نشرت العديد من المواقع الإلكترونية خبرا عن لجوء الحكومة إلى اقتطاع ثلاثة أيام من الراتب الشهري للموظفين  في كل من القطاع العام، والقطاع شبه العمومي، والجماعات المحلية، ستوزع على ثلاثة أشهر ابتداء من شهر أبريل، غير أن السؤال الذي ينبغي طرحه للنقاش، على خلفية هذا القرار الذي جسده منشور السيد رئيس الحكومة رقم 6/2020  هو: ما مدى مشروعية هذا القرار بالنظر إلى الأسس التي بني عليها؟

تطويع فصل من دستور المملكة، لإضفاء الشرعية على اقتطاع ثلاثة أيام من رواتب الموظفين، لصالح  الحساب الخصوصي  المتعلق بصندوق مكافحة جائحة كورونا، والذي جعل القانون المحدث له من مسألة التبرع والمساهمة فيه، أمرا اختياريا لا إلزاميا، قرارا معيبا من عدة أوجه، ويكرس الطابع السلطوي للسلطة التنفيذية بكل ما للكلمة من معنى!

فصول الدستور تفعل بقوانين تنظيمية وليس بمناشير صادرة عن رئاسة الحكومة، وقبل أن تلجأ الدولة إلى الاقتطاع من رواتب الموظفين، كان من باب أولى استشارة الأمانة العامة للحكومة بخصوص الأساس الدستوري والقانوني للقرار الذي اتخذته وأعطت توجيهاتها للقطاعات المعنية من أجل تفعيله!

ما أقدمت عليه الحكومة  من خلال توظيف الفصل 40 من الدستور، كتقنية دستورية لشرعنة قرار الاقتطاع من رواتب الموظفين ، ممارسة تنطوي على ابتزاز واضح لآلاف الموظفين، في القطاع العام، وفي القطاع شبه العمومي، وفي الجماعات المحلية!

الفصل 40 من الدستور واضح في مثنه، وينص بصريح العبارة على إلزامية المساهمة في التكاليف الناتجة عن الأعباء المرتبطة بتدبير الازمات التي يمكن أن تحدث بسبب الكوارث الطبيعية، أو الآفات، دون أي تمييز بين المغاربة، في حين أن القانون المحدث للحساب الخصوصي المتعلق بالصندوق الوطني لمكافحة جائحة كرونا، جعل من التبرع مسألة طوعية، أخدا بعين الاعتبار وضعية كل موطن في المجتمع!!

بغض النظر حول ما إذا  كانت عبارة الآفة الواردة في الفصل 40  تحتمل إسقاط مفهوم الوباء عليها، فكيف أمكن للحكومة أن تجمع بين الشيئ ونقيضه في نفس الآن؟ كيف جمعت بين شرط الإلزامية المشار إليه في الفصل 40 من الدستور؟ وشرط الطوعية المشار إليه في المرسوم المتعلق صندوق كورونا؟

أما بخصوص مبادرة بعض النقابات، والتي بني عليها بدوره قرار الحكومة، فهي مبادرة خاصة، ولاتعني إلا أصحابها، ومن معهم، ولا أظن أن المركزيات النقابية المعنية، قد اتخذت قرارا قاعديا بخصوص هذا الموضوع، وما أقدمت عليه سيكون له تداعيات تنظيمية إذا تم تفعيل قرار الحكومة، ومن غير المستبعد أن تكون مبادرتها، بمثابة  المسمار الاخير الذي سيدق في نعشها، لأنها مارست وصاية مرفوضة على الموظفين، و تصرفت بشكل فوقي حتى مع منخرطيها!!

ومن هذا المنطلق، أوجه تحية عالية للمركزيات النقابية التي لم تنخرط في تمرير القرار الحكومي، ليس لأنها غير مواطنة، بل لأنها تدرك حدود وظائفها القانونية، والدستورية، والتنظيمية أيضا، ولا تستغل الظروف لتسجيل النقاط في علاقتها بالحكومة، على حساب آهات الموظفين، الذين تحولوا مع حزب العدالة والتنمية إلى حائط قصير، يتم النط فوق ظهورهم بكل سهولة مند سنة 2011، والكل يتذكر القرارت المؤلمة التي تم تمريرها إبان حكومة بنكيران بخصوص أنظمة التقاعد!

الجزء الأكبر من الموظفين مع التضامن من أجل مواجهة هذا الظرف الاستثنائي الطارئ، وليس لدي أي شك في أن كل موظف تصرف بأشكال  تضامنية عدة داخل المدينة التي يسكنها، وفي الحي الذي يسكنه، وفي علاقته مع الجيران، او في علاقته مع الفقراء في الفضاء العام، غير أن اللجوء إلى الاقتطاع من رواتبهم بدون مقدمات،  ممارسة غير مسبوقة وفيها سلب  للإرادة الحرة لآلاف الموظفين، من خلال قرار حكومي لا يراعي وضعية جزء كبير منهم، ويكرس لوصاية مرفوضة من طرف  المركزيات النقابية التي تصرفت بيروقراطية زائدة عن اللزوم!

الموظفون الذين قررت حكومة العثماني اقتطاع  ثلاثة أيام من رواتبهم بمبالغ تتراوح حسب التقديرات الأولية بين 500 درهم إلى 2800 درهم  يتساءلون اليوم بحرقة:

ماذا قدمت لهم الحكومة لمعالجة مشكلاتهم مع المدارس الخاصة التي تطالبهم بسداد مستحقات التدريس رغم أن التدريس عن بعد كان بطرق بدائية ورغم أن تكاليف أكثرية المدارس كانت قليلة مقارنة مع الشهور العادية؟ لماذا لم تتدخل من أجل دفع مؤسسات التعليم الخصوصي إلى الاكتفاء بنصف المستحقات واقتسام الضرر مع العائلات؟ ماذا قدمت الحكومة للموظفين في علاقتهم مع الأبناك التي رفضت تأجيل الأقساط الشهرية لقروض الاستهلاك وقروض السكن التي تطوق أعناق شريحة واسعة منهم بحجة أن القرار سيشمل فقط فئات معينة؟ لماذا لم تقنع الأبناك بأن الأمر ليس بمنحة أو إعفاء بل بتأجيل فقط يرتبط بظرف استثنائي؟ لماذا لم تلتف إليهم الحكومة التي استمرت في الاقتطاع من رواتب بعضهم بسبب إضرابات سابقة عن العمل دون الاخد بعين الاعتبار حساسية الظرفية وصعوبتها؟