أقصبي: أزمة “كورونا” فرصة حقيقية لمراجعة خياراتنا الاقتصادية وإجراء إصلاح سياسي شامل
قال الخبير والمحلل الاقتصادي نجيب أقصبي إن أزمة “كورونا” فرصة حقيقية يجب أن يستغلها المغرب لإحداث رجة حقيقية والتأسيس لمرحلة جديدة، تحدث قطيعة مع الماضي وتفتح آفاقا جديدة.
وأكد أقصبي في حوار مع “لكم” أن هذه المرحلة الجديدة يجب أن تبدأ بالسياسة لأنها المدخل الأساسي لكل الإصلاحات الاقتصادية، مشيرا أن ما نحتاجه اليوم هو إصلاح سياسي شامل وجذري، يفسح المجال لبناء اقتصاد وطني منتج وتضامني يقوم على علاقة تعاقدية جديدة بين الدولة والقطاع الخاص.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
كيف تقيم الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة منذ بداية أزمة كورونا إلى الآن، خاصة فيما يتعلق بدعم المقاولات وتأجيل دفع الضرائب والقروض ودعم الفئات الهشة؟
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة متنوعة سواء على الصعيد الصحي، أو لمواجهة الكساد الاقتصادي الذي نحن مقبلون عليه عبر الأخذ بيد المقاولات، إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالجانب الاجتماعي، مددت الحكومة من آجل دفع القروض وعلقت المساهمة الاجتماعية للمقاولات ، وكل هذا إجمالا يسير في الاتجاه الصحيح، ولكن المشكل الملاحظ هو في الممارسة على أرض الواقع، لأنه أياما قليلة بعد اتخاذ هذه القرارات خرج “الاتحاد العام لمقاولات المغرب” ببلاغ يؤكد فيه أن الأبناك لا تطبق القرارات التي أعلنت عنها لجنة اليقظة الاقتصادية، وبغض النظر عن “البولميك “الذي حدث بينه وبين المجموعة المهنية لأبناك المغرب، فإن شكاوي “الباطرونا” صحيحة، هناك تقصير من الأبناك بل محاولة لاستغلال الظرف، وهذا هو منطق الأبناك لأنه يجب أن لا ننسى أن هذا القطاع احتكاري، فالمقاولات تتقدم عمليا للبنوك لطلب المساعدة لكنها تفاجئ بالشروط التي تضعها، وبالكلفة المفروض عليها، فالمقاولات التي تستفيد من هذا التأجيل ستدفع أكثر وأكثر بعد انقضاء هذه الأزمة، مما يعني أن الإجراءات التي اتخذت وإن كانت صحيحة فإنها تصطدم بحائط الاحتكار والريع الموجود في القطاع البنكي.
وفي جانب آخر فإن هناك مسألة أخرى يجب الوقوف عندها وهي عدد الأجراء المصرح بأنهم توقفوا عن العمل جزئيا أو كليا، فالمقاولات اليوم رمت بالثقل كله على الدولة، لكن يبقى المشكل الأكبر الموجود حاليا هم ملايين المغاربة الذين يعيشون الهشاشة والفقر ووضعا مأساويا، وخاصة منهم المياومون أو ما نسميهم بالتعبير الدارج “طالب معاشو”، كان يجب التفكير في هذه الفئة قبل فرض الحجر، لأن الحكومة لم تفكر فيهم إلا بعد أن مر 20 يوما من العزل، وخلاصة القول هنا أنه عندما لا نطبق الإصلاحات في وفقتها فإننا ندفع الثمن، واليوم ندفع ثمن التأخر في تطبيق الدعم المباشر، وبالأصح من يدفع الثمن هم ملايين المغاربة من الطبقة المسحوقة.
