قال عمر بندورو، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، إن هناك تيارا داخل المحيط الملكي لا يريد أن يتحول حزب “العدالة والتنمية” إلى سلطة موازية للمؤسسة الملكية، وسيسعى ، هذا التيار، جاهدا إلى تقزيم ولايته الحكومية.

وأوضح بندورو، في حوار مع موقع “لكم” أن الفضل في تصدر حزب “العدالة والتنمية” لنتائج انتخابات 7 أكتوبر، يعود بالأساس إلى زعيمه عبد الإله بنكيران وقدرته التواصلية. وفيما يلي نص الحوار:

ماهي قراءتك الأولية لنتائج انتخابات 7 أكتوبر؟

هناك عدة ملاحظات حول انتخابات 7 أكتوبر أولها نسبة المشاركة التي سجلت 43 في المائة، وهذا المعدل  ضعيف إذا ما قورن بنسبة المشاركة في انتخابات 2011 التي وصلت إلى 45 في المائة. إذن المغاربة عازفون عن السياسة وهذا ناتج عن رؤيتهم للانتخابات، فهي في نظرهم لن تغير شيئا مادامت السلطة الأساسية محتكرة من طرف القصر. ومن هنا لا بد من القيام بإصلاحات دستورية لكي تلعب الانتخابات التشريعية دورها الأساسي وتعبر عن الإرادة الشعبية لأغلبية حزبية تكون لها سلطات حقيقية لتحقيق برنامجها.

كيف تفسر فوز حزب “العدالة والتنمية” من جديد في الانتخابات بالرغم من كونه تقدم لها بعد خمس سنوات من تدبير الشأن العام، اتخذ خلالها قرارات كان يمكن أن تؤثر على شعبيته؟

الحزب لم يستطع فقط الاحتفاظ  بنفس المقاعد التي حصدها في 2011 بل أكثر من ذلك  عزز مكانته في المرتبة الأولى، وزاد من عدد مقاعده بالرغم من وسائل التضييق التي تعرض لها ومن محاولات إضعافه، وهذا راجع لكون الحزب بالرغم من عدم قيامه بإصلاحات أساسية وجوهرية وتأقلمه مع المخزن بقي شعبيا لكون زعيمه بنكيران أول رئيس حكومة في المغرب يتكلم بصراحة عن علاقته مع الملك والصعوبات التي يجدها معه عكس رؤساء الحكومات السابقين. فشخصية عبد الإله بنكبران لعبت دورا أساسيا في نجاح حزبه.

تقصد أن النجاح يكمن في  الأسلوب التواصلي لعبد الإله بنكيران؟

تماما، فبالرغم منه أنه لا يبوح بكل شيء فهو يظهر بشكل صريح أمام المغاربة، والمواطن المغربي يصوت على حزبه لأنه يظن أن “العدالة والتنمية” لم يأخد حاجزا زمنيا كافيا ليقوم بالاصلاحات التي وعد بها مقارنه بأحزاب أخرى بقيت في الحكومة لمدة طويلة. طبعا، يجب أن لا ننسى أنه لم يقم بإصلاحات جوهرية، ففي محاربة الفساد مثلا لم يقدم شيئا عميقا بالرغم من أنه اتخد من محاربة الفساد شعارا له عندما كسب الانتخابات في 2011.

ماذا عن “لأصالة والمعاصرة”، العديد من المحللين ذهبوا في اتجاه تصدره للانتخابات بالنظر للدعم الكبير الذي قدمته له السلطة لكنه فشل في ذلك لماذا بنظرك؟

كان من المنتظر أن يفوز حزب “الأصالة والمعاصرة” في الانتخابات وأن يصل إلى مرتبة متميزة. فهو حصل على الدعاية الكافية من قبل رجال وأعوان السلطة لكي يصل إلى مرتبة مهمة. وكان يتوقع أنه سيتصدر الانتخابات بالنظر للحملة التي قام بها  أعوان السلطة والمقربون منها لكي يفوز هذا الحزب. وبطبيعة الحال فقد حقق قفزة نوعية في عدد المقاعد بالمقارنة عن ما حصل عليه في 2011، وذلك نتيجة المساندة السياسية الكبيرة التي قدمت له. لكن، بالرغم من ذلك ف وجد أمامه منافسا سياسيا شرسا له آليات تنظيمية جيدة عززت فزوه.

