عندما يقبل الإنسان في أي موقع كان بمقايضة حريته بمنافع زائلة يكون قد قتل كينونته بإرادته الحرة لأن قيمة الحرية لا تقدر بأي ثمن ومن الخطأ الفادح إدخالها إلى  سوق المزاد مهما كانت الظروف!

عندما تقبل  بمقايضة حريتك بأي منفعة خاصة، فإنك تتحول الى كائن نفعي وتصبح لك قابلية فعل أي شيئ يطلب منك مقابل وصوليتك، وتجرد نفسك من باقي القيم التي تشكل كينونتك كإنسان، وتصبح في آخر المطاف شيئ مثل باقي الأشياء التي تتعرض للتلف في أي لحظة وتفقد قيمتها نهائيا!!

سياق هذا الكلام له علاقة ببروز فصيلة جديدة من “البشر” اقتحمت مجال الصحافة وهي تفتقد إلى الحد الأدنى من الأخلاقيات لممارسة  هذه المهنة التي ارتبطت تاريخيا بالضمير وضحى من أجل رسالتها النبيلة جزء كبير من الصحفيين الذين أدوا الثمن غاليا في مسارهم المهني!!

الحملات التشهيرية  التي قادتها مواقع مشبوهة ضد الصحفية هاجر الريسوني، التي تقبع حاليا في السجن بتهم ووجهت برفض حقوقي وطني ودولي، لا يكفيها وصف الاجرام، أو انتهاك أخلاقيات ممارسة مهنة الصحافة، بل نحن الآن أمام انفلات إعلامي خطير في اليلد، تقوده (مواقع صحفية) لا تبالي لا بالقانون ولا بالأخلاق، وتجد من يوفر لها البيئة الحاضنة للتمادي في ممارسة عهرها الإعلامي ضد الحقوقيين والصحفيين، وذلك  في انتهاك صارخ لقيم المجتمع و لدستور المملكة وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان!!

ما حصل لهاجر الريسوني مجرد حلقة فقط ضمن مسلسل طويل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي اقترفت في حق عدد من  الحقوقيين والنشطاء والصحفيين بسبب آرائهم  ومواقفهم ومطالبهم!!

من أين تستمد تلك المواقع قوتها؟ من هي الجهة التي توفر لها الحماية القانونية    رغم بشاعة الإنتهاكات؟

دستوريا هناك أكثر من مؤسسة مؤتمنة على تطبيق القانون، وضمان حقوق المواطنين وحرياتهم التي أفرد لها دستور فاتح يوليوز بابا كاملا في الوثيقة الدستورية. كما ان الفصل 42 من الدستور أدرج حماية الحقوق وضمان الحريات ضمن الاختصاصات المخولة لملك البلاد  نفسه بوصفه رئيس الدولة وممثلها الأسمى والضامن للحقوق والحريات.

كفى من البلطجة الاعلامية والتشهير بأعراض الناس في مواقع “العهر الإعلامي“  التي تجاوزت كل الحدود وكأننا نعيش في أدغال أفريقيا حيث يسود قانون الغاب، وليس في دولة لها دستور متقدم مقارنة مع دساتير دول أخرى، ولها رصيد محترم من القوانين التي تحمي الحقوق والحريات، ولها مؤسسات دستورية تضاهي من حيث الشكل أعرق الديمقراطيات، ولها تراكم حقوقي لا بأس به، وحضور إقليمي ودولي مهم جدا.

الذين يراهنون في حربهم القذرة ضد الحقوقيين والإعلاميين على تعبئة الرأي العام الداخلي وتأليبه ضد المنتقدين لسياسات الدولة، دون الاخد بعين الاعتبار تداعيات ذلك التشبيح الإعلامي على الصورة الحقوقية للوطن في الخارج،إما أنهم يعانون من قصور على مستوى الفهم الإستراتيجي العميق لكيفية تدبير شؤون البلد، و إما أنهم عنيدون ولا يقدرون تبعات عنادهم وإلى أي مدى يمكن أن يوصل البلد؟