لجأت الحكومة في اليومين الأخيرين إلى سحب مبلغ 3 مليار دولار من خط التسهيلات التي يمنحها لها صندوق النقد الدولي، هل كان بإمكانها استخدام بدائل أخرى غير الاقتراض الخارجي خاصة أن صندوق “كورونا” جمع أكثر من المبلغ المقترض؟
صندوق “كورونا” لن يحل المشاكل الأساسية، فالمغرب يعاني منذ سنوات من العجز في الميزانية والمشكل الذي سيطرح الآن بحدة وبشكل كارثي هو العجز الخارجي أي رصيدنا من العملة الصعبة، مشكل الحكومة اليوم ليس مواجهة عجز الميزانية الداخلية فقط، ولكن تغذية رصيد العملة الصعبة بالموارد لذلك فاللجوء إلى الاقتراض الخارجي يفرض نفسه بحكم الإكراه الذي نعاني منه، لكن الذي يجب أن نفهمه هو أن هذا القرض من نوع خاص لأنه يدخل فيما يسمى بالخط الائتماني المفتوح مع صندوق النقد الدولي منذ 2012، وكان المغرب يؤدي عنه بدون أن يستفيد ، ففي الخمس سنوات الأولى من حصولنا على هذا الخط دفعنا عليه أكثر من 700 مليون دولار.
لكن وزير المالية قال بإن هذا الخط ليس فيه شروط ولن ندفع عنه فوائد لأنه لن يكون على شكل مديونية بل سيدخل في ميزان الأداءات وهذا سيحافظ على سيادتنا المالية، إلى أي حد كلامه معقول في نظرك؟
يجب أن لا نتلاعب بالكلمات ونستغبي الناس هذا دين وانتهى الأمر لأن صندوق النقد الدولي لا يقدم الهدايا، إن لم يكن مبلغ 3 مليار دولار دين فعلى بنشعبون أن يخرج ويقول لنا بأننا حصلنا على هدية من صندوق النقد الدولي وأن هذه سابقة في التاريخ، صندوق النقد الدولي تحكمه قواعد ويقدم قروضا متعددة الأصناف وكل قرض له شروطه وسعر الفائدة الخاص به، ومستبعد بشكل كلي أن يكون هذا القرض بدون كلفة، وعلى الحكومة اليوم أن تكون شفافة وتخبرنا بشروط هذا القرض الائتماني، وفي المحصلة الشروط تطبق علينا منذ 2012 ، وآخر مثال على هذا هو قضية تحرير سعر صرف الدرهم، الذي فاجأنا البنك المركزي بالمرور إلى مرحلته الثانية علما أنه كان يؤكد سابقا أن هذا مستبعد، فوالي بنك المغرب في آخر مؤتمر صحفي عقده بعد انعقاد الاجتماع الفصلي للبنك قال للصحافة إنه من المستبعد أن نمر للمرحلة الثانية من التعويم، وأكد بأن المغرب غير مستعد للمرور لهذه المرحلة، لكن حصل نقيض هذا، إذن أليست هذه شروطا؟.
وفي هذه الحالة كيف تقرأ عواقب هذا الاقتراض على استقلال القرار الاقتصادي المغربي مستقبلا؟
يجب أن نعرف أننا لا نملك قرارنا ومسألة تحرير الدرهم التي تحدثت عنها سابقا خير دليل على هذا، القرار ليس بيدنا، القروض التي نلجأ إليها هي محاولة ترقيعية فقط، لكن السؤال المطروح هو هل هذه القروض كافية كي تمكن بنك المغرب من المحافظة على قيمة الدرهم في الحدود التي وضعها؟ هذا هو السؤال الأكبر، وإن كان صحيحا أن هذه الأزمة عالمية لكن المشاكل الكبرى للاقتصاد المغربي كانت قبل “كورونا”،الأزمة الحالية هي مجرد مرآة سلطت الضوء على مشاكلنا بطريقة كاريكاتورية، والخيارات الخاطئة التي ننهجها منذ سنين هي من أوصلتنا إلى هذا الوضع فمديونيتنا في الأصل مرتفعة واليوم لا نقترض للقيام باستثمارات بل من أجل سداد قروض سابقة، فهل هناك مأزق أكثر من هذا؟
