في مقالنا السابق حول نفس الموضوع تحت عنوان ″حراك الريف و حَرْكة المخزن″ بتاريخ 01 يونيو 2017 بنفس الموقع، خلصنا إلى ضرورة ″مباشرة إصلاحات جذرية وعميقة تغير من تركيبة الحكم المخزني الذي كرسته الحماية الفرنسية والذي ما زال يشتغل بنفس المنطق ونفس الآليات وبأحزاب ونقابات ممخزنة لا تملك سلطة القرار ولا تؤثر في الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة″.

الآن وبعد البيان الأخير لمعتقلي الريف يتأكد بالملموس أن التغيير مستحيل في ظل هذه البنية التقليدية للحكم بالمغرب.

ولأن نشطاء حراك الريف وعلى رأسهم ناصر الزفزافي ليسوا بمغامرين حالمين أو مقامرين كما ينعتهم بذلك خصومهم، فقد أسقطوا عنهم تباعا الجنسية المغربية ورباط البيعة كتعبير لرفضهم المطلق للنفق المسدود الذي يسير فيه النظام السياسي المغربي.

وبهذا الفعل الاحتجاجي النوعي نكون قد دخلنا في مرحلة جديدة من هذا الحراك قد تؤثر لا محالة على الاحتجاجات القادمة من المناطق الأخرى المحتقنة اقتصاديا واجتماعيا.

فما هي الرسائل التي يحملها هذا البيان الأخير؟

1 – المغرب ليس للمغاربة بمختلف أطيافهم، بل لفئة استفردت بالحكم واستبدت به واستولت على الثروات لعقود طويلة ولا مجال لمناقشتها أو منازلتها.

2 – لا وجود لدولة المؤسسات بمفهومها الحديث، وإنما يتعلق الأمر بعائلات ولوبيات ترفض التخلي عن الامتيازات التاريخية التي ورثتها أبا عن جد وترى في كل حركة احتجاجية تهديدا لمصالحها الخاصة فقط.

3 – لا وجود للقانون بمعناه الأسمى الذي يحتكم إليه الجميع في الاتفاق والاختلاف، وإنما هو في حقيقة الأمر مجموعة من النصوص القانونية التي تخدم مصالح النظام الحاكم ومن يدور في فلكه.

4 – لا وجود للمواطنة كما هو متعارف عليها عالميا من حقوق وواجبات، بل المنطق السائد هو منطق السادة والعبيد. ولكل طبقة حدود لا يجب أن تتخطاها.

5 – السؤال الذي طرحه والد ناصر الزفزافي، ″من يحكم المغرب؟″ والذي يتفادى الجميع الاقتراب من الإجابة عنه، آن أوان الحسم فيه ولا يمكن أن يبقى هكذا معلقا إلى ما لا نهاية لسبب بسيط وهو..بدون تحديد للمسؤوليات لن يتغير أي شيء وستبقى الأمور على حالها إلى الأبد.

6 – المخزن كما يصفه الدكتور الراحل المهدي المنجرة، هو الذي يحكم المخزن..والمخزن لا يخدم إلا نفسه. وبالتالي فلا مناص من القطع نهائيا مع هذه التركيبة التقليدية في الحكم من أجل النهوض بالواقع المتردي على جميع المستويات.

7 – يكمن سر عراقة السلطة المركزية بالمغرب عبر التاريخ في القوة الرمزية لهذه السلطة لا في القوة العسكرية أو المادية. وانطلاقا من هذا المعطى التاريخي يمكن فهم فك رباط البيعة الوارد في البيان على النحو التالي.. القوة الرمزية للملكية بدأت تتراجع تحت وطأة القوة العسكرية لهذا النظام.

أخيرا، بإسقاط الجنسية المغربية تسقط آخر أقنعة النظام المخزني البالي..

وفك رباط البيعة بداية شرخ في رمز تاريخي لطالما التف حوله المغاربة في أوقاتهم العصيبة.