حنين إلى الماضي الذي تخيلناه أليما!
اشتقت لتلك الأيام التي كنت ادخل فيها إلى زقاق الحي الذي اقطن فيه فأشم رائحة السردين مقلي تخرج من أبواب البيوت كل يوم أربعاء، لأن المدينة لم يكن يصلها السمك إلا من خلال سوقها الأسبوعي، مع العلم أنها لا تبعد عن بعض المدن الساحلية إلا بحوالي 80 كلم على أبعد تقدير!
آراء أخرى
اشتقت لتلك اللحظة التي كنت اعترض فيها سبيل العربة المجرورة بدابة عند مدخل حينا أولاد الغازي، وأركض خلفها إلى حين توقفها بالقرب من الزقاق الذي أسكن فيه، لكي أغنم شيئا مما تسوقته أمي من السوق الأسبوعي ليوم الأربعاء الذي كنا نحسبه عيدا أسبوعيا!
اشتقت لرائحة القهوة السوداء، التي كانت تنبعث من أغلب البيوت عند الساعة الخامسة من مساء كل يوم، في انتظار قدوم سي المعطي مول الحليب رحمه الله على مثن دراجته الهوائية، التي تحمل في الخلف قنينة حليب من الحجم الكبير تغطي حاجيات ساكنة الدائرة 21 بحي اولاد الغازي…
اشتقت لتلك الوقفة الجميلة أمام سقاية حينا، والى تلك الفتيات الرائعات والجميلات، اللواتي كن يؤثتن هذا الفضاء الرهيب،الذي لازلت أتذكر أدق تفاصيله كما لو أنا لأمر يرتبط بوقائع تعود إلى الأمس القريب!
نعم، اشتقنا لماضينا الجميل الذي كنا نتخيله أليما، والعكس هو الصحيح. لقد كانت حياتنا لعب، ولهو، وتفاخر، وتكاثر، وكان فقرنا مصدر طموحنا في الحياة، وكان تضامن الجيران الذي فقدناه اليوم للأسف الشديد، مصدر قوة الجميع!
لم نكن ننزعج من وصفنا بأوصاف طبقية من قبل جيراننا في الضفة الأخرى من الوادي، الذين كانوا يسكنون بيوتا من إسمنت كنا نراها قصورا، تقابلها بيوتنا الطينية المسقفة بالقصب وأمدة الخشب!
لقد كانت فضاءاتنا الطينية أجمل من فضاءاتهم الإسمنتية، وكلما شعرنا بايدائهم الاجتماعي لنا كلما وظفنا الورقة الأخلاقية في مواجهتهم، لكن عندما كبرنا، وهجرنا بدورنا إلى الضفة الأخرى، فهمنا أن المشكلة ليست في تناقضنا الاجتماعي الذي اختزلناه في صراع الطوب والإسمنت، بل في منهجية تدبير الشأن المحلي للمدينة من طرف نخب محلية جشعة، كانت تعرف كيف توظف تلك التناقضات، ولازالت إلى حدود اليوم، لخدمة توازناتها ومصالحها الانتخابية، في مدينة أخد منها الفساد أكثر مما أخدته التنمية!
باختصار شديد، كانت الضفة الغربية، التي لم تأخد حقها من التنمية إلى حدود اليوم بمدينة سيدي سليمان، تشكل رأسمالنا الكبير، وكنا نرى فيها كل شيء. كانت بكل تواضع، هي مدرستنا الأولى في الحياة التي تعلمنا فيها الكثير من الأشياء الثمينة جدا.