وبماذا يمكن أن يفسر النكوص الذي تعرض له اليسار التقليدي (حزب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية)؟

بالنسبة للاتحاد الاشتراكي كان له 39 مقعدا في البرلمان في 2011، الآن أحرز فقط 20 مقعدا. هذا التراجع يعود إلى المشاكل الداخلية التي عرفها هدا الحزب وسياسة قيادته الفاشلة، إضافة إلى  تقربه من حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي لم ينفعه في شيء. لأن دعم السلطة كله ذهب باتجاه حزب “الجرار”، ولتجاوز هذا الوضع يجب أن تكون هناك ثورة داخلية داخل حزب “الاتحاد الاشتراكي”، لأن هذه النتائج سيئة جدا، كما يجب إصلاح مسار هذا الحزب. فحزب “الاتحاد الاشتراكي” انبثق عن الحركة الوطنية ولا بد من أن يصحح مساره ويأخد المكانة التي كان عليها في السابق.

وحزب “التقدم والاشتراكية” هل دفع ضريبة اتهام أمينه العام الصريح لأحد مستشاري الملك بممارسة التحكم، بمعنى هل تأثرت نتائجه ببلاغ الديوان الملكي الذي صدر ضده قبيل انطلاق الحملة الانتخابية؟

في اعتقادي، ربما الناس الذين ساندوا حزب “التقدم والاشتراكية” سابقا رأوا أنه تحالف مع تيار محافظ لا يتطابق مع توجهاته اليسارية ولذلك عاقبوه، أنا لا أظن أن بلاغ الديوان الملكي قد أثر على نتائج  حزب “التقدم والاشتراكية” بقدر ما أضره التحالف مع تيار محافظ بعيد كل البعد عن توجهاته اليسارية، وبالتالي فإن النتائج التي حققها هي عقاب على تحالفه مع “البيجيدي”.

بالنسبة لـ “فدرالية اليسار”، راهن الكثيرون على نجاحها لكنها حصلت على مقعدين كيف تقرأ هذه النتيجة غير المرضية؟

بالعكس، أنا أنظر إلى ما حققته “فيدرالية اليسار” بشكل إيجابي، لأنها من الأحزاب التقدمية التي تمتلك برنامجا ديمقراطيا. فهي على الأقل سيكون لديها الآن منبر داخل البرلمان للتعبير عن أفكارها وشرح مواقفها للمواطنين، وهذا أمر مهم. لكن، يجب أن لا ننسى في قرائتنا لنتائج فديرالية اليسار أنها وجدت عدة صعوبات في حملتها الانتخابية، وأن السلطة تجندت لعرقلة نشاطاتها لانها لا تريد أن يحصل أحزاب اليسار على عدد كبير من المقاعد حتى لا يشكلون قوة ضغط مستقبلية. فالسلطة وإن كانت تسمح بتواجدهم لكنها لن تسمح بتحولهم إلى قوة ضاغطة داخل البرلمان.

بالرجوع لحزب “العدالة والتنمية” ماهي الصعوبات التي ستواجه عبد الإله بنكيران في تشكيله للحكومة ومع من  سيتحالف؟

ممكن لعبد الإله بنكيران  أن يعيد التحالف القديم مع حزب “التقدم والاشتراكية” وحزب “الحركة الشعبية” وحزب “التجمع الوطني للاحرار”، لكن هذا التحالف إن أراد أن يتجدد ستكون أغلبيته ضعيفة بالنظر أن كلا من حليفيه “التقدم والاشتراكية” و”الحركة الشعبية” فقدا العديد من المقاعد. لذلك، فإن السيناريو المحتمل هو أن حزب “العدالة والتنمية” سيقوم بتشكيل الحكومة بإضافة حزب آخر إلى هذا التحالف لكي يقوي أغلبيته البرلمانية عدديا.

