كثيرا هم الذين يترافعون سياسيا حول أهمية احترام أحكام الدستور انطلاقا من قناعتهم الراسخة بأهمية ذلك في مسار بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات وفي تكريس الخيار الديمقراطي كثابت دستوري.

وقد كتبت شحصيا عشرات المقالات أرد فيها على عدد من الآراء والأفكار والدعوات الرامية إلى انتهاك أحكام الدستور، وفرض سياسة الأمر الواقع على المغاربة خارج إطار هذه الأحكام، وقد كان جمهور التحكم يصنفنا في خانة المدافعين على التيار الاسلاموي الذي يتولى تدبير الشأن العام مند سنة 2011 إلى حدود الآن، في حين أن الحقيقة غير ذلك، لأننا كنا ندافع على الدستور، وكنا ضد أي موجة ارتدادية تعود بنا إلى مرحلة ما قبل 9 مارس 2011.

  ولكن المفارقة التي يتعين علينا طرحها اليوم كمراقبين مستقلين، هي أنه إذا كنا ندافع على شرعية الحكومة المنتخبة، وعلى شرعية التعيين الدستوري لرئيس الحكومة وفق مقتضيات الفصل 47 من الدستور، في الوقت الذي يقبل فيه الجزء الأكبر من الطبقة السياسية، بما في ذلك الحزب الاسلامي الذي يتولى تدبير الشأن العام، بانتهاك أحكام الدستور الواردة في باب الحقوق والحريات، ضد شرفاء الوطن من حقوقيين وصحفيين ونشطاء اجتماعيين، فأي قيمة بقيت للدستور، ولشرعية المؤسسات المنبثقة عنه، ولنتائج الانتخابات التي أفرزت لنا حكومة بدون طعم؟

أعتقد بأن النخبة الديمقراطية في البلاد، ولا سيما، تلك التي تتمتع باستقلالية تامة عن مراكز القرار السياسي والحزبي، تواجه معضلة حقيقية،لان دفاعها عن الدستور، وعن الديمقراطية، وعن شرعية الانتخابات، يستفيد منه طرف سياسي انتهازي، وغير قادر على الدفاع عن حقوق المواطنين والمواطنات، ومستعد للتعايش مع السلطوية إلى أبعد حد، بشرط ألا يتم المساس بمصالحه وبتموقعه في مربع السلطة.

انها معضلة حقيقية، عندما يجد المجتمع الديمقراطي والحر نفسه محاصرا بين معسكرين: معسكر الفساد والاستبداد الذي لا تهمه أحكام الدستور، ولا شرعية الانتخابات، ولا حقوق الانسان،  ولا حرية الرأي والتعبير والصحافة، ويسعى بجميع الوسائل إلى التحكم في كل مفاصل الدولة، وبين معسكر انتهازي وصولي لا يدافع عن حقوق الإنسان إلا في إطار مصالح ضيقة، ولا تعني له نتائج الانتخابات إلا الدفاع عن تموقعه في السلطة، ولا يعني له الخيار الديمقراطي شيئا إلا عندما يشعر بأن هناك من يريد سحب البساط من تحث أقدامه!

معادلة الصراع السياسي في المغرب غير متعادلة، والأحزاب السياسية التي تؤثت المشهد السياسي الوطني، أحزاب انتهازية وتقودها نخب مستعدة لفعل أي شيئ، إلا التضحية من أجل دمقرطة هذا البلد، ومحاربة الفساد والاستبداد الذي نخره من الداخل!

لماذا سيقضي توفيق بوعشرين سنوات من السجن اذا كان الصراع السياسي في المغرب تدور رحاه بين معسكرين انتهازيين؟ لماذا سيقضي حميد المهدوي ثلاثة سنوات في السجن إذا كان معسكر السلطوية ضده ومعسكر الإصلاح الانتهازي غير قادر على دعمه والدفاع عنه؟ لماذا سيعتقل سليمان الريسوني وتعنف خديجة الرياضي ويطوق عنق علي انوزلا بقانون الإرهاب إذا كانت الطبقة الحزبية التي تستفيد من معاركهم ضد السلطوية لا تقدم اي شيئ للمجتمع ولا تستطيع الدفاع عنهم في مواجهة التماسيح التي تلتهم الأخضر واليابس؟

نعم الطبيعة تخشى الفراغ، ومن الصعب جدا اللجوء إلى خيار الانسحاب في ظل هذا الوضع الصعب، ولكن عندما لا يكون هناك خيار ثالث، ويكون المجتمع موزع بين معسكرين، وتكون الأغلبية فيه صامتة، وغير قادرة على تحريك المياه الراكدة وقلب معادلة الصراع، فإن الاستمرار في النضال ضد السلطوية، لا يخدم مصلحة الديمقراطية والديمقراطيين، بل يخدم مصالح التيار السياسي الانتهازي الذي يأكل البارد كما يقال!