في هذا الحوار الحصري لموقع لكم مع المفكر السوري الطيب التيزيني، يتوقف صاحب «من التراث إلى الثورة» على مجموعة من القضايا التي تهم المشهد السوري الحالي وأخرها التدخل الروسي الذي اعتبره «خطأ خطير» معتبرا «دخولهم بهذه الطريقة لم يكن أبدا مسوغا»، كما اعتبر أن « السوريين بدأو يلاحظون أن الموت هو البديل الوحيد على هذا الحال»، وفي حديثه عن مشروعه الفكري، قال أن «إعادة قراءة التراث و قراءة تاريخية مازال قابلا للإحياء» على الرغم من أن هذا الحد الأدنى – التراث المجمع للسوريين والعرب – قد سقط. وفيما يلي نص الحوار:     

 قلتم قبلا أن «الحطام التاريخي» بدأ يتفكك، وناديت بولادة جديدة لا يمكن أن تكون إلا بما أسميته بالعيش المشترك بين مختل فالأطياف، هل مازلت اليوم في ظل ما نراه من «تحطيم للشعب السوري» تقول بضرورة هذا المشترك المعيشي بين مختلف الأطياف المتصارعين حول سوريا تحديدا ؟

هذا حديث صحيح، وأعتقد أنه مازال صائبا، فعندما تكتشف أن القتال الوحشي هو لكسر إرادة السوريين، كسر بالمعنى الحرفي، هناك بنية غير قابلة أن تخترق، لا للطائفية لا لتقسيم سوريا، إنما هو وطن واحد رغم ما يحدث هنا وهناك، مع أن الأمر إزداد اضطرابا وخطورة حين دخلت أطراف أخرى وأعادت القتل الذي بدأ يتضاءل قليلا، وذلك من أجل تبقى المعركة محتدمة وهي معركة دماء،  أقول بالحرف « قتل » كائنا من كان، فالحطام العربي وصل إلى حده الأقصى ولا بديل له إلا أن يستمر بصيغة أخرى أكثر وحشية أو بنفيه تماما، بالاعتبار الفلسفي،  وأقصد بذلك «قانون النفي» الذي يقتضي أن تنفي ما كنت قد قدمته.

هل ما زال الداخل السوري في حاجة إلى ترميم، أم أن الوضع الحالي في سوريا في حاجة إلى الهدم وإعادة البناء بدون النظام الحالي، هل هذا ما تقصده بالنفي؟

النظام السوري جزء من الواقع السوري، وهذا النظام يعبر عن مجموعات متعددة مشت بطريقة أو أخرى في هذه السكة الخطيرة، فهذه العملية الهائلة من التدمير تستطيع أن تحدث شرخا في إطار هؤلاء لأنهم بدأو يلاحظون أن الموت هو البديل الوحيد على هذا الحال، لم تعد هنالك بدائل سوى الموت. ربما هذه التخوم الأخيرة من المعركة تكون درسا لهم ليعودوا بعض الشيء لصوابهم الوطني وأتحد عن الاجتماعي التقدمي الوطني…، لكي يستمروا في وجودهم الوطني.

‫مقاطعا.. هل تتحدث عن جميع الأطياف السورية؟  

بالضبط.. الجميع،  فالمعركة بين الوجود والعدم بلغت درجة تحقيقها لهذه الجدلية، مهددة الجميع القاتل والقتيل، هذا يراهن عليه من بين  رهانات أخرى.

في حديث سابق لك أشرت إلى «المؤامرة الخارجية»، الآن سوريا أصبحت متشظية بين فاعلين مختلفين في الساحة، دول جماعات راديكالية بمحاربين عابرين للحدود، إلى التدخل الروسي الأخير هل تعتبر هذا التدخل هتكا لإرادة السوريين كما سبق وقلت بشأن فاعلين دوليين آخرين أم هو حماية لهذه الإرادة؟

الروس الآن بدأوا يعممون قولا أنهم دخلوا لسوريا لمساعدة السوريين، نحن نريد أن نصدق ذلك، لكن هذا الدخول أتى بالسلاح وبالطائرات، فكان عليهم أن يأتوا جماعات و أفرادا يستمعون للناس وأن يطرحوا أفكارهم التأسيسية الجديدة لبناء سوريا موحدة، هذا خطأهم الكبير بل والخطير، أنهم جاءوا وسلحونا بأخطر الأسلحة ضراوة فذلك هو خطأ كلف كثيرا سوريا، فدخولهم بهذه الطريقة لم يكن أبدا مسوغا، فأن يدخلوا محاولين فهم ما يحدث فهذا سيكون مطلوبا، فهم ربما لهم استراتيجيات أخرى.

كان لك العديد من الأطروحات حول إعادة قراءة التراث الإسلامي، قراءة تاريخية، وانتقدت أي دعوة منهجية من قبل مفكرين مغاربة أساسا حول القطيعة المعرفية – الجابري- أو ما سماه العروي لاحقا بالفطام عن الثقافة الأم، فبين إعادة قراءة النص والقطيعة معه، أي مشروع فكري  في رأيك يمكنه أن يصلح كبنية تنظيرية لفهم وربما تجاوز واقع المنطقة الحالي؟

ذلك بأن أقابل ذلك بذاكرة مفتوحة وممسوحة لأصل إلى أن هذا التراث سيظل تراث العرب جميعا بعُجَره وبُجَره، وخصوصا في زاوية توظيفه أثناء الملمات، في إطار الحفاظ على الحد الأدنى مما يجمع السوريين، الآن هذا الحد سقط، ويكاد هذا الأمر  أن يفقد بشقيه الداخلي (سوريا) والخارجي (العرب عموما)، ولكننا نبقى نراهن أن الأمر قابلا للإحياء.

في مشروعك الفكري «من التراث إلى الثورة، ثم إلى النهضة»، تتكلم أن هذه النهضة لا يمكن أن تحدث سوى بتوفر الحامل السياسي الذي هو كل القوى السياسية اليسارية والقومية والليبرالية والإسلامية، المتناقضة حد الصراع، ألا يمكن في رأيك أن تكون نهضة بتوفر «خيار ثالث» تدوب فيه هذه الهويات لصالح هوية جديدة؟

أنا بحثت عن الأقصى والأدنى، ورأيت أن الأدنى هو نهوض السوريين والعرب، أقل ذلك لا توجد هناك مقومات فكيف يلتقون مع بعضهم ؟ ذلك بالحفاظ على هذا الوطن، والحد الأدنى  يكمن في فكرة قد تكون مسوغا  لهذا الحفاظ وهي أننا نريد أن ننهض لأن بدون ذلك لن نستطيع أن نستمر بالحدود التي توقفنا عندها، وأقصد الحدود الكونية، فالموقف هنا لم يعد ممكنا بأن نتوقف ونستمر بدون إعادة بناء نسبية على الأقل، هذا هو المحتمل الآن لا نطلب الكثير وإنما الحد الأدنى الذي يقود إلى الأقصى، لأن هذا الحد الأنى في حد ذاته لا نستطيع الحفاظ عليه إلا في ظل الأقصى من خلال التجاذب والتجادل.