عمم موقع هيسبريس امس مقالا حمل ردودا لكل من صلاح الوديع، أحد مؤسسي حزب “البام” ، المحامي حجي المؤسس السابق لما يسمى ب “لجنة تحرير سبتة ومليلية ” وكذلك المحامي الهيني الملتحق حديثا بحزب ادريس لشكر ، ذات الكولاج من الردود التي جمعها الموقع المذكور من الصفحات الفايسبوكية الشخصية لهؤلاء، أملتها ثقل وحجم تفاعلات الرأي العام، المحلي والدولي على التطورات الاخيرة التي يعرفها ملف الحراك ، ذات المقال الذي يحمل ردود أفعال مناصري حلف المخزن على البيان الذي وقعه ستة من المختطفين الريفيين المعتقلين بسجن رأس الماء بفاس وهم : ناصر الزفزافي ،نبيل احمحيق ، وسيم البوستاتي، سمير اغيذ ، محمد حاكي وزكرياء اضهشور لاغير ، تلك الردود التي تتبعنا تناسلها مباشرة بعد انتهاء ذ.احمد الزفزافي من تلاوة البيان التاريخي، حيث لاحظنا تقاطر ردود أفعال كل من فريق المبخسين والمنجمين من جهة وفريق “المناضلين الوطنيين جدا جدا من جماعة الحرس القديم من جهة أخرى”.

شخصيا ما أثار انتباهي منذ الوهلة الاولى هو هرولة هؤلاء نحو التبخيس والتخوين والتنديد بالمواقف التي حملها البيان منذ الدقيقة الأولى لقراءته وتعميمه، مقابل ذلك لم نسمع ولحدود الساعة لأي رد كيفما كان من جانب الطرف المعني بالرد ألا وهو القصر . والسؤال الذي يطرح هنا لماذا كل هذا التسابق للدفاع عن المخزن ضمنيا ومباشرة من مختلف عناصر حلف الحرس القديم بدءا ببعض المعتقلين السياسيين السابقين المصطفين في حلف المخزن، مرورا ببعض الحقوقيين “محامين” ووصولا لشرذمة اللفيف التخويني الريفي العاقر بالشتات ؟ والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : من نصب كل هؤلاء للدفاع عن حلف المخزن ضدا على شعب الحراك وقيادييه؟

بعدما أصبح محتوى البيان التاريخي للمختطفين يحمل في جوهره رسالة سياسية واضحة لمن يهمه الأمر، أملتها بالدرجة الأولى المسارات الحراكية كلها ، وفي مقدمتها مسار المحاكمات الصورية الغيرعادلة والمذيلة بالأحكام القضائية الانتقامية، المستصدرة باسم شخص الملك.

كما تجدر الإشارة الى أن البيان السياسي للصناديد لم يكن ردا انفعاليا على التعامل الشاذ للدولة العميقة مع قضايا الريف عموما و ملف المعتقلين على خلفية الحراك الشعبي و لم يكن خطوة طائشة وليدة فورة غضب عابر او فعلا صبيانيا غير مسؤول قام به مجموعة من الأشخاص لإثارة الانتباه لتسلط عليهم الأضواء لفترة زمنية محددة ثم تنطفىء انما كان قرارا مصيريا له تبعاته الثقيلة كما أنه ليس بأية حالة حجرة ترمى ببركة السياسة المخزنية النتنة التي تتعمد الإقصاء و التهميش لكل ما يمت بصلة للشأن الريفي. إنما هو قرار حاسم أتى بعد استنفاذ كل الوسائل الممكنة ، كما انه لبنة متينة توضع بجدار الكرامة و التي ستتبعها خطوات أخرى سيكتمل على إثرها معالم البيت الريفي مستقبلا .

كان الأجدر بالمتهافتين ان يقفوا وقفة للتاريخ فالأمر يقتضي معالجة نقدية موضوعية و لم لا شجاعة أيضا، للحالة الراهنة لقضية حراك الريف ، وفي مقدمتها قضية مأساة المختطفين السياسيين الريفيين المشتتين على السجون المخزنية بالدرجة الأولى. و التحلي بالحياد الإيجابي كحد أدنى وعدم الارتماء في آفاق تبعات الممارسات العنصرية العدوانية لجماعة الصدر الأعظم والأجهزة الأمنية في حق المختطفين وشعب الحراك بشكل أوسع، و تقتضي المسؤولية الأخلاقية والأمانة التاريخية لكل من يريد ربط ماضي النضال الشعبي براهنه اليوم، الذي يقوده رموز الحراك الريفي الشعبي دون منازع، أن نقرأ مسار الراهن الريفي خارج أوهام ” الاسقاطات” الماضوية كيفما كانت، إذ لا يمكن الاتكاء على مواقف معينة لمناضل معين، في فترة تاريخية معينة ومن خلاله نبني أحكام قيمة تفتي وتوجه في الزمكان والراهن الريفي الحالي. مبتغى هذا الكلام هو خرجة المسمى صلاح الوديع ، أحد حواريي الصدر الأعظم ، والذي كان إلى وقت قريب يتشدق علنا بوساطات وهمية بخصوص قضية المختطفين، ترى لماذا استغلال أسهم السرفاتي الرمزية للرد على البيان التاريخي ؟

