في الجزء الاول من هذا المقال، طُرحت تخوفات مشروعة حول مستقبل ومصير الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، باعتباره حدثا وطنيا يتعلق بقطاع كبير وواعد، ومعول عليه في انتاج الثروة وتنشيط الاقتصاد، وبالتالي المساهمة في التنمية.

وتوقف الجزء الاول على مظاهر تسللت لهذا المعرض، من شأنها أن تؤثر على جودته وقيمة مساهمته في تطوير الفلاحة المغربية، ومن بينها احداث معارض فلاحية جهوية، واغراقه بجمعيات وتعاونيات منتقاة بمعايير انتخابوية لا تخفى، ثم تراجع مشاركة شركات فلاحية وازنة.

من المؤشرات الاضافية الدالة على أن تدخل وزارة الفلاحة في تنظيم المعرض الدولي، لم تعد تحكمه الأهداف المؤطرة لإحداثه، الغاء المناظرة الوطنية التي تنظم بالموازاة مع المعرض منذ دورته الرابعة، والتي تخصص تُخصص لطرح اشكاليات وقضايا القطاع للتناظر والنقاش وتبادل الخبرة الاكاديمية بين الفاعلين والمسؤولين والباحثين والمهنيين.

الغاء المناظرة التي كان مقررا أن تتناول موضوع يبدو غريبا عن فلسفة المعرض الدولي للفلاحة وعن المناظرة نفسها، يتمحور حول الرقمنة في قطاع الفلاحة، ومكمن الغرابة في كون هذا الموضوع على اهميته يعتبر شأنا اداريا، يمكن لادارة وزارة الفلاحة أن تتخذ فيه قرارات لتسهيل المساطر وتيسير وتسهيل ولوج المستثمرين للقطاع، دونما حاجة الى نقاش، بالاضافة الى كونه لا يخدم في العمق مسعى رفع مساهمة قطاع الفلاحة في التشغيل، وفي انبثاق طبقى وسطى فلاحية، ولا في تنظيم العقار الفلاحي، اذا ما قورن بمواضيع أخرى ذات أهمية حقيقية، مثل عدالة التمويل والمساعدة، وحكامة الدعم وتعديل الترسانة القانونية المنظمة للمجال، ولم لا إخضاع مخطط المغرب الأخضر للتقيم من مختلف الجوانب، ومساءلة ما تحقق من دعاماته على الأرض لا على الورق فقط.

ما من شك أن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة، وقدرته الاستقطابية، تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر، بتنزيل مخطط المغرب الأخضر، بحيث لن يجد المتابع عناء في الربط بين تراجع اشعاع المعرض، وبين تواضع حصيلة المخطط، وفشل تنزيل بعض دعاماته واجراءاته، خاصة التي تمس الفلاحين الصغار، الذين يشكلون عصب القطاع، بحيث تحول المعرض في لحظة من اللحظات الى واجهة للمغرب الاخضر ومرآة له.

إن مخاوف نسف المعرض الدولي للفلاحة، مرتبطة كذلك بالإخفاقات التي سجلها الفلاحون والمعنيون بقطاع الفلاحة، على مخطط المغرب الأخضر الذي انتهت نسخته الأولى، على وقْع استفسار الملك لوزير الفلاحة خلال المجلس الوزاري ليوم الخميس 19 ابريل 2018، عن الوضعية الفلاحية في المملكة، ودعوة جلالته خلال افتتاح السنة التشريعية الجارية، الحكومة الى بلورة اليات مبتكرة لتحسين الانتاج الفلاحي ليكون رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لكن مع الأسف يصر وزير الفلاحة على القفز على كل الملاحظات والحقائق، والمرور جريا الى اعداد النسخة الثانية للمخطط، دون بسط حصيلة النسخة الاولى وتمكين الرأي العام من معرفة الايجابيات والسلبيات، في تنفيذ سياسة عمومية موجهة لفئات عريضة من المواطنين، وتعني تدبير أزيد من ثمانية مليون هكتار، بل الاعتماد على الخبرة الأجنبية في اعداد النسخة الجديدة، في تجاهل للكفاءات الوطنية، وخبراتها التي راكمتها بالدراسة والممارسة والقرب من الوحدات الدنيا لسلسلة الانتاج الفلاحي.

لنتابع اذن مجريات الأمور في الدورة الـ 14 للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس، التي تنظم من 16 الى 21 ابريل الجاري، تحت شعار “الفلاحة رافعة للتشغيل ومستقبل العالم القروي”، وننتظر انتهاء مكتب الدراسات الأجنبي من إعداد النسخة الجديدة للمغرب الأخضر، ونقاوم التشويش الحاجب للرؤية الذي تتسبب فيه قصاصات الاخبار المبرزة لأعداد زوار المعرض والعارضين ومساحة العرض.