نعلم جميعا أنه قبل دستور 2011 كان تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية مجرد “عرف” يحق للملك ألا يلتزم به إذا ما تبين له أن مصلحة البلاد تحتاج لبروفايل محدد وكاريزما محددة لا تتوفر في أحد من زعماء الحزب الفائز، أو قد تكون ظروف أخرى هي التي تلزم الملك بتعيين شخص آخر وهو ما حدث إبان انتخابات 2002 التي فاز بها حزب الإتحاد الاشتراكي فكان المنتظر أن يتم التمديد لعبد الرحمن اليوسفي على رأس الحكومة لولاية ثانية إلا أن الملك بشكل مفاجئ اختار التكنوقراطي إدريس جطو ليكون وزيرا أولا، الأمر الذي أثار حفيظة الزعيم اليوسفي ما اضطره لمغادرة المغرب نحو بروكسيل ليكتب من هناك رسالته الشهيرة. مباشرة بعد هذا التعيين لإدريس جطو خرجت أصوات كثيرة تطالب بضرورة دسترة ما كان مجرد عرف، أي دسترة مسألة تعيين الوزير الأول من الحزب الذي يفوز بالانتخابات التشريعية، وهو ما تحقق بعد ذلك بسنوات عبر دستور 2011، وبالضبط عبر الفصل 47 الذي ينص بالحرف: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها…”

هذه الفقرة الأولى من الفصل 47 هي ما أمنت لحزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة لولايتين متتاليتين بل وهي ما “قد” يؤمن لهذا الحزب ولاية ثالثة.. قلنا “قد” ليس لأن البيجيدي قد يخسر الانتخابات التشريعية القادمة فهذا أمر مستبعد في ظل غياب منافس حقيقي، ولكننا قلنا “قد” بناء على نقطتين أساسيتين:

– النقطة الأولى هي إمكانية أن يتم تعديل الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور بعدما خرجت مجموعة من الأصوات تطالب بتعديلها أو حتى حذف الجزء المتعلق بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر الانتخابات.. والغريب في هذا الأمر أن غالبية هذه الأصوات هي ذات الاصطفاف الإيديولوجي نفسه وذات الانتماء الحزبي نفسه مع الأصوات التي كانت قد دعت قبل سنوات إلى ضرورة تضمين هذا الحق في الدستور.. ما يعني أن التفسير الوحيد لانقلاب هؤلاء السياسيين على قناعاتهم ومبادئهم هو إدراكهم التام لقدرة حزب العدالة والتنمية على الفوز بانتخابات 2021..

– النقطة الثانية هي إمكانية تعديل نمط الاقتراع في الانتخابات القادمة، أي بالانتقال من نظام اللائحة إلى نظام الاقتراع الاسمي الفردي وهو الاقتراح الذي يدافع عليه بشدة زعيم حزب الإتحاد الاشتراكي السيد إدريس لشكر بمبرر تحفيز القواعد الحزبية من الوصول للمؤسسات المنتخبة بحكم أن نظام اللائحة يصعب مسألة ربط هذه المؤسسات مع المجتمع. الغريب في الأمر أيضا أن الحزب نفسه كان أول من دعا إلى تبني نظام الاقتراع باللائحة أواخر تسعينيات القرن الماضي وهو بالفعل ما حدث على عهد حكومة التناوب، ليتم تطبيق نظام اللائحة لأول مرة سنة 2002 خلال الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب الوردة.. حينها كان التوافق مطلقا تقريبا على ضرورة اعتماد هذا النظام الجديد لأن الرهان الأساسي(المعلن) كان هو الرفع من نسبة المشاركة في التصويت إلا أنه وعلى مدى سنوات اعتماد هذا النظام ظلت النسبة مستقرة لا تتجاوز 45% وهو ما كان عليه الحال قبل تطبيق ها النظام. قلنا أن الرهان الأساسي(المعلن) كان هو الرفع من نسبة التصويت، والحقيقة أن تغيير نظام الاقتراع كان له بعد أساسي أهم(غير معلن) هو توجيه العملية الانتخابية بما يتماشى ورؤية الدولة.

نقصد القول أن المبتغى من خلف هاتين النقطتين، اللتين تحظيان بإجماع أحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة والأحرار والحركة الشعبية والإتحاد الدستوري، هو محاولة قطع طريق رئاسة الحكومة على حزب العدالة والتنمية الذي يرى كثيرون أنه يتجه لتصدر الانتخابات القادمة بسهولة. وإذا كنا نرفض تعديل الفصل 47 من الدستور لاعتقادنا المطلق أن الديمقراطية لا تبدأ إلا عبر احترام ما يختاره الناخب، واحترام ما يختاره الناخب يعني بالضرورة تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات.. قلت إذا كنا نرفض تعديل هذا الفصل فإننا في المقابل نقول بضرورة تعديل نمط الإقتراع من نظام اللائحة إلى النظام الفردي  في دورتين بحكم أن هذا الأخير وحده الكفيل بالقطع مع عشوائية المشهد السياسي عبر السماح لحزب ما بإمكانية الفوز بالأغلبية المطلقة، الأمر الذي سيمنحه الفرصة لتنزيل مشروعه(التنموي) دون عوائق ودون تكرار للازمة “العصا فالرويضة”..