بنشعبون أكد أيضا في تصريحات سابقة بأن الاقتصاد المغربي مرن وقادر على امتصاص الصدمات الخارجية هل هذه الثقة في محلها؟
هذا الكلام كان سيكون لو بقي مستوى صادراتنا مرتفع في حين أن الواقع غير ذلك، يجب أن لا ننسى أنه في السنوات الأخيرة صدعوا رؤوسنا بأن المغرب أصبح عملاقا في تصدير السيارات، صحيح أن صادراتنا من السيارات فاقت صادرات الفوسفاط، لكن من يصدر السيارات هو “رينو” و”بيجو” وليس المغرب هذا هو الأصح، واليوم هذه الشركات أقفلت مصانعها بسبب هذه الأزمة، وطبعا اتخذت هذا القرار دون العودة للحكومة والأخذ بإذنها وهذا أيضا وجه من أوجه السيادة، دون أن ننسى أن مصنع “رينو” بطنجة لوحده يشغل أكثر من 11 ألف شخص، وبعد إغلاقه هذا العدد الهائل من العمال في حالة بطالة، وفي الأخير قرار إغلاق المصانع كان لهاتين الشركتين وقرار استئناف الإنتاج سيكون لهما لوحدهما، بمعنى أن هذه الشركات المتعددة الجنسيات هي المتحكمة وليس المغرب وهذا يجيب أيضا على مسألة السيادة، و يحيل على هشاشة هذا النموذج الذي اعتمده المغرب، لأننا مجرد حلقة في سلسلة كبيرة من يقرر فيها هو مجلس إدارة هذه الشركات في باريس وطوكيو، دون أن ننسى أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج متوقفة الآن ونفس الشيء بالنسبة للسياحة، إذن أين هي هذه المرونة ؟
أحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط ، على عكس بنشعبون كان أكثر تشاؤما وأكد أن 2020 ستكون أسوأ سنة للاقتصاد المغربي، ومعدل النمو فيها لن يتجاوز 1 في المائة، بل ذهب أبعد من هذا وقال إن صندوق النقد الدولي يفرض على المغرب نفس الوصفات منذ الخمسينات وهذا يجب أن يتوقف ما رأيك في كلامه؟
هذا من باب شهد شاهد من أهلها فماذا بقي لي أن أقول أو أضيف؟، هذا هو الواقع وهذا الكلام صادر من رجل من رجالات الدولة تقلب في عدة مناصب منذ أكثر من 20 سنة وهو شاهد على عدة أمور، ويؤكد حقيقة ما تقوله الأصوات المعارضة وكل تحذيراتها السابقة.
كل الخبراء يتوقعون أن يشهد الاقتصاد المغربي ركودا كبيرا بعد هذه الأزمة، ما هي ملامحه في نظرك؟ وكيف يمكن أن تتعافى منها البلاد حتى تخرج بأقل الأضرار؟
أزمتنا داخلية مرتبطة بانهيار الإنتاج والتصدير، وخارجية أيضا لأن شركائنا الخارجيين الأساسيين أي إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، يتخبطون في أزمة كبيرة ووقع هذا على الاقتصاد المغربي سيكون قويا، فصادرتنا تنهار والواردات ستبقى في مستواها ،على الأقل في مادتين أساسيتين هما النفط والغذاء خاصة أننا في سنة جفاف، يضاف إليها انهيار السياحة، وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والاستثمارات الخارجية، أي أننا فقدنا مصادر تغذية رصيدنا من العملة الصعبة، وأزمة مثل هذه أظهرت بوضوح مشاكلنا القائمة منذ عقود، وما ينبغي القيام به هو اغتنام هذه اللحظة وأن تعي الدولة أنه من مصلحة الجميع دولة وشعبا أن البلاد تخرج من هذا النفق بمراجعة كل الاختيارات الاقتصادية السابقة، وأن نأخذ العبرة من هذه الأزمة لإحداث رجة والتأسيس لمرحلة جديدة.