ومن هو الحزب الجديد الذي من الممكن أن يتحالف معه بنكيران حسب تقدريك؟

هناك عدة احتمالات من بينها حزب ا”لاتحاد الاشتراكي”. لكن، بالنظر إلى تصريحات كاتبه العام فإنه لن يتحالف مع “العدالة والتنمية”. يبقى احتمال آخر هو حزب “الاستقلال” الذي قد يقبل أو يرفض. وهناك الحزب الذي لا يشكل مشكلة بالنسبة لحزب “العدالة والتنمية” وهو حزب “الاتحاد الدستوري”، لأنه يتوفر على مقاعد كافية بالنسبة لعبد الإله بنكيران لكي يعزز أغلبيته النيابية في مجلس النواب. فبنكيران سيكون مضطرا لإضافة حزب آخر لتحالفه القديم و”الاتحاد الدستوري” كحزب محافظ لن يخلق متاعب كبيرة لبنكيران.

هل يمكن أن يكون هناك سيناريو آخر يعد في الخفاء لإفشال التحالفات وتغيير ميزان القوى ليكون في غير صالح “العدالة والتنمية”؟

شخصيا، لا أعتقد ذلك نظرا للفوز الكبير لحزب “العدالة والتنمية”، والفرق الشاسع بينه وبين غريمه السياسي “البام” بحوالي 19 مقعدا.  الأمور ستجري بشكل عادي ولن تكون هناك صعوبات كبيرة أمام بنكيران. ما سيحصل في تقديري هو أن  تشكل حكومة ائتلافية يقودها “العدالة والتنمية” لكن رغم ذلك فهذا لا يعني أن المشاكل قد تنتهي ربما قد تتغير استراتيجية القصر بعد عامين أو ثلاث سنوات وتتجه لإضعاف الحزب وإضعاف تحالفه الحكومي وإعداد انتخابات سابقة لأوانها. طبعا، هذا احتمال فقط من بين عدة احتمالات.

مادام أنك ذكرت المؤسسة الملكية كيف تتصور طبيعة العلاقة بينها وبين حزب “العدالة والتنمية” في المستقبل؟

ربما ستسمر على ما كانت عليه في السابق، المشكل المطروح حاليا ليس طبيعة العلاقة بين بنكيران والملك. فكما هو معلوم،  بنكيران سعى دائما في ولايته الحكومية الأولى أن يبعث برسائل ودية للملك. كان يردد دائما على أنه موظف تابع للملك وأن الملك هو رئيس الدولة وهو الذي يحكم إلى غير ذلك، مشكلة حزب “العدالة والتنمية” هي مع المحيط الملكي، لأنه هناك من داخل المحيط الملكي من لا يريد أن يبقى حزب “العدالة والتنمية” في الحكومة.

هل تعني شخصا بعينه؟

أنا أعني تيارا وليس بالضرورة  شخصا، لأنه ليس هناك شخص واحد بل تيار داخل المحيط الملكي لا يريد أن يستمر حزب “العدالة والتنمية” في الحكومة ومشاركا فيها. هذا التيار  سيسعى لإبعاد حزب “العدالة والتنمية” من الحكومة لأن هذا الحزب قد يشكل سلطة موزاية للسلطة الملكية. بطبيعة الحال المؤسسة الملكية لن تقبل بسلطة موازية وهذا ما سيدفع في اتجاه  تقزيم ولاية حكومة بنكيران.

طبعا، هذه كلها تبقى احتمالات لأن حزب “العدالة والتنمية” نجح وحقق فوزا كبيرا، وبرهن على أنه حزب أساسي في المغرب. وبناء على الدستور فهو من سيقود الحكومة. إذن المحيط الملكي لا يملك مساحة واسعة لإعاقة بنكيران في تشكيل الحكومة لكنه قد يفكر في استراتيجية جديدة لكي لا يكمل حزب “العدالة والتنمية” ولايته لأنه في نهاية المطاف فإن التوافق بين المؤسسة الملكية وبين حزب “العدالة والتنمية” هو توافق نسبي.