ان اي متتبع عادي لما يجري في الشمال السوري من عدوان عسكري من طرف الحكومة التركية ذات التوجه الاخواني،   لا يمكن له الا ان يدين هذا النوع من الاعمال المنافية للقانون الدولي ، الذي يعتبر  هذا النوع من الاعمال  احتلالا  واستعمارا  من طرف دولة لدولة اخرى لا زالت تعتبر  دولة ذات سيادة وممثلة بشكل رسمي في الامم المتحدة.

اكيد ان هذا العدوان كذالك بقدر ما يعتبر احتلالا  ،فهو كذلك يهدف الى  ممارسة  تهجير  جماعي للسكان الاصليين بغاية تغيير التركيبة البشرية للمنطقة  ،حتى  وان ادى بتركيا  الى ارتكاب ابادة عرقية في حق مكون اساسي من مكونات الشعب السوري.

بالتالي  فجريمة النظام التركي يمكن ان ترقى الى مستوى الجريمة ضد الانسانية، ولا يمكن تبريرها  بمحاربة الارهاب،  او تسميتها بمسميات اخرى .ولو ان المسالة فعلا تهدف  فقط  الى توفير  الامن القومي التركي  على الحدود التركية السورية من “خطر ” الاكراد السوريين كما يدعي  اردكان  ،لما  اقدمت تركيا بهذه المغامرة الغير  المحسوبة العواقب  ، بكل ما ستكلفه من امكانيات مادية ومالية وبشرية ، يمكن اعتبار  الشعب التركي في امس الحاجة اليها في هذه المرحلة،    ولكانت التجأت بدل ذلك  الى  الدولة السوربة ،كدولة ذات سيادة  من اجل مساعدتها ،في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها ، من أجل  توفير الامن على حدودها، كما هو متعارف عليه في الاتفاقيات الدولية بين الدول ذات الحدود المشتركة. .

لكن يبدو ان مشروع إردوغان،  هو مشروع يستند على نظرية” المؤامرة ” القائمة على خلق خصم وهمي خارجي من اجل القفز على ما يعتمر  شعوب  تركيا من مشاكل سياسية واقتصادية  ، وفي نفس الان   يروم إلى احياء امجاد تركيا العثمانية ولو  على حساب استباحة الحق السيادي للدول و لحقوق  قوميات اخرى كردية وعربية وسريالية الخ  بكل ما يشكله هذا العدوان من  انتهاك  صارخ ا للقانون الدولي و ذلك  باحتلالها دولة جارة،  واغراقها  بمليشيات ارهابية  ادخلتها عبر حدودها ،و وفرت لها قواعد خلفية للتسليح والتدريب والملاذ الامن عند الضرورة .

ان هذا الدور الذي تلعبه تركيا العثمانية في الشمال السوري يتماهى بشكل  شبه كلي مع الدور الامريكي في هذه المنطقة، رغم ما يظهر من تناقضات في ما بينهما .

فالأول يسعى الى احتلال الارض وتغيير تركيبتها السكانية   من اجل خلق امر واقع  جديد ، يؤهلها للضغط على الدولة السورية عندما تحين مرحلة مفاوضات الحل السياسي  النهائي ، وذلك بعد ان فشل مشروعها الهادف الى  تفكيك الدولة السورية واستحالة تحقيق حلم إردوغان  دخول دمشق” فاتحا ” للصلاة في جامع الأمويين..

اما الثاني فقد اعلنها  صراحة كقوة احتلال و نهب للثروات  المنطقة، التي هي ملك للشعب السوري بكل مكوناته ، بعد ان مركز قواته حول أبار النفط بذريعة حمايتها من فلول داعش . لكن كذلك ما كان ليقدم على خطوته هاته  ،لو لم  يستمل اليه بعض مكونات المنطقة  من الاكراد،  وبعض الاعراب الموالين لقطر والسعودية الذين ارتموا مع الاسف في احضان    الولايات المتحدة الامريكية ، مقابل  إغراءات مالية و  وعود زائفة  غير قابلة التحقق ،والمتمثلة في خلق كيان سياسي خاص بالأكراد  السوريين وذلك  نظرا  لتداعياته  التي ستطال  كل  الدول التي تحتضن المكون الكردي  في المنطقة ،ولن تقبل بوجوده ككيان سياسي مستقل فوق الاراضي السورية  بما فيها الدولة التركية .

لكن ما لم يستشعره الاكراد السوريين وغيرهم  من اكراد المنطقة ،كون  امريكا يمكن أن توظفهم  كورقة ضغط على الحكومات المحلية،  لكنها تدرك جيدا انها لن تضحي  بمصالحها مع بعض  هذه الدول من احل تحقيق رغبة الاكراد. في الاستقلال السياسي .وما لم يدركه ايضا الاكراد السوؤيين ان الفرصة كانت مواتية  لهم من اجل تحقيق الكثير من المكتسبات لو استفادوا من التجارب السابقة. ، و اظهروا بعض الحنكة السياسية عبر الانخراط  كقوة سياسية وطنية  تفاوضية مع الدولة   على قاعدة  مطالبهم المشروعة ، وانخرطوا  في مقابل ذلك في  عملية محاربة الارهاب  والاحتلال الاجنبي  الى جانب الدولة السورية  كضامن  لوحدة الارض وسلامة شعبها ،في تعدده العرقي والثقافي والديني.