هل يدفع المغرب ثمن الخيارات الاقتصادية التي تبناها خلال سنوات، الخوصصة والتحرير، ورفع اليد عن الخدمات الاجتماعية، وتقديم الدعم اللامحدود للقطاع الخاص، والاستمرار في الإعفاءات والامتيازات الضريبية؟
هذه الأزمة عرت كل هذا، منذ عقود سرنا في اختيارين أولهما اقتصاد السوق ثم دعم القطاع الخاص، قيل لنا بأنه إذا دعمنا القطاع الخاص سيكون هو المستثمر الأول وهو من سيخلق فرص الشغل، وهو من سيوزع المداخيل ويتكلف بالضمان الاجتماعي، وقيل لنا أيضا أن الاندماج في العولمة سيكون مكسبا لنا، لكن منذ سنوات وحتى قبل أزمة “كورونا” خسرنا هذا الرهان، ياريت لو أننا استطعنا حقيقة بناء اقتصاد السوق بشكل حقيقي، وليس اقتصاد الريع، وياريت أيضا لو كان عندنا قطاع خاص قوي وبرجوزاية حقيقية تتحمل مسؤوليتها التاريخية، وأن تكون فاعل رئيسي يحرك عجلة التنمية، لذلك يجب أن نعيد النظر في كل هذه الاختيارات، وأن نعيد الاعتبار للقطاع العام، لأنه لا اقتصاد السوق ولا القطاع الخاص استطاعا أن يؤمنا الحد الأدنى من التغطية الصحية والخدمات الاجتماعية للمواطنين في هذه الأزمة، لذلك أي اختيارات جديدة يجب أن تكون مناقضة تماما للسياسات القديمة.
لكن هل تظن أن الدولة ستراجع بالفعل هذه الخيارات بعد انقضاء هذه الأزمة أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟
إذا أردنا أن نكون واقعيين فينبغي القول إن الدولة تعودت على الترقيع في كل أزمة وعندما تنتهي تعود إلى عاداتها القديمة، لكن مثل أزمة “كورونا” جديدة ولم يسبق لها أن حدثت، وشئنا أم أبينا التغيرات التي ستفرضها ستكون عالمية، وستنعكس علينا، لذلك لا يمكن لأحد أن يتصور أنه بعد نهاية هذه الأزمة ستسير الأمور كما كانت في السابق دون أي تغيير، يجب أن نعيد النظر في العديد من الأمور وفي تموقعنا على الصعيد الدولي خاصة بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، ومعالجة مشاكل الميزانية، لأن هذه الأزمة هي لحظة حقيقة فالبلدان الرأسمالية نفسها وعلى رأسها أمريكا التي كانت تنومنا منذ سنوات بمسألة الليبرالية والأورثودوكسية المالية وغيرها، بمجرد ما بدأت الأزمة وتبين لها أنها على أبوب الانهيار لجأت إلى تطبيق سياسات كانت تعتبرها غير معقولة في السابق، لذلك علينا أن نأخذ العبرة وأن نتوقف عن تطبيق الوصفات الدولية التي لم تحقق لنا شيئا وجعلتنا دائما “تحت الحذاء”.
الدولة كانت تعتمد في السنوات الأخيرة على رجال الأعمال وتدفع بهم إلى المشهد السياسي ونفس الأمر بالنسبة للتكنوقراط هل ستستمر في استخدام هذه الوصفة؟ أم أن الأمر متوقف على النتائج التي ستفرزها الأزمة؟
لقد أجبت ضمنيا عن هذا السؤال، في إجاباتي السابقة، هذا الرهان خاطئ، الدولة قدمت الدعم للقطاع الخاص وأشبعته بالامتيازات الضريبية، لكن مع الأسف هذا لم يؤدي إلى أي تنمية حقيقية، وعلى سبيل المثال كوريا الجنوبية كانت تحقق نفس الناتج الداخلي الخام مع المغرب، في سنوات الستينات والسبعينات، وفي هذه الفترة لجأت هي الأخرى إلى تطبيق هذه الخيارات والنتيجة أن الدخل الفردي فيها يفوق الدخل الفردي بالمغرب اليوم عشر مرات، فما هو الفرق إذن؟ ببساطة كوريا شجعت القطاع الخاص ومدته بالدعم وفي فترة الثمانينات أحدثت طبقة برجوازية هي التي خلقت عدة ماركات تكلونوجية عالمية من “سامسونغ” و”هيونداي” وغيرها، إذن هذا الدعم خلق طبقة قائمة بذاتها ومستقلة عن الدولة وهي من طورت البحث العلمي وساهمت في تنمية البلد، أما “برجوازيتنا” وهذه الكلمة يجب أن توضع بين قوسين، بقيت تابعة للدولة وتنتظر ريعها لمراكمة الثروات أكثر من بحثها عن الربح المشروع في السوق، لذلك نحن لا نطالب اليوم بنظام شيوعي أو ندعو لطرد القطاع الخاص أبدا، المطلوب اليوم هو علاقة جديدة بين الدولة والقطاع الخاص، وإحداث قطيعة مع الماضي وفتح آفاق جديدة.
