سلام تامّ بوجود مولانا الإمام

وبعد، يؤسفني، وأنا أخاطب في شخصكم الحكومة المغربية، أن أنهي إلى كريم علمكم أنّكم تستفزّون مشاعر المغاربة وتثيرون غضبهم الشّديد بموافقتكم على ما بات يُعْرف بالمادّة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020؛ هذه المادّة التي تُعْتبر هجمة حقيقية على السّلطة القضائية وعلى مبدأ فصل السُّلَط وعلى القيم الكبرى التي قام عليها دستور 2011 نفسه (يا حسرة ¬!)؛ فهي، كما تعلمون، تضرب مصداقية القضاء وتجرّد أحكام المحاكم المغربية من قوّتها الإلزامية المقرّرة دستوراً وقانوناً، وتضع بالتّالي حقوق المواطن في مهبّ الرّيح؛ إذ بعد إنفاق هذا الأخير لسّنوات عديدة من حياته في متاهات المساطر والإجراءات لمواجهة جبروت الإدارة وتعنّتها، وبعد الدّخول معها في معارك قانونية ضارية – الله وحده يعلم عذابها وكُلفتها وقسوتها –، تقولون له في الأخير بمادّتكم إياها : “أجرك على الله¬ !” (أو ما معناه في عامّيتنا المغربية : “امشي تنْبْك ¬!” أو “شدْ فْ الريح !”).

أهذه، السيد رئيس الحكومة، هي العدالة التي جعلتم منها رمزا لحزبكم ؟

أهذه هي الديمقراطية التي لطالما ناضل المغاربة من أجلها ؟

أهذه هي التدابير التشجيعية التي تروّجون لها لجلب الاستثمارات الأجنبية ؟

أهذه هي دولة الحق والقانون التي تمثّلونها ؟

أهذه هي التّدابير التي تكافئون به المواطن الذي تستخفّ الإدارة بحقوقه ؟

لا أنتظر منكم جواباً شافياً، بطبيعة الحال، فأنتم تعلمون أنّكم غير قادرين على إزاحة حصاة واحدة من جبال القهر التي تجثم على مصير المغاربة وتدفع بهم إلى ركوب أهوال البحر ومواجهة الموت لكي يتركوا لكم الجمل بما حمل.

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، إذا كنتم قد فشلتم في إدارة الشأن المغربي وأثقلتم الدولة المغربية بالمديونية الفاحشة – وهذا هو بيت القصيد – التي سوف تؤدّي بها إلى الإفلاس لا محالة (حسب رأي أهل الاختصاص)، فهذا شأنكم وليس شأن المواطن المسكين الذي يجاهد صباح مساء لمواجهة الغلاء المعيشي والفساد الإداري والخصاص الصحي والانحطاط التربوي والعجز الخدماتي… الخ، والذي إذا حصل ووصل بعد هذا كلّه وبعد جهدٍ جهيدٍ إلى استصدار حُكمٍ قضائيٍّ لصالحه ضدّ الإدارة سوف تردّونه مَلوماً مَحسوراً بمادّتكم إياها.
وهذا، للأسف الشديد، لا وجود له إلاّ في مغربنا العزيز.

ابحثوا إذاً، السيّد رئيس الحكومة، عن حلول واقعية تُخلّص الإدارة من معضلاتها، أمّا المادّة 9 التي تتوسّلون بها في مشروع قانون المالية لسنة 2020 فهي لن تفيدكم في شيء، بل إنّها من الحلول الترقيعية اللاإنسانية واللامنطقية واللاقانونية واللادستورية التي فضلاً عن أنّها سوف تبقى نقطةً سوداء في سجلاّت حزبكم فهي لن تعمل في نهاية المطاف إلاّ على إضافة الحطب إلى نار النقمة الشعبية القادمة (لا قدّر الله !).

والسلام

توقيع: كمال الخمليشي
كاتب وروائي مغربي