النقاش حول الوطنية اعتبره نقاشا فضفاضا وغير دقيق وسطحي، فالوطنية ليست توصيف أو وشاحا يعطى وينتزع بحسب الأهواء، هو مفهوم ممتد في الزمان والمكان، هي صفة يتبثها ويعريها التاريخ.. فقط التاريخ..

فالتجارب السابقة والسيرورة التاريخية مليئة بالأحداث والوقائع التي تؤكد أن من يعتبر وطنيا بمعايير اليوم قد يكون خائنا بمعايير الغد..

أوفقير كان الرجل الثاني في المملكة كوزيرا للدفاع والداخلية، لكنه بعد 16 غشت 1972، سجل في تاريخ المغرب كانقلابي ومتآمر على العرش…

الراحل ادريس البصري، كان يعتبر الصدر الأعظم في المملكة طيلة 25 سنة، كان اليد اليمنى للراحل الحسن الثاني، حيث سجن  وعذب وبطش بالمعارضيين، بل سجن كذلك كل من استعمل مصطلح الصحراء الغربية عوضا عن الصحراء المغربية، وكان يعتبر نفسه وفي نظر نخبة الأمس والإعلام العمومي، أنه الوطني المغوار والغيور، لكن، بعد سنة 1999، وحينما تمت إقالته مع مجيء الملك محمد السادس، تحول لأكبر معارض للملكة، بعدما هدد بالكشف عن الأسرار، بل وصل الأمر أن صار يطل على المغاربة عبر قناة الجزيرة موظفا القاموس نفسه الذي بسببه سجن عشرات الأشخاص، واصفا “الصحراء بالغربية” على قنوات عدة..فانتهي به الأمر كمهاجر سري في فرنسا “حراك” يستجدي ويمني النفس بجواز سفر مغربي..

عبد الرحمان اليوسفي، كان من أشد المعارضين للنظام الملكي، كان يعتبر بالنسبة للحسن الثاني كابوسا، حكم عليه بالإعدام عدة مرات، كان يوصف في جرائد واعلام الدولة آنذاك، بأنه عميل وغير وطني ومتآمر، لكن، شاءت الأقدار، أن يستدعي في عهد الراحل الحسن الثاني ليتسلم منصب الوزير الأول، ويشرف ويساهم من قريب في تأمين انتقال العرش إلى الملك الحالي سنة 1999، وسوف يحتفى به في مناسبتين من الملك محمد السادس، وتسيمة شارع باسمه في طنجة، وإطلاق اسمه على آخر فوج للصباظ، وسيصبح في نظر الإعلام العمومي، شخصية وطنية كبيرة…

هذه أمثلة سريعة، تبين أو تؤكد أن ما يكتب اليوم من توصيفات ونعوث حول الوطنية، مجرد انطباعات خاطئة و زائلة، سرعان ما يجريفها التاريخ، فالوطنية أفعال ومواقف، وليست كلام عابر يوزع كما توزع صكوك الغفران…

وبالتالي، عندما نرى التاريخ من زاوية  الخمسينات والستينات فاوفقير رجل وطني، لكن بعد 1972 هو انقلابي خائن، أما البصري من زاوية الثمانينات والتسعينات هو رجل الثقة والوطني الغيور، لكن بعد سنة 1999، مجرد مهاجر سري متآمر مع الجزائر ضد الوحدة الترابية وخائن في نظر الكثيرين، أما اليوسفي من زاوية نفس الحقبة فهو انقلابي وضد النظام، لكن من زاوية 1999، فهو المؤتمن على انتقال العرش، إذن، فكيف يكتب التاريخ؟ وكيف نقرأ التاريخ، ومن أية زواية؟ وكيف ترى الأجيال الحالية تاريخ ونخب مغرب الأمس واليوم ؟ ولماذا يقفز البعض عن الوقائع والأحداث التي ربما صنعت مغرب اليوم؟ وهل هناك وصفة جاهزة أو معايير معتمدة للتمييز بين الوطنيين والخونة؟ ام التاريخ هو الذي يحدد ولا شيء غير التاريخ؟ مجرد أسئلة للفهم فقط