لكن ما يثير القلق كذلك هو عدم  استفادة االدولة السورية من هذه المحنة  التي  لا يمكن حصر اسبابها. فقط  في  المؤامرة الخارجية التي نسج خيوطها المشروع الصهيو – امريكي ، حسب  المنظور الرسمي للازمة،  بل هي كذلك  نتاج اسباب اخرى داخلية  مرتبطة بالمسالة الديموقراطية وبالفساد  الاداري والسياسي الذي يخترق اجهزة الدولة، شأنها في ذلك شأن باقي دول المنطقة ، وهي الاسباب التي  وفرت الشروط الملائمة لكل اشكال  التدخلات  الخارجية .هذا  بالاضافة الى ما يحيل عليه الخطاب السياسي الرسمي السوري من تعصب قومي  للعروبة، وعدم  قدرة  الدولة السورية  والنظام السياسي السوري على تجاوز ه . بل   استمراره في تبني مشروع قومي متعب للعنصر العربي  على حساب باقي مكونات الشعب السوري  وهو ما يثير أمتعاض  هذه المكونات .  .هذا في الوقت الذي اثبتت فيه التجارب السياسية القومية في العالم  فشلها ، بعد.ان كانت  وراء قيام حروب اودت بحياة الملايين من الضحايا الابرياء خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية.

كما ان الدولة السورية كان بمقدورها في الظروف التي تمر بها ، سحب البساط  من تحت اقدام من  يريد توظيف هذا التعدد في مشاريعه التقسيمية للاراضي  السورية،  مستغلين في ذلك  الاحساس بالظلم والإقصاء  الذي يعتمر هذه القوميات ، وذلك من خلال ربط المسار العسكري  في محاربة الارهاب بمسار سياسي متقدم  ،غير مرهون بمفاوضات استانا  ولا بمفاوضات جنيف ،وذلك بالدخول في   حوار وطني شامل يعالج القضايا المصيرية. للشعب السوري في تعدده ، المتمثلة في المسألة الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ،وهو ما كان سيربك حسابات بعض دول الجوار ، التي تعيش نفس التعددية في مكونات شعوبها وتلغيها في سياساتها العمومية  لصالح هيمنة قومية محددة على باقي الا عراق  والقوميات المشكلة للشعب والوطن  الواحد، الذي من المفروض ان يتسع لجميع مواطنيه ومواطناته.

لكن  مع الاسف دائما ، يبدو ان الدولة السورية لم تستفد بعد من محنتها  ،ولا من مالات المشاريع القومية في العالم،  و لازالت مستمرة  في نهجها السياسي القديم    الذي انتفت شروط نشأته  مع خروج الاستعمار  ،وبروز الدول الوطنية في المنطقة ، ولم تدرك بعد ان ما يشهده العالم من تكتلات  سياسية اقليمية وقارية   ناجحة  راجع بالاساس  لكونها قائمة على المصالح  الاقتصادية المشتركة   والجغرافيا، وليس لكونها قائمة على العرق كما هو الشان  لمفهوم الوحدة من داخل المشروع السياسي  القومي العربي .  وبالتالي فان هذا المشروع في شكله الحالي    يجد نفسه في  تماهى كلي  مع المشروع القومي العثماتي ، وفي الحالتين   فهما يشكلان وجهان لعملة واحدة . وبناء على كل ما سبق يمكن القول انه   قد أن الاوان لاعادة  النظر في  هذه المسلمات  المؤسسة للفكر السياسي العربي وذلك  على اسس تجعل من الوحدة  الوطنية مفهوما قائما  على الاعتراف المتبادل بالتعددية الثقافية  واللغوية والعرقية لشعوب المنطقة .  .كما يمكن القول كذلك  ان النظام السياسي السوري لم يستفد بعد من سنوات الحرب المدمرة التي عانا منها الشعب السوري بكل مكوناته، والتي كانت تستوجب الجراة في طرح الحلول السياسية القائمة على تعاقدات دستورية اجتماعية وسياسية ،تروم الى احقاق الديموقراطية ،و  استيعاب الواقع  المتعدد للشعب ، ليس كأمة  واحدة قائمة على العرق العربي، بل كأمة متعددة تصون حقوق جميع  مكوناتها العرقية والمذهبية . وبالتالي كان من الاحرى على النظام السياسي السوري  والدولة السورية ،ان تتبنى مفهوم الدولة الديمقراطية  المركبة  الضامنة للحقوق والحريات  كخيار استراتيجي، من اجل حماية وحدة أراضيها وشعوبها .

واول خطوة عملية  دستورية  في هذا الاتجاه  واللازم اتخاذه هو تغيير اسم الدولة الى الجمهورية السورية ،و اسم الجيش العربي السوري بالجيش الوطني  السوري الذي يمكن ان يستوعب جميع الفصائل المقاتلة  المؤمنة بوحدة  الدولة  والتراب السوري ، ويفتح الباب بذلك   لحوار وطني شامل.