لا أحد يمكنه ان يجادل في قوة الرأي العام وسلطته، هذه القوة التي تخضع لمؤثرات كثيرة، أحيانا في صيغة الموجه، وأحيانا في صيغة المفجر، وهي سلطة لا تخضع للقوانين معينة، ولا تحكمها محددات مؤكدة، هذا الفائض من منسوب السلطة، السلطة الرمزية، التي تعلي شأن الضعاف، وتحتقر مدعي القوة والمال.

سلطة الرأي العام، تطورت بتطور تقنيات التواصل الاجتماعي، واختزلت المسافات، وأضاءت كل الأرجاء المظلمة، يكفي ان يئن ضعيف او محتقر أنيناً خفيفا، كي يقيم أنينه الدنيا ولا يقعدها إلا على نعش الظالم المتجبر.

هذا التفاعل مع آلام الناس، وتقاسم آهاتهم، يحدث صداه في المدى البعيد بفضل تقنيات التواصل الاجتماعي الواسعة، هذا الصدى ورجعه، يقض مضجع الظالمين، لأنه عرى ظلمهم، وأماط اللثام عن ابشع ما يعانيه، ويكابده أبناء جلدتنا من ظلم وحيف، يمارس عليهم تحت مسميات كثيرة.

سلطة الرأي العام، صخرة تتحطم عليها الأحلام الوردية للساسة، من يقتسمون كعكة البلاد على هامش لياليهم الحمراء، وكأن بلادنا مجرد أراضي فلاحية، وصفقات بالملايير ،وعقارات فخمة، وكأن الوطن مجرد أسهم في بورصة، يتدوالها بينهم، اهل العقد والحل.

سلطة الرأي العام افسدت اللعبة، واختفت معها شهية التهام كعكة البلاد، وكم من فرص ذهبية ضاعت، كما أضيع أنا في ابتسامة صبي في هذه البلاد، ما ادراه بما ينتظره من حواجز عليها، أن يجابهها، لعله يحظى بمستقبل، يحفظ كرامته ويقيه من عار نظرات المجتمع القاسية، التي لا تجيد سبر اغوار بلادنا، كل شيء فيها لا يحتكم للمنطق، الذي من المفروض فيه ان يحظى المعطل بشغل يحفظ كرامته، ومريض بحقه في العلاج، وأستاذ بحقوقه كاملةً، لا قطرات غيث في صحراء ظروف مهنية جافة ومجحفة، وموظف بالكاد يربط بين الشهر والشهر بفائض كبير في الدين، لا يعلم كيف سيتدبره اللهم قوله بعد أرق طويل مدبرها حكيم.

سلطة الرأي العام هي سلطة مجتمع، والمجتمع هو هؤلاء المحرومين والمضطهدين، واجتتاث هذه السلطة ،معناه إسكات مجتمع ومصادرة حق أفراده في التعبير عن ما يعتمل داخل حيواتهم المظنية والقاسية.

مصادرة هذه السلطة، معناه موتوا وانتم صامتين، وأن لم تقبلوا الصمت، فالسجن في انتظاركم، واي حل هذا الذي يأتي بمزيد من المتاعب، وهل المواطن المغربي له من القوة والجهد، كي يواجه متاعباً، تزيد عن متاعبه الشخصية؟

ما لا تستسيغه أي تستوعبه القوى المضادة للمجتمع، كون اخر ما تبقى لهذا الشعب اليائس، هي سلطته في التعبير، ولو أنها في بعض الأحيان، لا يحتكم لها، ولا يؤخد بها، ولكن على الأقل كما يقال في لساننا الدارج “الإنسان يبرد جنونوا”.

دستور 2011 لم يأتي لأن الدولة تكرمت به على المجتمع، ولكن لأن الالاف من هذا المجتمع، قالوا بصوت واحد، كفى نريد التغيير، وعلى ضوء ذلك الصوت، الذي هز أركان المغرب، انبثق الدستور السادس للبلاد، بمكتسبات كثيرة، يتضح جليا بعدما جرت مياه كثيرة تحت جسر هذه العلاقة السببية والجدلية بين المجتمع والدولة، أن هذه الأخيرة ماضية في طريق التراجع عن تلك المكتسبات، عبر تقويضها بقوانين، عهد إليها في الأصل استكمال تنزيل مضامين الدستور وليس تقويضه والالتفاف حول مقتضياته بتخريجات يقف ابليس حائرا أمامها.

اذ كان من درس ينبغي أن يتعلمه كلا الطرفين، أي الدولة والمجتمع ،أن دستور 2011، باعتباره تعاقدا بين كلا الطرفين،  يشكل مرجعاً، وأن أجيال العشرية الأخيرة، لازلت على قيد الحياة، وعلى قيد الحلم ببناء دولة تتسع لجميع أبنائها وبناتها، لا دولة لفئة على حساب أخرى، فالعيش جميعا مهما تناقضت الأطراف هو ما يشكل الدولة بالحق، التي نصبو اليها كمغاربة.

سلطة المجتمع هي سلطة رمزية، وانسيابية، ومع أزمة كورونا ، اتضحت ايجابيات هذه السلطة، التي احتشد أفرادها وراء جنود الصف الأول في مواجهة هذه الجائحة، وهو ما يدل على أن سلطة المجتمع والدولة ليسا بخطين متوازين، بقدر ما هما مكملين لبعضهما البعض، إذ ما اتضحت بشكل جلي المصلحة العامة، واختفت المصالح الشخصية والانانية الذاتية النرجسية، التي تصر على تأزيم الوضع وقطع حبل الود بين الدولة والمجتمع.

اسكات المجتمع لا يخدم الا مصالح فئوية للفئات، اتضح بأن الاحتجاج الرمزي للمواطن، يعاكس امانيها وتطلعاتها، وهي فئة الأوليغارشية، التي تسعى بكل ما أتيح لها من وسائل واليات السطو على الدولة واستعباد افرادها، وهو الأمر الذي يعاكس رياح الحياة المعاصر، التي تقتضي بناء الأفراد وتقوية المؤسسات لا استغلالها.