في كتابه المعنون “الصراعات الطبقية بالمغرب” الصادر عام 1987 بتوقيع مجدي مجيد عن منشورات حوار بهولندا. ومؤلف الكتاب هو ليس الا ابراهام السرفاتي نفسه ، وضمن فصوله نقرأ دراسة نقدية شجاعة للسرفاتي حول انتفاضة 84،”لخص فيه المآل النهائي لانتفاضة الخبز لسنة 1984 إلى استنتاجات أجزم أن الوديع تفادى استدراكها وقتها. عزا السرفاتي إلى خلاصة مقلقة للكثيرين تتمثل في “…استحالة إنجاز التغيير الجذري بالمغرب دون مشاركة وقيادة جماهير الريف والشمال…” مبتغى هذا الكلام هو لماذا التجأ الوديع للسرفاتي وموقفه وقتها من قرار البصري والنظام ، للرد على قرار المختطفين ؟ وهل استقرأ مسبقا موقف سكان القبور حول ماذا كان سيكون موقفهم وبالأخص السرفاتي لو كان بيننا وعايش الجريمة والعدوان العنصري على المختطفين والريف بتفاصيله وحيثياته ؟

شخصيا وبكل موضوعية ومن خلال معرفتي المباشرة والفكرية للرجل، أجزم أن لو كان ابراهام بيننا اليوم وفي عز نشاطه ، لكان من بين المدافعين والمناصرين الأوائل للحراك من جهة ومن أشد المتفهمين والمتفاعلين حقوقيا بالإيجاب لمضامين البيان التاريخي الذي عممه المختطفون الستة.

ان التجاء الوديع للرمز اليساري ابراهام السرفاتي واقحامه في موضوع الحراك يفسر بالاساس، عجزه عن بلورة موقف واضح من قرار اسقاط جنسية المخزن من جانب المختطفين و انحيازه السافر لحلف المخزن وبالأحرى الدفاع باسمه ، شأنه في ذلك شأن المحاميين حجي والهيني والمانوزي .

للأسف الشديد ، فكما لم تقرأ الوثيقة الحقوقية ، نرى اليوم أغلبية المهاجمين لوثيقة اسقاط جنسية المخزن ، لم يقرؤوا أو يتعمدون الظهور بعدم قراءتهم للوثيقة المذكورة، تفاديا لإعطاء الموقف الواضح من القضية ليس إلا، ولذلك فالموقف الانتهازي للوديع ومعه حجي والهيني والمانوزي وغيرهم كثيرون ، هو بالأساس ليس الا تعبيرا واضحا عن جبنهم ومناصرتهم للمخزن، الأمر الذي يجعل كل مبادراتهم السابقة الآن تتضح أكثر فأكثر لعامة الناس ، قبل أن نذكر الجميع بتحفظنا وموقفنا الواضح منها وقتها.

ان حراك الريف ، ومنذ انطلاقه ، أحال فئة السوبر مناضل والسوبر حقوقي والسوبر مثقف ببلاد المخزن وكذا بلاد الريف إلى كراج التقاعد، لذلك فمن الطبيعي جدا ان نرى ونتابع كل هذا المسخ المدافع بالنيابة عن القصر وخدامه الصغار.

ان موقف صلاح الوديع هذا وبصفته أحد أعضاء ماسمي ب “المبادرة المدنية من أجل الريف” يبين بالأساس صدقية موقف الارادات الريفية الحرة منها وقتها ، ذاك الموقف الذي رأينا فيه وفي غيرها من المبادرات الأخرى تحايلا مخزنيا مغلفا بقناع مدني وكان يهدف بالأساس إلى النيل من رمزية المختطفين وعدالة قضيتهم واذلالهم عبر صك صكوك غفران جديدة للسلطان ، واعدام الرمزية النبيلة للصنديد الزفزافي. إلا أن يقظة الصناديد بالسجون وفي مقدمتهم الايقونة ناصر الزفزافي نفسه وكذا ممثلي عائلاتهم حال دون تمرير مخطط ما اسميه شخصيا بوساطات الاذلال.

مما لاشك فيه ، اننا مقبلون على نقلة نوعية داخل مسارات الحراك الريفي الشعبي ، خصوصا على مستوى الشتات الريفي ، وذلك مع بدء الفرز ووضوح معالم خارطة الطريق المستقبلية فيما يخص تنزيل الوثيقة الحقوقية للحراك الشعبي في شقها السياسي، والذي لطالما أكدنا وقلنا أن مشروعية وشرعية التنزيل السياسي للوثيقة الحقوقية بالدرجة الأولى هي من مسؤولية المختطفين في السجون لا غيرهم، لذلك فبالنسبة لي شخصيا خرجات هؤلاء ماهي الا محاولة لحصار الفرز الحاصل اليوم بخصوص المواقف السياسية الجريئة للمختطفين بدون استثناء ، إذ رأينا كيف أن ثمة من يحاول شق صفهم عبر تصنيفات تراتبية بعيدة كل البعد عن جوهر الواقع.

ان الهجمة الشرسة، على وثيقة بيان اسقاط جنسية المخزن، و التشبث بالولاء لأرض الأجداد، وقضايا الريف المعاصرة هي محاولة مدروسة لمحاصرة بلورة تصور سياسي لشعب الحراك من داخل السجون من لب الوثيقة الحقوقية ، ذاك الفعل المعادي الذي استثمر فيه المخزن على امتداد السنتين والنصف الأخيرتين عناصر اللفيف التخويني من جهة و مجمل مكونات الحلف المعادي للحراك من جهة أخرى وفشل فشلا ذريعا على كل المستويات. ذاك الحصار الذي يلتقي حوله كل أصحاب مبادرات الاذلال ، ويزكيه حراس المعبد.
ان حصار واستهداف ناشطي ومختطفي شعب الحراك في حقهم كغيرهم في ممارسة السياسة عبر التعبير عن آرائهم ومواقفهم بكل حرية، سيفتح آفاقا مستقبلية ستفاجأ الجميع.

ـ لاهاي ـ هولندا 26 أغسطس 2019