لماذا تقحم الملكية في صراع الأحزاب؟
خلال هذا الاسبوع صدرت عن وزراء ينتمون لحزب العدالة والتنمية مواقف سياسية مثيرة للاستغراب السياسي، تم فيها الاستقواء على خصومهم السياسيين، بثقة مزعومة للملك والشعب!!!
آراء أخرى
قبل أن نتحدث عن الثقة الملكية المزعومة، وهذا معطى فيه تغليط سياسوي كبير للرأي العام، فإن حزب العدالة والتنمية، وبخلاف ما يدعيه صقور الحزب في تصريحاتهم الأخيرة، لم يحضا بثقة الشعب، بل نال ثقة نسبة قليلة من المغاربة المسجلين في اللوائح الانتخابية، ولو كانت في المغرب قوانين انتخابية عادلة وديمقراطية، فإن نتائج اي عملية انتخابية لا يصوت فيها -كحد أدنى- نصف المسجلين في القوائم الانتخابية تكون باطلة، وينبغي عدم ترتيب أي أثر سياسي عليها، مثل تشكيل الحكومة، او بناء تحالفات حزبية لتشكيلها.
فكما هو معلوم، واستنادا لأرقام رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، وتداولتها الصحافة الوطنية، فإنه من أصل 20 مليون مغربي لهم الحق في التسجيل والتصويت، سجل منهم 15 مليون ناخب فقط، صوت منها أقل من 6 مليون، منها مليون صوت ملغى، وحاز البيجيدي على مليون وبضع آلاف صوت، مما يعني أن الطرح المتعلق بثقة الشعب كما يروج له قادة العدالة والتنمية، طرح غير صحيح، ومخادع، وغير مبني على معطيات حقيقية استنادا على الأرقام السالفة الذكر.
أما فيما يتعلق بثقة الملك في حزب العدالة والتنمية، فتصريح الوزير الرميد الذي تناقلته وسائل الإعلام، فيه توظيف غير مسؤول للمؤسسة الملكية في الصراع الانتخابي والحزبي، لاسيما، وأن الملك أكد في خطابات رسمية، بأنه ملك لكل المغاربة، وينتمي الى حزب المغرب، وهي إشارة واضحة على أن الملكية، ترفض أي إقحام لها في الصراع الحزبي بين الأحزاب السياسية المتصارعة على تدبير الشأن العام!!
وفي هذا السياق، فإن ما ينطبق على تصريحات قادة البيجيدي، ينطبق على تصريحات قيادات حزبية أخرى، ما لبثت توظف الملك في خطابها السياسي والانتخابي السابق لأوانه، كما هو الشأن بالنسبة لوزير الفلاحة، عزيز أخنوش، الذي تصفه الصحافة الدولية برجل القصر، او برئيس الحكومة المقبل، كما بشرنا بذلك مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشعبي الإسباني في تدخل سافر في الشؤون الداخلية للمغرب، في كلمته التي ألقاها في النشاط الحزبي الذي أقامه حزب التجمع الوطني للأحرار، بالعاصمة الاسبانية مدريد!!
الرسالة التي ينبغي لقادة البيجيدي استيعابها، هي أنهم لم ينالوا ثقة الأغلبية من الشعب كما يزعمون، ولا هم يتمتعون بالشرعية الديمقراطية كما يروجون لذلك عبثا، ووصولهم إلى تدبير الشأن العام في أواخر سنة 2011، كان محكوما بمناخ سياسي استثنائي ارتبط بالحراك الذي عرفه المغرب، والذي لم يكونوا جزءا منه، بل كانوا في الصف المعاكس له والتاريخ يحفظ لكل طرف سياسي مواقفه!!!
وحتى نكون منصفين، فإن تصريحات الأمين العام للتجمع الوطني للاحرار، عزيز أخنوش، لم تكن في الآونة الأخيرة موفقة، وتصريحات الرميد والداودي كانت عبثية ومظللة، وهي في العمق، مجرد ردود فعل انفعالية على تصريحات وخرجات الأمين العام لحزب التجمع الوطني للاحرار داخل المغرب وخارجه.
إذا خضعت الاستحقاقات الانتخابية المقبلة للمعايير العالمية، وأجريت على أساس قانون انتخابي ديمقراطي، يشترط مشاركة نصف عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية في الاقتراع، فلن ينال حزب العدالة والتنمية هذه المرة أكثر مما لديه من أصوات ترتبط بأدرعه الجمعوية والحزبية والنقابية.
القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية معروفة، وهي نفسها اخدة في التآكل، كما تآكلت قواعد الأحزاب التي سبقت هذا الحزب إلى تدبير الشأن العام في ظروف استثنائية، كما هو الشأن بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي تحول إلى حزب ثانوي ومكمل في المشهد السياسي الوطني، ولولا ارتباط تلك القواعد باديلوجية دينية مؤسسة على ثقافة الشيخ والمريد، ورفض جزء كبير من المغاربة لحزب البام كبديل إداري، لما جني البيجيدي حتى ربع المقاعد التي جناها في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ملحوظة: الخطاب الذي تروجه الأحزاب الآن في المغرب، خطاب يائس في حمولته، ويستشف منه أن الجميع متخوف من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وأن هناك معطيات ومؤشرات هم متأكدين منها، تفيد بأن نسبة العزوف عن المشاركة في انتخابات 2021 -إذا ادركناها طبعا- ستكون كبيرة وربما صادمة وغير مسبوقة في ظل احتقان اجتماعي متعدد المستويات.
