يعتبرالمقدم والشيخ من  أعوان السلطة، وليسوا رجالا للسلطة، ولا ينطبق عليهم القانون الذي يخص رجال السلطة.

المقدم والشيخ، عبارة عن أذرع للسلطة، يتم توظيفها بناء على حاجيات هذه الأخيرة في الزمان والمكان، إما بناء على طلب ممن تستهويهم هذه الخدمة، وإما بناء على اختيار رؤساء أقسام الشؤون الداخلية في العمالات الذين يشتغلون تحت سلطة العمال، وذلك وفق المعايير التي يرونها صالحة في عملية الاستقطاب، حتى لا نقول التوظيف، لأن الولوج إلى الوظيفة يظل مؤطرا بقوانين خاصة، في حين أن تشغيل أعوان السلطة يخضع لحسابات ومعايير خاصة بمزاج السلطة صاحبة القرار!

المقدم والشيخ كأعوان سلطة، لا يتوفرون على منصب مالي، وغالبا ما يتقاضون أجورهم من حسابات  خصوصية لوزارة الداخلية، ويتمتعون ببعض الامتيازات، مثل الهاتف النقال، والدراجة النارية، لتسهيل مأموريتهم في الإحاطة بكل شاذة وفادة، تحدث في المجال الجغرافي الذي يتحركون فيه!

دور المقدم والشيخ في بنية السلطة، هو جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، ورصد عدد من المخالفات التي تحدث في الفضاء العمومي، أو داخل الفضاءات الخاصة إذا توفرت لهما إمكانية ذلك، وإبلاغها في الحين، إلى رجال السلطة الذين يشتغلون تحت إمرتهم، لكي يتم إجراء المتعين في شأنها، بعد تقييم قيمتها!

المعلومات التي يوفرها المقدم والشيخ، لمسؤوليهم في الإدارة الترابية، يمكن أن تكون لها علاقة بنشاط ديني لفرد أو جماعة من الأفراد، أو بنشاط سياسي لفرد أو جماعة من الأفراد، أو بنشاط نقابي، أو بنشاط حقوقي، أو بنشاط فايسبوكي، أو بتجمهر لجماعة من المواطنين، أو بمخالفات ترتبط بمجال البناء أو التعمير، ويمكن لهم، أن يوفروا معلومات تخص الحياة الخاصة لرجال السلطة، ولغيرهم من المسؤولين في باقي القطاعات!

يتوفر المغرب على 12 جهة، وكل جهة تتوفر على عدد من الأقاليم، وكل إقليم يتوفر على كم هائل من القيادات، والدوائر، والملحقات الإدارية، والباشويات. بمعنى، أن المغرب يتوفر على عدد هائل من المقدمين والشيوخ، في المدن وفي البوادي والمداشر، وهو العدد الذي لا توجد أي إحصائيات رسمية بخصوصه.

الثابت أن العدد الإجمالي للشيوخ والمقدمين في المغرب، لا يعرفه إلا مسؤولي  وزارة الداخلية،  ومسؤولي الأجهزة الأمنية ذات الطابع الاستخباري، بالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي تربط كل هذه الأطراف بأعوان السلطة.

رغم هذا العدد  الهائل  من أعوان السلطة، ومع ذلك، لايوجد أي إطار قانوني يحدد نوعية مهامهم، ويضبط مجالات تدخلهم وحدودها، رغم أنهم يعتبرون بمثابة العمود الفقري لوزارة الداخلية، ومن المصادر الرئيسية للمعلومة بالنسبة للإدارة الترابية بكل مكوناتها، وفي أحيان كثيرة، يتحولون إلى مصدر معلومات مهم جدا، لمسؤولي   الأجهزة الأمنية.

نحن أمام بنية مهمة جدا، غير أنها تبقى غير خاضعة لقوانين شفافة، من حيث طرق التشغيل، ومن حيث نوعية المهام، ومجالات التدخل، الأمر الذي يجعل سلوكيات أعوان السلطة، خارج نطاق ربط المسؤولية بالمحاسبة!

لقد أثبتت العديد من الأحداث والوقائع أن  تدخلات أعوان السلطة، غالبا ما تتسم بالعنف، وتثير الكثير من الجدل على المستوى الحقوقي والإعلامي، الأمر الذي يدفع إلى طرح العديد من الأسئلة الموضوعية، حول وظيفة هذه الفئة داخل بنية السلطة بوزارة الداخلية.

هل يحق لأعوان السلطة إنفاذ القانون؟ أم أنهم مجرد أدوات لإنفاد القانون من طرف رجال السلطة؟ هل يحق لهم ممارسة حق العنف المشروع في إطار ما يسمح به القانون للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون؟ أم أنه لا حق لهم في ذلك وأن أي عنف بصدر عنهم يستوجب المساءلة والعقاب الجنائي؟ هل يحق لهم ضبط المخالفات والمخالفين لقوانين التعمير؟  أم أن دورهم يقتصر فقط على تبليغ رجال السلطة بذلك، مادام انهم لا يتوفرون على الصفة الضبطية؟

واقعة تاونات التي أثارت ضجة كبيرة، بسبب وفاة إمرأة، لجأت  السلطة إلى هدم بيتها، بسبب مخالفة للبناء والتعمير تعود إلى أكثر من سنة، حسب إفادة أحد أبناء الهالكة، الذي اتهم  رجال وأعوان السلطة بقتل أمه بعد رفض الأسرة تقديم رشوة للمقدم، ووقائع أخرى ارتبطت في الآونة الاخيرة، بتدبير جائحة كرونا في عدد من المدن، أحداثا ووقائعا  خلقت قلقا حقوقيا كبيرا،  وأعادت طرح الكثير من الأسئلة الشائكة، حول الأدوار التي يمارسها أعوان السلطة؟ وحول مدى حاجة الدولة اليوم إلى عدد كبير منهم في زمن الرقمنة؟

لا أدري ما الذي يمنع وزارة  الداخلية من ضبط مجال تدخل أعوان السلطة،  ووضع إطار قانوني خاص بهم، يحدد كيفية توظيفهم، وشروط ذلك، ومعايير الاختيار، ومجال التدخل، ونوعية المهام، والمؤهل التعليمي، مادام أن الأمر يتعلق بفئة عريضة داخل بنية السلطة، خصوصا، وأن هناك عدد كبير من المقدمين والشيوخ، الذين يتوفرون اليوم على شواهد جامعية لا يتوفر عليها حتى رجال السلطة، بل منهم من يقرأ للجابري، وكانت، وارسطو، وهايدجر، وسارتر!