في حوار خاص، يكشف الباحث السوسيولوجي والمحلل السياسي محمد الناجي، رسائل يبطنها الخطاب الأخير لزعيم حزب “العدالة والتنمية” ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيرن.

الناجي قال إن الخطاب الأخير الذي ألقاء بنكيران كان نقديا وقويا استهدف “حاشية الملك” لكنه لم يحمل جديدا، بل بالعكس لم يكن مؤثرا كما كان من قبل”.

الباحث السيوسيولوجي والكاتب المغربي صاحب “العبد والرعية” والمعروف بترجمته لنصوص فلسفية متميزة، أكد على أن “طلب بنكيران مراجعة الدستور وفتح تحقيق في أسباب البلوكاج الحكومي يحمل رسائل سياسية، و”هذا خطاب جديد لم نعهده من قبل، فهو بمثابة وسيلة للرد “العين بالعين” على الملك لأن الأمر يتعلق برهان الفصل بين السلطات، وبالتالي ربما ما كان يقصده بنكيران بـ “القوة القاهرة” هو الملك ودوره “الخفي” في البلوكاج الحكومي”. وفي الآتي نص الحوار:

 نشهد عودة “بنكيران جديد”، من خلال انتقاده للملك وهجومه على مستشاري الملك، ألم يكن زعيم “البيجيدي” متأخرا في ذلك خصوصا بعض مضي خمس سنوات من التدبير الحكومي فشل فيها في تقديم إصلاحات حقيقية؟

الأمور أكثر تعقيدا. هذا الخطاب النقدي والشديد الضراوة تجاه  حاشية الملك ليس جديدا. بل إنه في السابق كان أكثر قساوة، ويسمى الأشخاص بأسمائهم وذلك من أجل حشد المؤيدين. فالاهانات التي كان يحملها خطاب بنكيران، في السابق، ضد مساعدي الملك  لم يتم نسيانها وأعتقد أنها أحد أسباب “البلوكاج” والإزاحة.

نحن الآن أمام عودة جديدة لنفس الخطاب  في الوقت الحاضر ولكن أقل حدة مما كانت عليه في السابق في سياق يوجد فيه الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” في وضع  أكثر تحررا، كما لو كان صاحبه يريد أن ينطلق من جديد لاستعادة السلطة. إنه خطاب تعبئة وأداة للتأثير الانتخابي.

العنصر الذي يبرز بقوة من هذا الخطاب هو تركيزه على مركزية الملك الذي بالرغم من بعض الإشارات إليه، إلى أنه يتفادى انتقاده بل ويشيد به للتمييز بينه وبين وحاشيته.

 هل حديث بنكيران عن تعديل الدستور والمطالبة بفتح تحقيق في فترة البلوكاج، بمثابة رسالة ضمنية إلى القصر بأنه لن يتراجع وسيتسمر في قيادة حزبه في المرحلة المقبلة؟

طلب مراجعة الدستور وفتح تحقيق في أسباب البلوكاج الحكومي يحمل رسائل سياسية أكيد، وهذا خطاب جديد لم نعهده من قبل، فهو بمثابة وسيلة للرد “العين بالعين” على الملك لأن الأمر يتعلق برهان الفصل بين السلطات، وبالتالي ربما يقصد بنكيران “القوة القاهرة” للملك ودوره “الخفي” في البلوكاج الحكومي، نحن أمام نهج كلاسيكي يتبعه بنكيران تُقوضه العديد من التناقضات، حيث غالبا ما يبدأ خطابه بالتذكير بأهمية الملكية والولاء للملك من خلال التأكيد على مكانته باعتباره القائد الأعلى، ليعود في المقابل إلى انتقاد سلطته.

انه ينتقل بطريقة أو بأخرى في جميع الحالات من مهاجمة ”حاشية الملك” دون الإشارة إلى المؤسسة الملكية إلا أنه لم يكن يجرؤ على الذهاب بخطابه إلى حد انتقادها. لكن على الرغم من هجماته غير المعهودة، ما يزال يصنف ضمن خانة السياسيين التقليديين، صحيح أنه يجرؤ أكثر من باقي الفاعلين لكنها تبقى جرأة بدون فاعلية.

 ما هو الجديد، بالنسبة إليك، في مضمون خطاب بنكيران في ملتقى شبيبته؟

الأمر يتعلق بعملية ”إغواء” ولملمة الجروح وفي نفس الوقت هو بمثابة تحذير للجناح أو التيار الانتهازي داخل حزب “العدالة والتنمية”، خصوصا تيار الوزراء، الطامح والباحث على المناصب، إذن، هو خطاب موجه لفئتين إن صح التعبير، لشباب البيجيدي “المتحمس” والرافض لمشاركة الحزب في الحكومة، ولكنه أيضا رسالة إلى قصر مفادها “أنا هنا، أنا لم أمت، ولم أنتهي بعد”.

 لم تخلو خطابات بنكيران الأخيرة من استحضار مصطلحات من قبل الإشارة إلى التهديدات التي يتعرض لها واستعداده للإعتقال وللموت من أجل الإصلاح، هل يعني ذلك ضمنيا وجود تهديدات فعلية وقائمة مثل الزج به وبإخوانه في السجن؟

استحضار بنكيران للغة الاعتقال والتهديدات لم تكن وليدة اليوم، فهو كان دائما يتحدث عن وفاة باها وكانت كلمات بنكيران تنبع من شعور بالقلق والهوس، وهو فيه رسالة واضحة بأن حزبه وزعيمه لا يخافون من الموت ولا من القمع، وهذا يجعل من خطابه يتخلله الطابع الدرامي، وهنا نحن لم نعد نتحدث عن السياسية وإنما عن نفسية رجال السلطة. 

عندما رفع بنكيران السقف في خطابه الأخير، ألم يكن متأخرا في ذلك؟ بتعبير أدق ألم يضيع بنكيران وقتا كبيرا على المغرب من أجل وضعه على سكة انتقال ديمقراطي حقيقي؟

 نعم، حسنا  ربما. لكن لا يمكن تحميل المسؤولية الكاملة لبنكيران وحده. هناك أيضا نوع من التراخي لدى الحزب الذي تنقصه  الجدية في مساره، فهو لا يجرؤ على الذهاب إلى المواجهة. هناك شئ ما غير واضح في العلاقة ما بين الحزب وأعيانه من جهة والمخزن من جهة أخرى. ثمة انبهار بمظاهر الحكم ربما بسبب الأصول الشعبية لمسؤولي الحزب.

بنكيران نفسه ملكي حتى النخاع قلبا وقناعة واعٍ بوجود هذا الانبهار. فأول مشاركة للحزب في الحكومة أدخلت أعيانا من “العدالة والتنمية” إليها وأصبحوا وزراء ووجدوا أنفسهم في وسط أبهرهم. كما أن تأثير جاذبية البلاط الملكي فعل فعله فيهم وأوهن قناعاتهم. وربما لهذا السبب لم يجرؤ بنكيران على وضع حد لمفاوضات تشكيل الحكومة والعودة إلى المعارضة.

حزب “العدالة والتنمية” مازال يُبهر بتنظيمه، وانضباطه، لكنه في عمقه ضعيف بسبب غياب مشروع جدي  وعدم وجود إصرار على النضال.