خلال عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس انتصرت قيم التجارة على قيم الإمارة بالمفهوم السياسي، إلى درجة ان المغاربة لم يعودوا “رعايا للملك” كما يصفهم بذلك الإعلام القريب من السلطة في انتهاك صارخ لمفهوم المواطنة في بعده الإنساني الذي يحترم كرامة الإنسان، بل تحولوا إلى الزبون رقم واحد لشركات الهولدينغ الملكي التي تغطي أكثر من مجال، وقد سبق لمجلة لوجورنال، ومجلة نيشان، وموقع لكم الأول الذي تعرض للحجب، و تسريبات ويكليكس، وكتب صدرت في فرنسا الاستعمارية، كشف تمظهرات ذلك بالتفصيل الممل!!

خلال النصف الثاني من عشرينية محمد السادس في الحكم لم يعد التحكم في مفاصل الدولة يقتصر على ما هو اقتصادي، بل أصبحت هناك رغبة جامحة للتحكم في المشهد السياسي من خلال مشروع حزب الاصالة والمعاصرةالذي ولد وفي فمه ملاعق من ذهب!!

وحتى بعد أن فشل هذا المخلوق السياسي المشوه الخلقة، والذي تطارده لعنة الولادة إلى حدود الآن، في تحقيق أهداف التأسيس كما نظر لها العراب، برز اسم عزيز أخنوش الذي وصفته جريدة لوموند برجل القصر، ليكمل المهمة في إطار الاستمرارية، لا سيما، بعد ان تم ضبط المجال الأمني بإحكام من خلال مركزة القرار الامني في يد رجل المخابرات الأول بحسب تعبير توفيق بوعشرين، عبد اللطيف الحموشي،  وبعد ان اخرجت النيابة العامة من تحت عباءة الوزراء السياسيين في إطار مشروع استقلالية السلطة القضائية، دون أن تخضع لرقابة أي مؤسسة دستورية!!

عشرون عاما من حكم الملك محمد السادس كان عنوانها الابرز هو موت الأحزاب السياسية، وتفشي داء الوصولية  في جسم نخبتها المنبطحة، وقتل السياسة  بمعناها النبيل، والتحكم في مفاصل الدولة  الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية والقضائية، من خلال نخبة مخزنية تتمتع برضاء القصر وعطفه.

خلال عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس أصبح الآلاف من المغاربة، ان لم يكن الملايين، يرنون للهجرة إلى أمريكا وكندا وأوروبا، وهو الأمر الذي بدا واضحا من خلال المشاركة المكثفة وبشكل سنوي في القرعة الأمريكية،  او في برامج الهجرة إلى المقاطعات الكندية، أو من خلال المغامرة بالحق في الحياة  عبر ركوب قوارب الموت للأسف الشديد، أو من خلال التوجه إلى دول الخليج العربي..

خلال العشرين سنة الماضية من حكم الملك محمد السادس تم ضرب التعليم العمومي في العمق، رغم ملايير الدراهم التي خصصت لإصلاح هذا القطاع الاستراتيجي دون أن يتحقق ذلك. كما تم خنق الطبقة الوسطى التي قسمها المندوب السامي للتخطيط إلى عليا ووسطى  ودنيا بشكل مثير للضحك والاستغراب،  وتوسيع الفوارق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء بشكل رهيب وبنسب تفاوت طبقي كبيرة جدا، وغياب العدالة المجالية، وعدم تساوي فرص التنمية…

خلال العشرين سنة الماضية من حكم الملك محمد السادس توسع  هامش ربح الشركات الاحتكارية الكبرى المملوكة لشخصيات معروفة بقربها من مراكز القرار داخل الدولة بشكل ملفت للنظر إلى درجة أنه في السنة التي عرف فيها المغرب الحراك الاجتماعي وشهد فيها الاقتصاد الوطني تراجعا  نشرت الفوربيس الأمريكية قائمة تضم أسماء أثرياء مغاربة من عالم المال والأعمال!!

خلال عشرين عاما من حكم الملك محمد السادس صدرت العديد من التقارير  الدولية التي كشف هشاشة المغرب على مستويات عدة  تشمل ما هو حقوقي واعلامي واقتصادي واجتماعي ومالي. كما تسربت معطيات شديدة الحساسية حول تهريب الأموال إلى الجنات الضريبية بطرق ملتوية وحول وجود حسابات بنكية في الخارج وحول تهريب للذهب بطرق تدليسية إلى بعض البلدان الخليجية في ظل صمت داخلي رهيب رغم أن هناك شريط فيديو لمسؤول شركة عالمية يتحدث حول هذا الموضوع الذي وصفه بالجريمة الاقتصادية والأخلاقية المشينة.

خلال السنوات الأخيرة  من حكم الملك محمد السادس انتهكت أحكام الكثير من الفصول التي جاءت في باب “الحقوق والحريات” من دستور فاتح يوليوز 2011. كما انتهكت حتى الأحكام الدستورية التي ترتبط بإعفاء  رئيس الحكومة وفق مقتضيات الفصل 47 من الدستور ، ولا سيما، بعد ان تم إبعاد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران كنتيجة لخطة البلوكاج الحكومي، التي أسندت مهمتها لحزب التجمع الوطني للأحرار من خلال الوزير  عزيز أخنوش، إضافة إلى تنازل رئاسة الحكومة على العديد من الصلاحيات الدستورية لفائدة الملك بشكل غير مفهوم على الإطلاق، ولاسيما، فيما يتعلق بالتعيين في المؤسسات الاستراتيجية للدولة!!

في بداية حكم الملك محمد السادس استبشر المغاربة خيرا بتجربة الإنصاف والمصالحة لطي سنوات الجمر والرصاص لكن جزء مهم من توصيات هيئة الإنصاف لم تفعل إلى حدود الآن ولازالت تمثل مطلبا آنيا لجزء مهم من النسيج الحقوقي الذي يعاني من الحصار والتضييق، بل هناك اليوم من يتساءل عن جدوى الإنصاف والمصالحة على خلفية استمرار الدولة في اعتقال نشطاء الحراك والصحفي حميد مهدوي والصحفي توفيق  بوعشرين؟