوسه مع بن سلمان السعودي على طاولة المفاوضات وهو يمسك نموذجا من صور الأسلعة والسلع التي يريد بيعها للسعود يشبه تماما البائع المتجول في إحدى أزقة  وحارات المدن العربية او شبيه بعطار في أحد دوووير القرى المغربية ، أما الطرف الثاني فيريد فوزه لأنه لأنه تدخل في الشؤون الداخلية لعدة بلدان من أجل فرض واقع خارج التسويات الأممية كما هو حا القضية الفلسطينية واتحوله رئيس أمريكا الى وزير خاجية إسرائيل وناطقها الرسمي فيما يخص حل القضية من وجهة نظر هذا الرئيس الذي خرج عن كل قواعد السياسة الدولية ومبادئها، لذا نراه يحضن التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان مقابل لاشئ للفلسطينيين وهذا ما سيزيد في التوترات في منطقة الشرق الأوسط والعالم إن فاز بهذه الانتخابات. 

غير انه هل ستتغير السياسة الدولية إن فاز بيد او سقط ترامب ، ؟ سؤال لن تكون الإجابة عنه بالسلب والإيجاب لأن السياسة الدولية ليست أمريكا وحدها المؤثرة فيها بل هناك لاعبون دوليون اساسيون كالصين وروسيا والإتحاد الأوروبي ، فمثلا الصين ستكون لها مواقف صارمة تجاه ترامب لو أعيد انتخابه لأنه هذا الأخير وضع سجلا أوءا في علاقة بلاده بالصين خاصة في ملف التبادل التجاري والضرائب وملف الوباء ، في حين أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي خاصة وأنها بزعامة بوتين الرجل القوي في روسيا الحالية يريد استعادة مجدها ما قبل غورباتشوف ويبعد أمريكا من التدخل فيالصراع بين  اذربيدجان وأرمينيا ، اما الإتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي الكلاهما يتأرحج بين البقاء في مظل لاالولايات المتحدة والوخروج منها ، إلا أن اروبا ليست بمقدورها اتخاذ قرار حاسم في الوقت الراهن نظرا لهذا التأرجح بين مكونات الإتحاد واختلاف مصالحها الإستراتيجية.