هل يجب أن نستمر في التفكير بنموذج تنموي جديد أم أننا نحتاج إلى تغييرات بنيوية شاملة؟
أولا كلمة “نموذج” ليس لديها أي معنى ففي القواميس تحيل على الأشياء الناجحة والإيجابية، في حين أننا نستعمله في المغرب للإحالة على التنمية التي فشلنا فيها، واليوم الذي يستحق النقاش هو الخيارات التي تبنيناها وفشلت وأوصلتنا لنفق مسدود، والتي يجب إعادة النظر فيها، وهذه الأزمة أعطت نفسا آخر لهذا النقاش وراهنية وهذا أمر إيجابي، اليوم نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى أن نعيد النظر في سياستنا الاقتصادية وهذا هو ما يجب أن يطرح على مستوى النقاشات التي تقوم بها لجنة النموذج التنموي، والمطلوب اليوم هو وأن نؤسس لمرحلة جديدة وهذا يبدأ بالسياسة لأن الاقتصاد في كنهه سياسي، والمدخل لكل الإصلاحات الاقتصادية سياسي بالدرجة الأولى، وما نحتاجه اليوم هو إصلاح سياسي شامل وجذري، يفسح المجال للإصلاحات الاقتصادية، وأن نبني اقتصاد وطني منتج، تضامني يقوى القدرات الاقتصادية للبلاد ويكون في خدمة الحاجيات الأساسية لأغلب المغاربة، لأن كل الاستثمارات القائمة حاليا تستفيد منها أقلية محسوبة، طبعا الانفتاح على العالم ضروري وحتمي لكن بطرق تتناسب مع أولوياتنا وسيادتنا الوطنية، لأن السيادة لها كلفة صحيح لكن ليس لها ثمن، والمشروع الاقتصادي لا يمكن أن يكون إلا في إطار مشروع سياسي مجتمعي مبني على تعاقد اجتماعي جديد.
على الصعيد الخارجي، العديد من المنظرين بشروا بانهيار الرأسمالية بسبب فشلها في امتصاص أزمة كورونا وتداعياتها لصالح عودة الاشتراكية، أو على الأقل العودة إلى تأميم القطاعات الحيوية والاسترتيجية.. كيف تقرأ مثل هذه الدعوات وإلى أي حد هي قابلة للتحقيق؟
الرأسمالية هي منهجية واختيارات وهي بالملموس مصالح كبيرة ولوبيات تتحكم في دواليب السلطة على الصعيد العالمي، هذه المصالح لن تنتهي بين ليلة وضحاها، بل بعد صراع طويل، وهذه الأزمة ما قامت به هو تعرية واقع كان موجود، فالدول الرأسمالية فشلت في تحمل مسؤولياتها أمام المجتمع في هذه الأزمة، وفشلت في تزويد المواطن العادي بالخدمات والمرافق العمومية الأساسية، وهذا ما يضرب من مصداقيتها، هذه العيوب ظهرت مع أزمة “كورونا” بوضوح، ولم يعد بالإمكان إخفاؤها بالدعاية ومؤسسات التواصل والتسويق التي تدخل في صلب آليات الضبط التي أنتجتها الرأسمالية، هل هذا سيؤدي إلى الانتقال إلى اختيارات أخرى تعيد الاعتبار للخدمة العمومية وينتفع بها السواد الأعظم من المواطنين وليس الأقلية؟ هذا لا يمكن التنبؤ به لكن بمجرد أن هذه الأزمة عرت عيوب الرأسمالية فهذا بحد ذاته مدعاة للتفاؤل، ولكن هذا التفاؤل يجب أن يكون حذرا لأن المسألة مرتبطة بموازين القوى عالميا، والتغيير هو صراع دائم ومتجدد تحدده القوى الحية في كل المجتمعات التي تناضل من أجل فرض السيادة الشعبية وهي مصالح الأغلبية الساحقة للمواطنين.